واشنطن تصعّد مجدداً: وفد كونغرس جديد زار تايوان!

واشنطن تصعّد مجدداً: وفد كونغرس جديد زار تايوان!

بعد التوتر الشديد الذي سببته زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، أعدّت «الرؤوس الحامية» في واشنطن خطوة استفزازية أخرى، إذ قام وفدٌ جديد من مجلس النواب الأمريكي برئاسة السيناتور إد ماركين بزيارة جديد للجزيرة بعد مرور 12 يوم فقط على الزيارة السابقة، الخطوة التي قابلتها الصين بإعلانٍ عن مناورات جديدة بدأت فعلًا.

المقاتلات الصينية استقبلت وفد الكونغرس على طريقتها، فقامت القوات الجوية الصينية بتنفيذ طلعات جوية بالقرب من الجزيرة متجاوزين «خط الوسط الأمريكي». وبدأت الصين بعدها مناورات تتطابق في معناها السياسي مع المناورات السابقة. في الوقت الذي أُعلن فيه أن الوفد سيناقش مع مسؤولين رفيعي المستوى في تايوان مسائل مثل العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان والأمن الإقليمي والتجارة والاستثمار وسلاسل التوريد العالمية.

خِيار التصعيد

لم يكن رد الصين على زيارة بيلوسي كما توقع البعض، فالصين لم تبدأ إنزالاً عسكرياً مباشر للسيطرة على الجزيرة، ما فسره جزءٌ من المتابعين بوصفه تراجعاً عن التهديدات التي أطلقتها في الأسابيع الماضية، لكن الرد الصيني جاء متعدد الجوانب ولا تزال تبعاته تظهر تدريجياً. فالقيادة السياسية في البر الصيني لم تنجرّ بعد لعملٍ عسكري موسع في تايوان، لكنها أطلقت رداً ذا طابعٍ استراتيجي وخطوات متوسطة المدى، وهو ما سيزيد من الضغط على تايوان والولايات المتحدة مع مرور الوقت إلى تلك الدرجة التي تصبح فيها حظوظ مهمة توحيد الصين أكبر وخسائرها أقل. لكن الولايات المتحدة تسعى بوضوح إلى زيادة جرعة الاستفزاز أملاً في دفع الصين إلى تورّط أوسع وهو التوجه الذي لم يحسم بعد بشكلٍ نهائي في واشنطن نفسها. لكن المدافعين عن هذه الاستراتيجية الأمريكية المجنونة لا يزالون قادرين على تنفيذ خطوات استفزازية بشكلٍ يومي، لا في محيط تايوان فحسب بل في كل ملفات الصين الحساسة، مما يجعل حجم التهديد على الأخيرة أكبر وأكثر خطورة وخصوصاً أن بكين ترى ما يجري بوصفه محاولة لاحتوائها والتضييق عليها.

معركة أشباه الموصلات

ضمّ جدول أعمال بيوليسي لقاءً مع إدارة شركة TSMC المتخصصة في تصنيع أشباه الموصلات، وعقد وفد الكونغرس منذ أيام لقاءات مع «القطاع الخاص» في تايوان وتحديداً مع الشركات الكبرى أمثال TSMC، وتتناول الصحف الأمريكية مجموعة من التحليلات حول هذه المسألة الحساسة، فالولايات المتحدة تشعر بالقلق وتحديداً بعد بدء المناورات العسكرية الصينية من قدرة بكين بشكلٍ أو آخر على تعطيل عمل هذه الشركات، وما ينتج عن ذلك من ضرر كبير على سلاسل توريد الصناعات الإلكترونية المتطورة والأمريكية خصوصاً، التي تحصل على النسبة الأكبر من الرقائق عالية الدِّقَّة من تايوان كغيرها من دول العالم. لذلك تصر واشنطن على وضع هذه المسألة ضمن جدول أعمالها الرسمي. ما يدور في ذهن الولايات المتحدة بات أكثر وضوحاً فبحسب CNBC الأمريكية أن توقيع بايدن في 9 آب الجاري على قانون تشجيع الاستثمار في صناعة هذه الرقائق في بلاده يؤكد سعي واشنطن إلى توطين هذه الصناعة على أراضيها عبر دفع وترغيب المصنِّعين الأساسيّين لنقل معاملهم أو فتح معامل جديدة في الولايات المتحدة. الاحتمال يبدو صعباً ويحتاج وقتاً طويلاً ليدخل حيّز التنفيذ، لكن التوتر الجاري حالياً في مضيق تايوان وآثاره المحتملة على قدرة هذه الشركات على العمل عُدَّ عامل ضغطٍ جدي تستثمره واشنطن لمصلحتها.

تعتبر مشكلة أشباه الموصلات شديدة الحساسية إن لم تكن حاسمة بالنسبة لواشنطن وبكين مما يجعل الضغط الأمريكي بهدف نقل وتوطين هذه التِّقَانَة بمثابة تصعيد شديد الْخَطَر لا تغفل عنه الصين التي خصصت 33.7 مليار دولار في عام 2020 (بزيادة أربعة أضعاف عن السنوات السابقة) بهدف تطوير هذه الصناعة على أراضيها. شركات التصنيع الموجودة في تايوان شأنها شأن معظم الشركات التي ترى وقوفها إلى جانب ما في هذا الصراع يعني خسارة جزء مهم من حصتها السوقية وهو ما تراه الصين مدخلاً جيداً لاستمالة هذه الشركات وخصوصاً بعد الخسائر التي لحقت بـ TSMC عندما خضعت للعقوبات الأمريكية وأوقفت التعاون مع شركة هواوي الصينية.