الملف النووي الإيراني: التوازنات وحسابات المصلحة
لم يمض وقتٌ قليل منذ أن كشفت تطورات المفاوضات بين إيران والقوى الغربية حول إعادة إحياء الملف النووي الإيراني أن هوامش الاختلاف بين الجانبين قد تضيّقت، وأن التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق هو أمر ممكن وسهل نسبياً لو حسمت الأطراف رغبتها بذلك.
رغم ذلك، لم تسر الأمور في اتجاه التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق بسرعة رغم إعلان الجانبين سيرهما بهذا الاتجاه. وهو ما فتح الباب للسؤال عن أسباب هذا التأخر ولمصلحة من ألا تتم الأمور بسرعة كبيرة، رغم أن جلسات الخبراء والمشاورات غير الرسمية ما زالت مستمرة في فيينا بين الوفود المشاركة.
في هذا الإطار، تؤكد مصادر إعلامية إيرانية أنه رغم التقدم اللافت الحاصل في المفاوضات، ما زالت هنالك قضايا مهمّة عالقة لم يتم التوصل إلى الاتفاق النهائي حولها ولا يوجد موعد محسوم لذلك.
وفي الحقيقة، كشف الجانب الإيراني عن جزء من الأسباب الحقيقية الكامنة وراء التأخير، عندما أعلن أن الوصول إلى الاتفاق النهائي يحتاج إلى "قرارات سياسية" من جانب القوى الغربية، وبشكلٍ خاص الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تريد طهران حسم الملف النووي بأعلى درجة ممكنة من التنازلات التي سيضطر الغرب لتقديمها وبأعلى قدر مكتسبات لإيران.
من هنا، وإن كان الموقف الإيراني واضحاً لجهة رفضه التخلي عن أيٍّ من الشروط التي وضعها في إطار استعادة القدرات الاقتصادية التي حُرمت طهران من الاستفادة منها على خلفية العقوبات المرتبطة بملفها النووي، بما في ذلك الشرط الإيراني بأن يمرّ إقرار الملف النووي عبر الكونغرس بحيث لا يتمكن أي رئيس أمريكي مقبل من التراجع عن الاتفاق (كما فعل الرئيس السابق، دونالد ترامب). فإنه من الواضح أنّ رغبة طهران بإنهاء الملف – الآن فوراً – تشوبها بعض التقديرات التي لا ترى مصلحة بالمضي في هذا الاتجاه.
ولا ينبغي إغفال أن الجانب الإيراني لا بد أنه يدرك أنه في حال وجود مفاوضات تسير بالتوازي مع حدث عالمي كبير (مثل المواجهة الروسية الغربية في أوكرانيا)، فإن نتيجة هذه المفاوضات قبل تكشّف نتيجة المواجهة ستكون أقل بكثير من النتيجة المتوقعة في حال تم إنهاء الملف بعد إلحاق هزيمة من العيار الثقيل للوزن الغربي. من هنا، يمكن فهم بعض التصلّب الإيراني في التعاطي مع مسألة المفاوضات، حيث يمكن لإيران أن تتوقع حسم الملف لا وفقاً لموازين القوى التي كانت قائمة في عام 2015 حين تم التوصل للاتفاق، ولا وفقاً لموازين القوى اليوم، بل حسب موازين الغد التي لا بد أن الجانب الإيراني يدرك أنها لن تكون لمصلحة الغرب.