RCEP: معركة استباقية ضد النفوذ الأمريكي شرقاً
فتح تصديق أستراليا ونيوزيلندا مؤخراً اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشامل RCEP التي ترعاها الصين إمكانية تظهير ميزان القوى الدولي الجديد في شرق آسيا، بشكلٍ يسمح بتسريع تمظهر الوزن الصيني المتنامي في مقابل التراجع الحاصل في الوزن الأمريكي.
وحقيقة أن أستراليا، وهي أحد المشاركين الرئيسيين في معاهدة أوكوس التي تضم كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أيضاً، قد صدقت على اتفاقية التجارة الحرة الإقليمية RCEP التي ستصبح أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم تعني أن علاقاتها، وعلاقات المشاركين الآخرين في الاتفاقية مع الصين سوف تكون قادرة في المستقبل أن تستند إلى المصالح الاقتصادية العميقة لهذه الدول أكثر من المنافسة الجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وإذا كانت الولايات المتحدة تعتمد تاريخياً على الصراعات طويلة الأمد التي تغذيها بين دول منطقة المحيط الهادئ من أجل الحفاظ على حضورها القوي فيها، فإن اتفاقية RCEP تقطع من نواح كثيرة الأوكسجين عن هذه الصراعات التي لا يمكن اعتبار الكثير منها موضوعيّاً بالمطلق.
على سبيل المثال، تُعدُّ الاتفاقية، التي تغطي ما يقرب من 30% من الاقتصاد العالمي، أول اتفاقية تجارية تربط بين اليابان والصين وكوريا الجنوبية، حيث تلغي التعريفات الجمركية على نحو 90% من السلع المتداولة، وتوحِّد العديد من لوائح الجمارك والاستثمار والملكية الفكرية والتجارة الإلكترونية.
وبعبارة أخرى، فإنها ليست مجرد برنامج عمل اقتصادي، بل تعتبر أرضية خصبة لتأسيس ترابط جديد في مختلف أنحاء المنطقة، ما يعني أنه حتى المنافسين التقليديين للصين لن يكون لديهم حافز كبير للتورط في مشاريع الولايات المتحدة الرامية إلى تكثيف وتصعيد التوترات الجيوسياسية مع الصين.
عندما تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ قريباً، سيتم إلغاء التعريفات الجمركية على نحو 86% من الصادرات الصناعية اليابانية إلى الصين، و92% من صادراتها إلى كوريا الجنوبية، وبالمثل الوضع بالنسبة إلى كل دولة موجودة في الاتفاقية، ما يعني أن المنهج الصيني في هذه النقطة ينحو نحو تغليب المصلحة الاقتصادية على الاستقطاب الحاد التقليدي مع الولايات المتحدة بشكلٍ يجعل انعطافات الدول نحو مصالحها وتمتين روابطها مع الشرق مسألة بديهية.
تشير بيانات الحكومة اليابانية إلى أن 21% من تجارة اليابان تتم مع الصين، و5% مع كوريا الجنوبية، و15% مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا، أي ما مجموعه 41% من إجمالي التجارة. بينما التجارة مع الولايات المتحدة لا تتجاوز 15%. من هنا، فإن الاتجاه الأكثر موضوعية - حتى بالنسبة إلى حليف طويل الأمد للولايات المتحدة مثل اليابان- هو أن يتجه نحو الصين، الأمر الذي يقوض بشكل مباشر استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث دخول المنطقة في اتفاقية ترعاها الصين، رغم تصميم الإدارة الأمريكية على تأجيج الوضع فيها، يظهر التراجع المتزايد في وزن الولايات المتحدة ونفوذها.