أحفاد «غوبلز» وأكاذيب «الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا»
فيديل قره باغي فيديل قره باغي

أحفاد «غوبلز» وأكاذيب «الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا»

قُبَيل نهاية عام 2021 الماضي، صرّح أليكسي دانيلوف سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، بأنّ الأنباء عن حشد قوات روسية قرب الحدود، لا تتوافق مع الواقع. وذلك في حديث له مع قناة «ناش» التلفزيونية، أوضح فيه: «إذا كان الحديث يجري عن حشود عسكرية كبيرة، وهو ما تصرّ عليه وسائل الإعلام في الخارج، فنحن لا نرى ذلك»، وأضاف: «نحن نراقب الأمور ونتابع كل شيء، وندرك كل ما يحدث. واليوم لا نرى تهديدات لعدوان مفتوح من جانب روسيا».

جاء هذا التصريح من المسؤول الأمني الأوكراني الرفيع المستوى، ليس فقط تكذيباً لكلّ الدعاية الأمريكية-الغربية التي سادت طوال الأشهر الماضية التي شهدت تصعيداً للتوتير ضدّ روسيا عبر الخاصرة الأوكرانية، بل وتكذيباً أيضاً لتصريحات أوكرانيّة سابقة كانت تتماشى مع الدعاية الغربية ضد روسيا، بحيث تكاد لا تعد ولا تحصى المناسباتُ التي تم فيها تكرار مقولة أنّ هناك «تهديدات» و«حشود خطيرة» للقوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، والتي كان من أبرزها مؤخراً ما نقله السيناتور الجمهوري روب بورتمان خلال الأسبوع الأخير من العام المنصرم، في أعقاب الحديث مع الرئيس الأوكراني، الذي جرى عبر الفيديو، يوم الجمعة 24-12-2021: حيث قال السيناتور الجمهوري «اليوم كانت لدينا فرصة لنسمع من الرئيس زيلينسكي بشكل مباشر عن استمرار حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية الروسية والتعبير عن تضامننا الصلب مع شعب أوكرانيا وحكومتها المنتخبة ديمقراطياً».

وفي الحقيقة لم يكن تصريح سكرتير مجلس الأمن القومي الأوكراني دانيلوف، هو الوحيد من نوعه، من تصريحات المسؤولين الأوكرانيين بهذا الخصوص، فقد قال أيضاً رومان كوستينكو سكرتير لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني إنه «لا يوجد اليوم سبب جدّي، للاعتقاد بأن روسيا ستغزو أوكرانيا».

وحتى قبل ذلك، يمكن رصد تصريحات أوكرانية مشابهة ولو أنها أقل مستوى، فقد سبق أنْ صرّح متحدث باسم «خدمة الحدود الحكومية الأوكرانية» يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بالقول «نحن لا نسجّل أيّ حركة للمواد أو القوات من الدولة المجاورة مباشرة على الحدود [يقصد روسيا]. وإنْ حدثت بعض الإجراءات، يمكن أن تتكشف على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات من حدود الدولة».

وتعقيباً على التصريحات عالية المستوى أواخر العام الفائت، لفت المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: «نحن نتحدث عن الأراضي الروسية. بالطبع فإنّ تنقُّلَ قواتنا المسلحة على أراضينا، هو أمر يخصّنا فقط. كما تعلمون توجد آراء مختلفة حول هذا الموضوع. على سبيل المثال، يؤكد بعض ممثلي القيادة الأوكرانية أنهم لا يسجلون أي حشد استثنائي للقوات الروسية بالقرب من الحدود، بالقدر الذي يمكن أن يثير قلق الأوكرانيين. يجب أن تؤخذ هذه التصريحات بالاعتبار كذلك».

وهكذا وعلى الرغم من الحكم ذي الطبيعة الفاشيّة في كييف وموالاته لواشنطن والناتو، لكن لا يبدو أن روسيا تخطط لـ«تغيير النظام» عسكرياً في العاصمة الأوكرانية. وليس لديها مصلحة في الانجرار إلى أفخاخ الصدامات العسكرية والفوضى الأمريكية، رغم التزام موسكو بما يلزم دفاعاً عن النفس، ولطالما أكدت التزامها باتفاقات مينسك، وهي تعتبر دونباس جزءًا لا يتجزأ من أوكرانيا المجاورة، وإنْ كان يجب أن تتمتع بحكم ذاتي.

 

ماذا تريد كييف من تصريحات كهذه؟

ربما الأقل وضوحًا هو لماذا تصدر عن مسؤولين في أوكرانيا رواية تناقض الرواية الغربية السائدة هذه المرة؟ على الأرجح، لا تعني التصريحات الأوكرانية الجديدة تغيراً بموقف كييف تجاه موسكو أو سعياً لتحسين علاقاتها مع روسيا حالياً، رغم أن القيادة الروسية أبدت أكثر من مرة مبادراتها بلقاءات ثنائية مشتركة مع قادة كييف. لكن أحد التفسيرات المحتملة لتصريحات أوكرانيا المستجدة بشأن الوضع على الحدود، هو أنّ كييف ربما تريد التعبير عن «استيائها» من الجهود الدبلوماسية والتفاوضية التي يجري العمل عليها بين روسيا من جهة والولايات المتحدة والناتو من جهة ثانية لاحتواء التوتر بينهما وكبح انفلات الناتو شرقاً، مما يعبّر عن خوف كييف من أن تأتي هذه الجهود بتسويات روسية-أمريكية على حسابها.

ويبدو أنّ السلطات الأوكرانية تعتقد، مثل بولندا – وفي الحقيقة مثل كثير من «أيتام أمريكا» الآخرين عبر العالَم – بأن إدارة بايدن قد تخلى عنهم أو على الأقل قد تخفف كثيراً من سقف التوقعات حول إلى أيّ مدى يمكن أن تمضي في دعمهم، وذلك في سعي الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الإستراتيجية الكبرى في «الحرب الباردة الجديدة». كما وتشعر سلطات كييف بالقلق بشكل خاص من تنازل واشنطن عن معظم العقوبات على «السيل الشمالي2».

 

من جديد: عِبرة لـ«أيتام أمريكا»

يبدو أنّ أمريكا التي «ليس لها صاحب» وتحت ضغوطات التطورات العالمية واستمرار تراجع قوّتها، مرشّحةٌ لمزيد من التخلّي عن أدواتها وحلفائها وعملائها. هذا الدرس الذي أخذ يتجلّى بوضوح أكثر فأكثر، ولا سيّما منذ «زلزال» الانسحاب من أفغانستان، والأمور تسير نحو العالَم الجديد ما بعد التفرّد والهيمنة الأمريكية، بخطى تتسارع هنا أحياناً، وتتباطأ هناك أحياناً أخرى.