انتقادات جديدة لشركات اللقاح الغربية: عقود سرّية وتراخيص بلا تجارب بشرية

انتقادات جديدة لشركات اللقاح الغربية: عقود سرّية وتراخيص بلا تجارب بشرية

اتهم النائب الأوروبي عن رومانيا كريستيان تيرهي، الأسبوع الماضي، أثناء جلسة للبرلمان الأوروبي، الشركات الغربية الرئيسية المصنّعة للقاحات كوفيد، موديرنا وفايزر وأسترازينيكا «بإخفاء الحقائق وعدم إجراء تجارب سريرية للأدوية على البشر»، وطرح على مسؤولي الشركات، الذين حضروا جلسة استجواب، أسئلةً عن قيامهم بتجارب تعود إلى أعوام 2017 و2018 متعلقة بتطوير اللقاحات اللاحقة لكوفيد-19، عارضاً أمام الكاميرا ما قال إنها نسخة من عقد شركة موديرنا مع المفوضية الأوروبية، حيث ظهرت فيها عدة أوراق مطموسة بشكل كامل تقريباً باللون الأسود المستخدم لإخفاء أجزاء من النص على أنها «سرّية للغاية» والتي لا تشاهد عادةً إلا في وثائق وكالات الاستخبارات، منتقداً انعدام الشفافية ومطالباً بحقوق المواطن «بالموافقة المستنيرة» على ما يتناوله من لقاحات.

حذّر خبراء صحة في الولايات المتحدة الأمريكية من أنّ قرار الولايات المتحدة طرح معززات جديدة لفيروس كورونا دون إجراء اختبارات سريرية على البشر يهدد بزعزعة ثقة الجمهور وزيادة التردد بشأن اللقاحات

ويأتي ذلك أيضاً في الأسبوع نفسه الذي قام فيه النائب الروماني تيرهي بتوجيه وابل من الأسئلة إلى الرئيس التنفيذي لشركة «موديرنا» ستيفان بانسل ونائبة رئيس شركة «أسترازينيكا» في أوروبا وكندا إيسكرا ريك، وذلك خلال جلسة للجنة الخاصة للاتحاد الأوروبي بشأن جائحة كوفيد-19 في بروكسل الأسبوع الماضي، التي حضرها أيضاً ممثلو شركتي «جلعاد للعلوم» و«سانوفي».

وسأل النائب مصنّعي اللقاحات عمّا إذا تم اختبار مدى قدرة لقاحاتهم على وقف انتشار الفيروس. كما سألهم إذا كان قد مات أيّ من المشاركين أثناء تجارب اللقاحات (أجابوا عن هذا السؤال بالنفي). واستفسر حول طلب الشركات إخلاء المسؤولية من الآثار السلبية الممكنة للقاحاتهم، فأجابوه بأنّ آلية الترخيص الطارئ للقاحات وفق المنظّم الأوروبي وبحسب منظمة الصحة العالمية تجيز ذلك 

وفي الحقيقة فإنّ هناك استثناءً بالفعل تمنحه وزارة الصحة العالمية والهيئات المنظّمة المرخِّصة للأدوية الأوروبية والأمريكية بهذا الخصوص ولكنها تكون عادة مشروطة، والشرط بحد ذاته يعتبر إشكالياً إذ ينصّ على أنْ تكون «الفوائد المتوقعة من المادة الدوائية أو اللقاح أكبر من الأضرار المتوقعة بسببها». طبعاً هذه الصياغة سيف ذو حدين. وأمام شركاتٍ جشعة ومشبوهة وهمّها الأساسي الربح، وتقدّم عقوداً تطمس صفحات بالكامل منها باللون الأسود تحت ذريعة «الأسرار التجارية» لا يعود هناك ما يضمن أن تستخدم هذه الشركات هذا الاستثناء «القانوني» بطريقة حميدة، لأنّ الشركات نفسها إلى حدّ كبير تستطيع أن تتحكم وتقدّم الرِّشى لـ«الخبراء» وللإعلام والسياسيين للحصول على التراخيص. وتصبح المشكلة أخطر أمام طبقة سياسيين فاسدة مثل مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين لم يتورّعوا عن إيقاع شعوبهم بخطر الموت برداً بسياستهم في الطاقة والغاز مثلاً، لمصالح أنانية، فهل يمكن منهم توقّع سلوك «أشرف» مع تراخيص الأدوية واللقاحات، أمام عمالقة شركات بخزائنها المملوءة بالمال والمستعدة دائماً للفساد والإفساد؟ 

وحول العقود «السرّية» التي أبرمتها مع الحكومات، قال النائب الروماني: «بين يدي إجابة من الوكالة الأوروبية للأدوية، توضّح نوع الاختبارات التي تم إجراؤها لكل لقاح. في حالة موديرنا، مثلاً، قدّمتم بيانات توضّح أنكم اختبرتم هذه اللقاحات منذ أعوام 2017، و2018 و2019. لكن كيف يمكن اختبار هذه اللقاحات في ذلك الوقت بينما اكتشفنا هذا الفيروس في ديسمبر/كانون الأول عام 2019 فقط؟!».

وأظهر النائب خلال الجلسة صفحات من العقود يخفي حبرٌ أسود محتواها بشكل شبه كامل، وقال: «ذكرتم أنّ هناك بعض الأسرار أو بعض المعلومات السرّية في هذه العقود وأنه يجب حماية مصالحكم. والآن السؤال الذي أوجهه إليكم: وماذا عن مصالحنا ومصالح المواطنين الأوروبيين؟».

وطالب البرلمانيّ شركةَ «موديرنا» بنشر كامل نص العقد بين الشركة وكل من المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على حِدة.

وقال: «لماذا تحمّلون الحكومات والمواطنين الذين يتلقون هذه اللقاحات، أعباءَ التعامل مع الآثار السلبية (للّقاحات) بينما أنتم تحصلون على كل الأرباح... وهل تعتقدون أنه يمكننا أن نطلب من المواطنين الأوروبيين التطعيم ببعض المنتجات الطبية التي لم يتم اختبارها بشكل صحيح أو لم يتم اختبارها على الإطلاق على البشر؟».

أمريكا ترخص لقاحات معزّزة جديدة دون تجارب بشرية! 

نشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 12 أيلول/سبتمبر الجاري انتقادات وجّهها خبراء في الصحة ومسؤولون في برامج لقاحات يحذرون فيها من ترخيص اللقاحات التي لم تجرّب على البشر.

وقالت الصحيفة إنّ إدارة جو بايدن تستخدم لقاحات معززة ثنائية التكافؤ، والتي تحتوي على سلالة كوفيد-19 «الأصلية» مع الشفرة الوراثية لمتغيرات أوميكرون الفرعية BA.4 وBA.5، لتحصين المزيد من الأمريكيين ضد الفيروس.

وقد اشترت الإدارة الأمريكية بالفعل 171 مليون جرعة من هذه المعززات من شركتي BioNTech/Pfizer وModerna مقابل 5 مليارات دولار وقامت بتسريع منح الترخيص لها قبل اكتمال التجارب البشرية، وفق ما أكدت فاينانشال تايمز، وقالت إن «مبرّر» هذا التعجيل هو أن «توفر حماية أفضل ضد المتغيرات السائدة من لقاحات كوفيد الحالية» وفق الإدارة الأمريكية.

ومع بدء وصول الجرعات إلى الصيادلة لتوزيعها هذا الأسبوع، قال المسؤولون الأمريكيون إن طرح البرنامج يمثل «معلماً مهماً». وقالوا إن الناس في المستقبل ربما يحتاجون إلى معززات سنوية تماماً مثلما يأخذون لقاح الإنفلونزا السنوي.

لكن العديد من خبراء الصحة قالوا إن المعززات لم تسفر إلا عن بيانات محدودة من عدد صغير من الاختبارات على الفئران. قالوا إنه لا يوجد دليل على أن هذه اللقاحات المعززة الثنائية الجديدة من الشركتين المذكورتين توفر حماية أفضل ضد العدوى أو الأمراض الشديدة من اللقاحات الموجودة.

وحذّر إريك توبول، مؤسس ومدير معهد سكريبس للأبحاث الانتقالية: «هناك بالفعل مجموعات تسميه لقاح الفئران... لدينا بالفعل مشكلة ثقة في هذا البلد ولسنا بحاجة إلى جعلها أسوأ».

بعد مرور عامين ونصف على انتشار الوباء، هناك شعور متزايد بنقص الاهتمام العام تجاه كوفيد، حيث أصيب معظم الناس بالفعل بالفيروس أو تم تطعيمهم وأحياناً عدة مرات مع جرعات معززة. وفشلت إدارة بايدن أيضاً في تأمين تمويل إضافي بقيمة 22.4 مليار دولار من الكونغرس، مما قد يحد من قدرتها على تجديد إمدادات اللقاح. 

وقال بول أوفيت، مدير مركز تعليم اللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا «يعاني الناس من التعب... إنهم يشعرون في هذه المرحلة أنهم محميون في الغالب وأن الوباء بات وراءهم إلى حد كبير لذلك أعتقد أنه سيكون هناك اهتمام أقل بهذه المعززات».

كان أوفيت واحداً من عضوين اثنين في اللجنة الاستشارية لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية للتصويت ضد مطالبة شركتي Pfizer وModerna بتطوير لقاح ثنائي التكافؤ دون بيانات سريرية تظهر فيما إذا كان أداؤه أفضل من لقاحات كوفيد المتوافرة حالياً.

وقال أوفيت لصحيفة فاينانشيال تايمز: «ما يزعجني في هذا هو كيف أننا على استعداد للمضي قدماً في لقاح من دون بيانات بشرية؟» مضيفاً «أعتقد أن هذا كثير لأطلبه من الناس». 

وهكذا نجد إلى أين وصل التناقض مع المصالح الأنانية الربحية لهذه الشركات، حتى بتنا نسمع هذه الأصوات المتصاعدة الناقدة أكثر فأكثر، وهذه المرة ليست مجرد أصوات ممّن يسمَّون «مناهضي اللقاحات» أو «أصحاب نظريات المؤامرة» بل من خبراء ومسؤولين بالصحة، يلاحظون كيف أنّ غياب الشفافية وانعدام المنطق في ترخيص لقاحات قبل التأكد من التجارب البشرية، يلعب في الحقيقة دوراً معاكساً لمجهود كل العلماء والأطباء ومقدّمي الرعاية الصحية في وقاية البشر من المرض، والأهم من ذلك أن الشركات الجشعة بسلوكها هذا تعزّز في الحقيقة الشكوك والمخاوف لدى الناس من تلقي اللقاحات والمنتجات ليس فقط من هذه الشركات الفاسدة، بل وحتى تلك اللقاحات الأخرى المدروسة جيداً والتي أنتجت على أسس مختلفة تماماً والتزمت بالمعايير العلمية الصحيحة.