ما الذي يخيف «الإسرائيليين» ليغيروا سياسة إطلاق النار؟
يبدو القرار «الإسرائيلي» بمراجعة سياسات إطلاق النار في الضفة الغربية المحتلة محيراً، فأين المنطق في الإعلان عن النيّة بمنح الجنود «الإسرائيليين» مساحة وحريّة إطلاق نار أكبر ضدّ الفلسطينيين، في الوقت الذي تتمتع فيه هذه الوحدات بالفعل بحصانة شبه تامّة وقليل من المساءلة القانونية عن أيّ ممارسات ضدّ الفلسطينيين؟
التفسير الأكثر منطقيّة هو أنّ الجيش «الإسرائيلي» يحاول إعطاء الانطباع للمستوطنين الذين يعيشون بشكل متزايد حالة رعب وتململ نتيجة مقاومة الفلسطينيين المستمرة لهم، بأنّه لا يزال قادراً على حمايتهم، وبأنّ في جعبته المزيد ليخرجه ضدّ الفلسطينيين بقصد قمعهم ومنعهم من التظاهر والاحتجاج ضدّ الاستيطان.
لا شيء تغيّر
ستسمح القواعد العسكرية «الإسرائيلية» الجديدة للجنود بأن يطلقوا الرصاص الحي ويقتلوا الشباب الفلسطينيين الذين يرمون الحجارة على سيارات «الإسرائيليين» المدنيين، حتّى لو لم يكونوا يحملون هذه الحجارة أثناء إطلاق النار عليهم.
وعلينا أن ندرك هنا بأنّ مصطلح «مدنيين» يُقصد به المستوطنون الذين يسكنون الضفة الغربية والقدس الشرقية، والذين يعملون عادة كمجموعات شبه عسكرية شديدة التسليح، ولديها تنسيق رفيع المستوى مع الجيش «الإسرائيلي».
لكن النقاش الذي يتناول القواعد الجديدة في الإعلام «الإسرائيلي»، وبعض وسائل الإعلام التي تشكّل صدى له، تحاول إعطاء الانطباع بأنّ شيئاً جوهرياً على وشك أن يتغيّر بهذه القواعد. لكن في الحقيقة، أن يقوم «الإسرائيليون» بإطلاق النار على شباب وهم يرمون الحجارة، أو يمشون في طريقهم. أو على أطفال فلسطينيين يذهبون إلى مدرستهم، أو يتظاهرون ضدّ مصادرة أراضي أهلهم من قبل المستوطنين، هو أمر اعتيادي وشبه يوميّ في فلسطين ولا جديد فيه.
كمثال على ذلك قرية بيتا الصغيرة في شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي قُتل فيها ثمانية فلسطينيين عُزّل غير مسلحين منذ مايو/أيار 2021. السبب أنّ القرية كانت مسرحاً لاحتجاجات مناهضة لتوسيع الاستيطان «الإسرائيلي» في منطقة جبل صبيح.
ليس أمراً جديداً
ليس سلوك الجيش «الإسرائيلي» بإطلاق النار الحي بقصد القتل بالجديد حتّى، يمكننا تذكّر حالة شهيرة في 2015، تمّ فيها إطلاق النار على الفتى الفلسطيني محمد كسبة الذي كان يبلغ من العمر 17 عام.
كان الكولونيل «الإسرائيلي» يسرايل شومر هو من قتله، وادعى فيما بعد بأنّ كسبة قد رمى حجراً على سيارته. فقام شومر على إثر ذلك بمطاردة الفتى الفلسطيني، وأطلق النار عليه من الخلف، وأرداه قتيلاً.
تمّ في حينه التحقيق في أخلاقيات شومر ليس بسبب سلوكه، ولا بسبب قتله الفتى، بل لأنّه «لم يتوقف بشكل يسمح له بالتصويب كما ينبغي». بحسب تقرير كبير محققي الجيش «الإسرائيلي»، فقد كان استخدام شومر للقوّة المميتة ضمن إطار الاعتقال مبرراً تبعاً لظروف الحادثة.
حتّى منظمة العفو الدولية في تقريرها الشامل كانت قد أشارت وشجبت سياسة «إطلاق النار بقصد القتل» التي ينتهجها الجيش «الإسرائيلي»، حتّى ضدّ الأشخاص الذين تمّ «تحييدهم» بالفعل. كما في حال عبد الفتاح الشريف، الفلسطيني الذي قتل على يد أحد المسعفين في الجيش «الإسرائيلي». عبد الفتاح لم يكن «محيداً» وحسب حينها، بل كان فاقداً للوعي تماماً عندما قُتل.
أيبدو الإعلان عن القواعد الجديدة في ظلّ هذا الوضع منطقياً؟