عَلامَ يدلّ تدخّل بايدن شخصياً لإلغاء إضراب عمّال سكك الحديد الأمريكية؟
لم يكن مفاجئاً تدخّل الرئيس الأمريكي جو بايدن شخصياً لإجهاض إضراب كان مخططاً لعمّال سكك الحديد الأمريكية كان مزمعاً اليوم الجمعة، ليس فقط لأنه كان سيخسّر الشركات أرباحاً طائلة ومبالغ تقدّر بـ 2 مليار دولار عن كلّ يوم واحد من الإضراب، بل ولأن أيّ اضراب كبير كهذا سيفتح «باب جهنم» على رأس المال في البلاد. لذلك هرع بايدن للاتصال حوالي الساعة التاسعة مساء الأربعاء أثناء التفاوض الذي جمع ممثلي الشركات مع بعض القادة النقابيين وبحضور وزير العمل الأمريكي، مارتي والش، واستمر الاجتماع لنحو 20 ساعة اعتباراً من الصباح الباكر لذلك اليوم (بتوقيت شرق الولايات المتحدة). في التقرير التالي يكشف أحد النقابيين في قطاع السكك الحديدية الأمريكية بأن القطاع تحكمه طرق تنظيم متخلّفة تعود إلى العام 1926! لافتاً الانتباه إلى سياسة «فرّق تسد» بتقسيم النقابات إلى 26 نقابة مختلفة لكي يستفرد بها رأس المال بالتفاوض مع كل واحدة على حدى.
ترجمة وإعداد: قاسيون
قال تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» بأنّ «الصفقة» التي أفضت إلى إلغاء الإضراب تضمنت منحهم «القدرة على أخذ إجازة مرضية دون القلق من التعرض لعقوبات تأديبية»! الأمر الذي رآه كثير من العمال والنقابيون أقل بكثير من مطالبهم، وفي الحقيقة يشكّل هذا فضيحة بتسليطه الضوء على أنّ أبسط حقوق العمّال الأمريكيين منتهكة في هذا القطاع، مع استغلال شديد بلا حتى «جداول دوام» أي أنه مطلوب منهم الجاهزية «24/7» للعمل بشكل شبه استعبادي وخاصة بعد تقليص عددهم وإرهاقهم بعد آثار الوباء بظل الركود والتضخم.
قد يؤدي إضراب عمال السكك الحديدية إلى اضطراب في سلسلة التوريد الغذائية في البلاد، ومن المحتمل بشكل كبير أن يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، كما أنه سيغلق السفر لقطارات الركاب ذات المسافات الطويلة التي تستخدم مسارات السكك الحديدية نفسها للشحن.
أعلن البيت الأبيض عن الاتفاقية في بيان في وقت مبكر من صباح الخميس، واصفًا ذلك بأنه «انتصار مهم لاقتصادنا»، وللشعب الأمريكي؛ ولا يزال يتعين على أعضاء النقابة المصادقة على هذه الصفقة.
كتبت مراسلة صحيفة واشنطن بوست لورين كاوري جورلي على تويتر «سيحصل العمال على أيام إجازة طوعية مخصصة، ويوم إجازة مدفوع واحد (لم يكن لديهم سابقاً أيّة إجازات مرضية)، وستوفر الاتفاقية للعمال القدرة على أخذ إجازات غير مدفوعة للعناية الطبية دون أن يكونوا عرضة لسياسات الحضور والغياب».
ولكن رون كامينكو، الذي يعمل كمهندس قاطرة، وعمل في كلٍّ من خدمتي نقل البضائع والركاب وتم التعاقد معه لأول مرة كمتخصص في شركة (Conrail) في عام 1996؛ وهو منظِّم (اتحاد عمال السكك الحديدية)، وعمل سابقًا كسكرتير وأمين عام اتحاد RWU وهو عبارة عن (تجمّع للتضامن بين النقابات المتقاطعة لعمال السكك الحديدية في جميع أنحاء أمريكا الشمالية)، قال:
أعتقد أننا جميعًا نحاول الآن فهم ما هو الاتفاق المبدئي ودون رؤية هذا الاتفاق مكتوباً من الصعب جدًا تقديم أي نوع من البيانات سواءً الدعم أو المعارضة له، يبدو وكأن النقاط الشائكة الثلاث الرئيسية بالنسبة للنقابات الحرفية العاملة كانت هي ذاتها المشكلات الثلاث الرئيسية التي يعاني منها معظم عاملي الشحن البري من المشغلين والمهندسين، وهي أنّهم لم يملكوا أيّة إجازات مرضية مدفوعة، وهذه هي المشكلة الأولى، ويبدو أنّ الاتفاق الأوّلي هذا منح إجازة مرضية ليوم واحد فقط والذي قد يظنّ أحدهم أنه يشكل نوعاً من الإهانة، معظم العمال يملكون إجازات مرضية لـ 10 أو 15 يوماً، ويبدو أيضاً أننا لن نتعرض للمحاسبة لأخذ وقت من ساعات العمل من أجل المواعيد الطبية، وأخيراً وليس آخراً يبدو أنه سوف يصبح هناك نوع من جداول الدوام، وهذا ربما يكون النقطة الأساسية هنا، لأنّ معظم عاملي السكك الحديدية لم يملكوا عادةً أيّ نوع من أوقات الدوام، حيث أنّنا على استعداد دائم بعد ساعتين من الاتصال بنا (24/7) طوال اليوم على طول الأسبوع، ويبدو أنه لنصل إلى (العصر الحديث) يجب علينا الحصول على أيّ شيء مشابه لجداول الدوام، وعلى حسب ما قرأت فإنّ مصطلح «أيام إجازة طوعية مخصصة» هو مبهم ومن الصعب تفسيره بالضبط، حيث أنّ الشيطان يكمن بالتفاصيل؛ وأعضاء النقابة سوف يكون لهم الكلمة الفصل، وسوف يتم نشر وتوزيع الاتفاق بين الأعضاء في الأيام والأسابيع القادمة وسيكون لدينا فكرة أفضل غالباً بعد ظهر اليوم ماذا تخبئ لنا الاتفاقية المبدئية التي تم التوسط فيها.
وأجاب رون أيضاً على سؤالين عن متى بدأت النقابات بالاحتجاج على ظروف العمل هذه (حيث تمت معاقبة عمال لذهابهم إلى مواعيدهم الطبية، أو إجازات مرضية)، وماهي أعداد النقابات المتدخلة؟
حيث قال إنّ الاجتماع الذي نراه كان قيد الإعداد له على مدى الثلاثين سنة الماضية. وأنا دخلت إلى هذه المهنة منذ ما يقارب 26 سنة وكنت مندهشاً لقلّة الإجازات وعدد ساعات العمل، وكان بالإمكان الحصول على مبالغ مالية جيّدة حيث كان من الممكن الحصول على هذا العمل بشهادة ثانوية، وكان هناك وقت ما حيث كان بإمكان العمال القيام بما يدعى (إزالة العلامة) mark off حيث كنت تستطيع كمتخصص أو ناقل أو مهندس أن تأخذ أسبوعين من العطلة للاهتمام بأعمالك أو الحصول على بعض الراحة أو الاستمتاع بعلاقة رومانسية أو الذهاب إلى فلوريدا، وقد خسرنا كلّ ذلك، والآن الشركات تتبع سياسات تشغيل الشركة بأقل عدد ممكن من العمال وبشكل قاسٍ، حيث إنهم لا يريدون أيّة موظف على قوائم الرواتب أكثر مما هو ضروري بشكل مطلق، وبذلك خسرنا الحق بالعمل متى شئنا وترك العمل متى شئنا، وأصبح الوضع شيئاً فشيئاً أكثر تقييداً مع مرور السنوات، لم نكن نملك على الإطلاق إجازات مرضية ولكن حتى وقت قريب لم تكن تلك هذه مشكلة لأن الحق بالعمل متى شئنا وعدم العمل متى شئنا كان يعدّ أحد ميزات ومنافع في مهنة السكك، ولكن اختفى ذلك كليّاً وتمّ استبداله بسياسات حضور قاسية وهذه الظاهرة قد تسارعت خصوصاً في خطة التشغيل الجديدة التي شملت معظم السكك ذات التصنيف الأول.
وهذا الشيء الذي يدعى جدولة النقل بالسكك بدقة، والتي هي طريقة "راقية" للتشغيل القاسي للعمال تقول: سوف نخفض الصيانة ونخفض التكاليف ونخفض الكادر، وبمعنى آخر سوف نفعل كل ما بالإمكان لزيادة أسعار الأسهم وزيادة الأرباح وتخفيض نسب التشغيل، وأحد الطرق للقيام بذلك هو الحصول على المزيد من العمل من الحجم نفسه من القوة العاملة الحالية، الأمر الذي تسبب بأوضاع مأساوية للعمال في السنوات الأخير، والتي كانت سئية بالأصل منذ 25 عاماً عندما كنت أعمل في مهنة الشحن، وما نراه الآن هو عمال بخبرة خمسة، وعشرة، وعشرين عاماً يتركون المهنة، وهو الشيء الذي لم يكن موجوداً حتى قبل 10 سنين ولكنه أصبح الآن شائعاً جداً.
تقسيم الحركة النقابية – فرّق تسد
ضمن المقابلة نفسها يلقي القائد النقابي نفسه الضوء على مشكلة خطيرة تتعلق بتشتيت وتقسيم عمال قطاع السكك الحديدية عبر تفريقهم في نقابات مختلفة وكيف عملت سلطة رأس المال في الولايات المتحدة على المحافظة على هذا النظام المتخلف منذ عام 1926.
يقول القائد النقابي: للأسف لدينا الآن اثنا عشر اتحاداً في النقل بالسكك، بدأنا بالتنظيم (النقابي) منذ البدايات، النقل بالشحن كان صناعة خطرةً جداً في القرن التاسع عشر، لذلك كنا أوّل من تنظّم، ولكننا تنظمنا على طول خطوط النقل (المختلفة)، وبسرعة أدرك العديد من قادة الاتحادات ومعظم أعضائها أنّ هذا الأمر غير فعّال، ولسوء الحظ في عام 1926 قام قانون عمل السكك الحديدية بتحجير هذا النظام القديم وإلى هذا اليوم ما زلنا (مشتتين) في 12 اتحاداً مختلفاً، كلّهم على طاولة المفاوضات الذين يملكون القدرة للحصول على صفقات أو اتفاقات مبدئية كلٌّ على حدى، وبعض هذه الاتحادات لديها أعداد قليلة جداً، نتيجة لذلك وفي نهاية الأمر كل المساومات التي واجهت عمال السكك كانت دون مقاومة فعّالة؛ وأعتقد أنّ عمال السكك سيملكون قوةً أكبر إذا استطعنا دخول المفاوضات متحدين كتنظيم واحد مع هذه الشركات الغنية ذات التصنيف الأول والبالغ عددها 500 شركة، ولكن للأسف ليست هذه هي الحال.
أرباح الشركات ظلت كبيرة حتى في ركود 2008
ورداً على سؤال إن كان يعتقد أن الصفقة سوف يتم الموافقة عليها من أعضاء الاتحاد قال: إنه من الصعب الجزم بذلك، فهناك الكثير من الاستياء، عمال السكك يعتقدون أنّ هذا هو وقتنا، والظروف هي بجانبنا، الحركة العمالية هي في طور العودة، سلاسل التوريد في فوضى، الحاملات السككية هي في حاجة ماسة للعمال. هناك قوة دافعة كبيرة إلى جانبنا، وهناك الكثير من الغضب والاحتقار لواقع أنّ شركات السكك حققت أرباحاً قياسية في أغلب السنوات الـ 25 الأخيرة، فقد حققت هذه الشركات أرباحاً حتى خلال الركود في عامي 2008 و2009 وحققوا أرباحاً قياسية أيضاً خلال الوباء، واليوم أثناء حديثنا هناك من المرجح المئات من قطارات الشحن الخاملة منتظرةً الطواقم، لأنّ صناعة السكك قد خفّضت حتى النخاع أعداد الموظفين لدرجة أنهم لم يعد لديهم أعداد كافية من الموظفين للمحافظة على عمل السكك بشكل لائق، ومع ذلك ما زالوا يحققون أرباحاً خيالية في وسط هذه الكارثة، ولذلك يبدو أنه أحد الطرق لتخفيف هذه الكارثة في السكك الآن سيكون تحسين أوضاع العمال، لجعل العمل مُرضياً مرة أخرى للمحافظة على الموظفين وجعل مهمة التوظيف أكثر سهولة. القليل جداً من الناس يريدون العمل في مجال السكك الآن، بينما في الأيام الماضية كان موظفو السكك ينصحون أطفالهم للحصول على عمل في المجال نفسه.
تدخل شخصي من الرئيس بايدين
ولكن احتمالات إضرابات ما زالت مفتوحة
وأخيراً، وردّاً على استمرار المفاوضات لعشرين ساعة وبتدخل ووساطة من الرئيس الأمريكي نفسه، وهل يظن أنه انحاز للعمال ومارس ضغطاً خصوصاً أنّ ثلث الشحن يتم عبر البلاد عن طريق السكك الحديدية، ناهيك عن اضطرار أحد الشركات (أماتراك) إلى إغلاق رحلات المسافرين طويلة المدى، وهل هذا يمثل ضغطاً على الملّاك أم العمال؟ أجاب النقابي:
أظنّ أنّ هناك الكثير من الضغط على العمال الآن بعد هذا «السيرك» للتصويت على هذه الاتفاقية المبدئية، هناك دائماً هذه الفكرة أنّ العمال «جشعون ورواتبهم مبالغ بها» وإلى ما هنالك، ولكن لو نظرنا إلى المطالب هنا فهي ليست فعلياً اقتصادية، نحن نتحدث عن إيجاد ما يشبه جداول العمل، وإجازات مَرضية، والتي هي مطالب موجودة بالفعل (بديهية) منذ عقود في الصناعات المتطورة والتي لديها اتحادات منظمة عالية المستوى، وبالطبع إمكانية المساومة على سياسات الحضور والتي هي مشكلة أخرى تم ببساطة استرضاء العمال بقولهم أنّهم لن يخضعوا لعقوبة لأخذ وقت مقتطع لأسباب طبية، ولكن هذا يلقي بوزن سياسات الحضور على كاهل العديد من عمال شركات النقل التي ما زالت هذه السياسات سارية المفعول فيها، لذلك كل ما يمكنني قوله أنّ أعضاء النقابات سوف يكون لهم الكلمة الفصل، وهناك الكثير من الاستياء لدى هؤلاء الأعضاء، فكما لاحظنا البارحة من قادة اتحاد الميكانيك، فإنهم كانوا أوّل مجموعة من الاتحادات التي وافقت على هذه الاتفاقية الأولية، ولكن أعضاء الاتحاد صوتوا برفضهم للاتفاقية الأولية، لذلك ما زال من المجهول ماذا سوف يفعل أعضاء كل من اتحادات الناقلين والمهندسين والآخرين في الأيام والأسابيع القادمة.
المصدر: Democracy Now