الأزمة الأوكرانيّة ترهق الأمريكيين في آسيا
بقلم : ام.كي.بدرأكومار بقلم : ام.كي.بدرأكومار

الأزمة الأوكرانيّة ترهق الأمريكيين في آسيا

تؤدي محاولات الأمريكيين إضعاف روسيا من خلال تعميق الأزمة في أوكرانيا وأوروبا إلى غير ما يشتهونه على المسرح العالمي، ويبدو ذلك واضحاً في آسيا بتسارع إضعاف نفوذ الأمريكيين. تقوم استراتيجية الولايات المتحدة التأزيمية على افتراض قدرتها على احتواء روسيا والصين معاً، ولهذا فأيّ رياح معاكسة لخططها في آسيا سيعني تعميق تراجعها، وإضعاف نفوذها أكثر.

ترجمة : قاسيون

صاغ البروفسور هال براندز – وهو بروفسور الشؤون الخارجية الحاصل على لقب التميّز رفيع المستوى من قبل هنري كيسنجر في معهد جون هوبكنز – موقف الولايات المتحدة بما لا يدع مجالاً للخلط بين خيط انتصارها  وخسارتها: «حسناً، كان هناك نقاشٌ طويل في الولايات المتحدة حول ما إذا كان ينبغي لنا إعطاء الأولوية للتنافس مع روسيا أو الصين، أو التعامل معهما على أنّهما متساوياتان. وقد عاد هذا النقاش من جديد في سياق الحرب الدائرة. أعتقد أنّ ما تشير إليه الحرب هو أنّ أفضل طريقة للضغط على الصين – وهي الأكثر خطورة والأقوى بين الخصمين – هي في الواقع ضمان هزيمة روسيا، وعدم تحقيق أهدافها في هذه الحرب. لأنّ ذلك سينتج عنه ضعف روسيا، وتقلص قدرتها على ممارسة الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، وبالتالي تصبح أقلّ فائدة كشريك استراتيجي لبكين... لهذا لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة أن تتجنّب حقيقة أنّه يتعيّن عليها احتواء كلّ من روسيا والصين في الوقت ذاته».

خطوط صدع كبيرة

بدأت خطوط الصدع في آسيا تظهر من كازخستان إلى ميانمار، ومن جزر سليمان إلى جزر الكوريل، ومن كوريا الشمالية إلى كمبوديا، ومن الصين إلى الهند وباكستان وأفغانستان، قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنّها تعمقت اليوم.

قامت روسيا قبل بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا بالتدخل بشكل سريع في كازخستان – التي تشترك بحدود مع كلّ من روسيا والصين – لإفشال محاولات الولايات المتحدة إطلاق ثورة ملونة تطيح بالحكومة، الأمر الذي عنى هزيمة مبكرة للأمريكيين هناك.

بالمثل، تعثّر المشروع الأمريكي لإشراك ميانمار – المتاخمة للصين – في تمرّد مسلّح، وذلك بشكل أساسي بسبب توافق مصالح الدول المجاورة على أنّ الاستقرار في ميانمار يجب أن يبقى.

بينما على المقلب الآخر، فقد تفاقم خطّ الصدع الكوري الشمالي، حيث تتحرّك كوريا الشمالية وفقاً لجدولها الزمني الخاص، وربّما قررت بأنّ أزمة أوكرانيا يمكن أن توفّر لها غطاء لتكثيف تعزيز أمنها ونفوذها عبر زيادة نوعية وكمية في قدرات الردع لديها، وتعزيز موقفها التفاوضي.

آسيان يزعجون الولايات المتحدة

على مستوى آخر، أضافت الأزمة الأوكرانية إلحاحاً جديداً في جهود الولايات المتحدة لتنمية شركاء آسيويين جدد. لكنّ واشنطن واجهت رياحاً معاكسة واضطرت لتأجيل قمة خاصة مع الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» كان من المقرر عقدها في نهاية آذار إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد أن وصفت الولايات المتحدة القمّة باعتبارها «أولوية قصوى».

كان على واشنطن أن تظهر بعض الغضب، فهو أكثر ما لديها، فقامت واشنطن بفرض عقوبات على كمبوديا التي ترأس رابطة آسيان حالياً. من الواضح أنّ واشنطن أرادت إرسال رسالة إلى دول آسيان المترددة والحذرة في اتخاذ موقف منحاز إلى الولايات المتحدة في توجيه انتقادات ضدّ روسيا.

انتصار جزئي

يمكن اعتبار التدهور الحاد في العلاقات اليابانية الروسية أكثر التداعيات المباشرة المرُضية لواشنطن في آسيا حتّى الآن. إنّه تطور غير مبرر قامت فيه طوكيو بنسخ جميع العقوبات الأمريكية ضدّ روسيا، بما في ذلك العقوبات ضدّ الرئيس بوتين، ما يعني بأنّ رئيس الوزراء كيشيدا قد دمّر بشكل تعسفي ما كان سلفه شينزو آبي قد زرعه بعناية لتوطيد العلاقات الودية.

باتت اليابان تشير بشكل صريح إلى «احتلال» روسيا لجزر الكوريل، الأمر الذي لم تفعله في الماضي. قامت موسكو بالرد بتصنيف اليابان كدولة غير صديقة، ما يعني بأنّ أحلام بعض النخب اليابانية بالتنسيق مع روسيا لتشكيل موازن للطموحات الصينية في القطب الشمالي إمّا تلاشت، أو سيكون من الصعب إحياؤها.

حتّى أنتم يا جزر سليمان!

فتح زلزال الإرباك الأمريكي المجال أمام الصين كي تبدأ بتحدي السياسة والاستراتيجية الأمريكية في المحيط الهادئ، وذلك عبر التفاوض على صفقة أمنية جديدة مع جزر سليمان.

كان لهذا التطوّر المغيّر للعبة وقع كثيف وخطير على استراتيجية الولايات المتحدة المتصلة بتايوان، الأمر الذي قالت التقارير بأنّه استدعى من الرئيس الأمريكي إرسال مبعوثي البيت الأبيض إلى جزر سليمان لإقناعهم بعدم المضي قدماً في الصفقة مع الصين.

ومن خطوط الصدع الأعمق والأكثر تأثيراً ربّما على «نفسيّة» الأمريكيين وقدراتهم في آسيا: الخطوات التي تتخذها الهند باتجاه التعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا بالعملات المحلية، الأمر الذي رأينا خطواته الأولى تتمّ بالفعل.

من المهم أن نتذكّر بأنّ الهند والصين، قد اتخذتا موقفين متشابهين إلى حدّ ما بشأن الأزمة في أوكرانيا.

إن حجم الاقتصاد الصيني والإمكانات المرتفعة للنمو في الاقتصاد الهندي، يعني بأنّ ميلهما لتجاوز الدولار سيكون عاملاً محدداً لاتجاه البلدان الأخرى. لا تبدو دعوة روسيا لمجموعة بريكس للاقتصادات الصاعدة إلى توسيع استخدام العملات الوطنية ودمج أنظمة الدفع أمراً خيالياً من هذا المنطلق.

باكستان وأفغانستان

رغم أنّ الدلائل تشير إلى أنّ العلاقة بين الصين وباكستان لن تتأثّر بسبب الأوضاع السياسية الداخلية في باكستان، علينا الانتظار قليلاً بعد لنرى مدى تدخل الولايات المتحدة في مسألة العزل، ومدى قدرتها على الاستفادة من الوضع.

في أفغانستان، عملت وتعمل كلّ من روسيا والصين على إبقاء الباب موصداً في وجه عودة الناتو إلى أفغانستان، وقد قوضوا جهود واشنطن الأخيرة لاستمالة طالبان في كابول. يعكس مؤتمر وزراء الخارجية حول القضية الأفغانية الذي أقيم في الصين مؤخراً، أنّ دول المنطقة مصممة على الابتعاد بشكل تدريجي عن «استثنائية الغرب».

تثبت التطورات بشأن أفغانستان أنّ دول آسيا مستعدة للتجاوب بسرعة لمنع تكرار تجاربها التاريخية المريرة مع الاستعمار، الأمر الذي تقلل الولايات المتحدة عادة من شأنه. وكلّما ضعف النفوذ الأمريكي في آسيا وقلّت قدرتها على الهيمنة، توضحت خطوط الصدع التي تباعد بين الولايات المتحدة وبين أحلام هذه الدول بعالم أكثر تعددية، يمكن التنبؤ بقواعده وقوانينه.

 

بتصرّف عن:

https://www.indianpunchline.com/asian-fault-lines-of-bidens-war-on-russia/

آخر تعديل على الثلاثاء, 12 نيسان/أبريل 2022 13:21