الحرية والخصخصة خطان متوازيان لا يلتقيان
دونالد كوهين وآلين ميكاليان دونالد كوهين وآلين ميكاليان

الحرية والخصخصة خطان متوازيان لا يلتقيان

لا تقتصر المشكلة في الخصخصة على تحويل البضائع والخدمات العامة إلى مصادر ربح لحفنة صغيرة من الأثرياء، بل تمتد إلى دهس الحرية وقيمها وآلياتها. تحدث الخصخصة لأنّها جزء من الاستراتيجية السياسية الأوسع لعدم حيازة السلطة بشكل متساوٍ من قبل الشعب. وسواء تمّت الخصخصة في الولايات المتحدة، أو في سورية، أو في أيّ بقعة من العالم، تكون نتائجها على الشعب ذاتها في الجوهر، والفوارق شكلية وحسب. يمكننا رؤية بعض الأمثلة التي تستحق أن تنشر.

حاجز تفتيش مخصخص

في 2017، واجهت مدينة كنساس الأمريكية مشكلة خطيرة بجرائم العنف واستخدام الأسلحة النارية. خشي أصحاب الأعمال «أغلبهم من البارات والمطاعم وخدمات الضيافة» من تصاعد حوادث الأسلحة النارية، وأرادوا تطويق حيّ واحد إشكاليّ بشكل خاص، بحيث يمنعون دخول أيّ إنسان إليه دون تفتيش دقيق.

لا يتوافق ما أراده أصحاب الأعمال مع القانون وحقّ الأشخاص في التنقل بحرية، فليس من المسموح دستورياً تفتيش الأشخاص وإيقافهم في الأماكن العامة «شوارع وأرصفة وحدائق...الخ» دون سبب محتمل يدعو للشك، ولهذا لم يكن بإمكان الشرطة والأمن فعل ما يريده هؤلاء.

لكن كان هناك حلّ آخر: خصخصة الأماكن العامة. قام مجلس المدينة، بأغلبية 8 أصوات ومعارضة 5 أصوات، بوهب الشوارع والأرصفة والممرات – مجاناً – لمجالات العمل التي تريد التفتيش، بحيث تحولت إلى ملكية خاصة، ما سمح لهذه الأعمال بنشر قوات أمن خاصة طوقت المكان، وبات من حقها تفتيش كلّ من يدخل إلى المكان، وتفحصه.

الطريف الذي يدعو للسخرية هو أنّ سلطات المدينة وافقت على الاستمرار في صيانة هذه الشوارع والممرات الخاصة على نفقة الخدمات البلدية العامة – إصلاحات الطريق وخطوط المياه وخطوط الصرف الصحي.

الساخر أكثر، أنّ على المدينة إن أرادت استعادة ملكية هذه الشوارع والممرات والأرصفة، أن تدفع مبلغ 132,784 دولار.

يحدث هذا لأنّ أعضاء مجلس المدينة «المنتخبين» لم يجدوا حلاً للعنف، أو لأمان الشوارع، إلّا ضمن سياق الخصخصة. لماذا بات سياق الخصخصة هو الأساس، إنّها قصّة طويلة ولكن بعض الإضاءات على تاريخ كنساس تصلنا بهذا السياق.

 

تمايز الحرية!

منذ قرابة المائة عام. كان الأثرياء الأمريكيون يخافون انفجار الطبقة العاملة كما حدث في أوروبا حيث بات القتال الطبقي على أشدّه. كانت المشكلة برأيهم: هناك الكثير من الديمقراطية، والكثير من الحرية. اعتاد الأثرياء وحكومات نيويورك وشيكاغو وكليفلاند وغيرها، على التشارك لنشر قوات أمن حكومية وخاصة لحماية الأحياء التي يسكنها الأثرياء.

قرر الأثرياء على إثر ذلك تخفيض الحريات التي كانت تتسع منذ قرن مع تحرير العبيد والتطورات الاجتماعية. فقد العبيد المحررون في الجنوب أيّ فرصة حقيقية للتحرر مع قوانين جيم كرو. وتمّ تضييق نطاق منح الجنسية في كامل البلاد بحيث تستهدف «المهاجرين غير المرغوب بهم». والطريقة الأكثر نجاعة هي تعزيز الخصخصة كوسيلة لتنظيم المجتمع.

بات للحرية تعريف متمايز بين التي لدى الأغلبية والتي تعني تنظيم النقابات العمالية، والاحتجاج على الممارسات غير العادلة، والتصويت في الانتخابات...الخ، وبين التي يريد الأثرياء تعزيزها والتي تعني ببساطة حرية امتلاك كلّ شيء.

كان من المهم بالنسبة للأثرياء منع أحد من مقاطعة الحرية التي يريدونها. حتّى الحكومة كان يجب منعها من التدخل. تجسّد هذا المنع في منع التدخل في العقود بين الموظفين وربّ العمل، والبائعين والمشترين، والزوج وزوجته، والحكومة في الأعمال. قلّص هذا دور الحكومة إلى مجرّد مدافع عن تطبيق هذه العقود لصالح الأثرياء، ولو من خلف جدران مغلقة إن لزم الأمر. كان الأمر كما عبّر عنه عالم الاجتماع المؤثر في جامعة ييل بيل ويليان غراهام: «كلّ ما هو مطلوب من الحكومة أن تحمي ممتلكات الرجال وتصون شرف المرأة».

لهذا، وعندما مررت سلطات كنساس قانوناً لحماية العمّال من التمييز عند الانتساب للنقابات، اعتبرت المحكمة العليا للولايات المتحدة بأنّ هذا القانون يهاجم حرية الشركات والأفراد بالدخول في عقود. ولهذا عندما حاول المشرعون في فرجينيا الغربية إجبار أرباب العمل على الدفع لموظفيهم أموالاً حقيقية بدلاً من سندات، قررت المحكمة بأنّ الشركات حرة بأن تدفع لعمالها بالطريقة التي تجدها مناسبة.

هناك قرار شهير للمحكمة العليا في قضية لأحد أرباب العمل ضدّ ولاية نيويورك، نصّ على أنّ أيّ محاولة لوضع قانون للحدّ من يوم العمل هو أمر غير دستوري لأنّه هجوم على الحرية. والمنطق ذاته نصّ على أنّ محاولة العمال تحسين ظروف عملهم من خلال النقابات هو هجوم على الحرية.

إنّه كما عبّرت الناشطة العمّالية فلورنس كيلي عن الأمر: «تحت ستار الحرية الجمهورية، تحولنا إلى أمّة من المواطنين الوهميين».

وما تقديس الخصخصة الذي عاد بشدّة مع قدوم موجة ريغان إلّا تعزيز لنمط الحريّة المنتقاة لخدمة الأثرياء، والذي هدم بعض مكتسبات الحرية الحقيقية التي حققها العمّال بنضالاتهم. الحرية التي تقول عنها الديمقراطية لا يمكن أن تلتقي بالحرية التي يريدها الأثرياء، هما خطان متوازيين لا يلتقيان.

 

بتصرّف عن:

Destroying Democracy Is Central to the Privatization of Public Goods