ليتوانيا تتوب وتايوان تحاول إغواءَها
منذ العام الماضي، حازت ليتوانيا على اهتمام يفوق حجمها بكثير بسبب السماح لتايوان بفتح مكتب تمثيل لها في العاصمة فيلينيوس، الأمر الذي دفع الصين لسحب ممثليها الدبلوماسيين وسفيرها من ليتوانيا، وإيقاف الأعمال التجارية معها لكونها خرقت مبدأ «الصين الواحدة» الذي تعتمده الصين مع الجميع في علاقاتها الخارجية.
لكن يوم الثلاثاء 4/1، قام الرئيس الليتواني بالإعلان بأنّ بلاده ارتكبت خطأ بالسماح لتايوان بفتح مكتب تمثيلي لها في العاصمة فيلينيوس تحت اسم «تايوان». وفي محاولة الرئيس الليتواني لحفظ ماء الوجه، قال بأنّ افتتاح المكتب ليس خطأً بحدّ ذاته، ولكن تسميته بهذا الشكل دون التنسيق معه هي الخطأ.
ورغم أنّ الرئيس الليتواني وصف ردّ الفعل الصيني بأنّه هجوم على الاتحاد الأوروبي، فلا يخفى على أحد بأنّ أعضاء الاتحاد الأوروبي منزعجون ويخشون أن يؤثّر السلوك الليتواني عليهم، ولهذا فشلت ليتوانيا في الحصول أساساً على دعم دول المجموعة لموقفها.
علّق كوي هونغيان، مدير قسم الدراسات الأوروبية في مؤسسة الصين للدراسات الدولية على الأمر: «أظنّ بأنّ الرئيس الليتواني صرّح بأنّه مخطئ لسببين: الأول أنّ هناك خلافاً في الآراء داخل ليتوانيا من المناورة التي قامت الحكومة بها بخصوص تايوان. وثانياً أنّ ذلك لم يُرضِ دول الاتحاد الأوروبي، لأنّ تطورات الوضع قد تجرّ العلاقات الأوروبية-الصينية إلى مكان سيّئ. المشكلة مع الصين تتوسع، وتلقي بظلالها بالفعل على بقية دول أوروبا.
ليتوانيا والصين
أعلنت الصين إيقاف الواردات من ليتوانيا على خلفية السماح بافتتاح مكتب تايوان التمثيلي، بل قامت في الحقيقة بإزالة تايوان من نظام الجمارك الصيني بأكمله.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لتايوان؟
ليس هناك من الناحية المباشرة علاقات تجارية كبيرة بين ليتوانيا والصين، فصادرات ليتوانيا إلى الصين في 2020 لم تتخطَّ 356 مليون دولار وفقاً لبيانات COMTRADE الخاصة بالأمم المتحدة.
لكنّ المسألة ليست بهذه البساطة، فليتوانيا لديها اقتصاد موجّه ناحية التصدير، وهي موطن للكثير من مصانع الشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تصنّع فيها أشياء مثل الأغذية والأثاث والثياب وقطع غيار السيارات.
كمثال، قامت الصين بمنع دخول شحنات من قطع السيارات الألمانية إلى أراضيها لأنّ صانع قطع السيارات «Continental» يقوم بتصنيع جزء من مكونات قطعه في ليتوانيا.
محاولات اللملمة
صرّحت رئيسة الوزراء الليتوانية إنغريدا سيمونيته مؤخراً بأنّ افتتاح مكتب تمثيل تايواني لا يستدعي من الصين مثل ردّة الفعل هذه، فهذه الخطوة لا تعني أيّ تعارض أو عدم موافقة من بلادها على سياسة «الصين الواحدة».
لكنّ محاولة لملمة الموضوع من قبل المسؤولين الرسميين الليتوانيين لن تعني شيئاً للصين طالما أنّ المكتب في العاصمة فيلينيوس يحمل اسم «تايوان».
الحكومة الليتوانية في موقف صعب اليوم بسبب الأزمة مع الصين. في استطلاع أجراه مركز البحوث الليتواني Vilmorus في كانون الأول/ديسمبر 2021، ظهر أنّ هناك فقط 17.3% من سكان ليتوانيا البالغين من العمر 18 عاماً فأكثر لا يزالون يثقون بحكومتهم.
السياسيون أمثال الرئيس السابق فالداس أدامكوس، وزعماء المعارضة راموناس كارباوسكيس وفيليخا بلينكفيسوته، انتقدوا السياسة الليتوانية تجاه الصين، ووصفوها بأنّها «غير مهنية».
اللهفة التايوانية والأمريكيون الصامتون
أعلن المبعوث التايواني إلى مكتب التمثيل في ليتوانيا «سفارة الأمر الواقع» يوم الأربعاء 5/1 بأنّ تايوان ستؤسس صندوق تمويل استثماري في ليتوانيا بقيمة 200 مليون دولار. أي بعد يوم واحد من إعلان الرئيس الليتواني عن «خطأ» بلاده.
بحسب التصريح التايواني، سيركز الصندوق على تعزيز العلاقات التجارية، بحيث تكون الأولوية للتعاون الصناعي في مجال أشباه الموصلات، والليزر، والتكنولوجيا الحيوية.
لا أحد يعلم في الحقيقة «الجيوب الاستثمارية» التي ستصبّ فيه الأموال التايوانية، ولا أحد يشكّ بأنّ الولايات المتحدة تحرّك الخطوط التايوانية من وراء الستار.
لكن هل يعقل أن تهدّئ هذه الـ «200 مليون دولار» تزايد الانزعاج داخل ليتوانيا والاتحاد الأوروبي، أم أنّها ستزيده ومعه المخاوف بزيادة الصين لخطوطها الحمر فيما يخصّ ليتوانيا والشركات التي تتعامل معها؟ ماذا عن روسيا، الشريك التجاري الأكبر لليتوانيا، ما الموقف الذي سيتخذونه إن زادت الأمور تأزماً مع الصين، وظهر وجه الولايات المتحدة قريباً منهم يحاول الانتفاع من هذا التأزيم؟
الشيء الوحيد الذي يمكن التيقّن منه هنا أنّ الصين ليست منشغلة البال كثيراً بهذا الشأن، فهي قادرة على الحياة بشكل طبيعي دون الشعور حتّى بأنّ في ليتوانيا أزمة.