إضاءة على «بنك البذور الفلسطينية» المهدّد بتدميره من الاحتلال
فدوى أبو دية فدوى أبو دية

إضاءة على «بنك البذور الفلسطينية» المهدّد بتدميره من الاحتلال

كان من بين المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الست التي أعلنها وزير الحرب «الإسرائيلي» بيني غانتس، مؤخراً «منظمات إرهابية» منظمة «اتحاد لجان العمل الزراعي» العاملة في الضفة الغربية المحتلة وغزة المحاصرة. وفي وقت سابق، قبل إعلان الاحتلال تصنيفه المزعوم، اقتحم جيش الاحتلال مكاتبها وسرق أجهزة الكمبيوتر والوثائق، وأغلق المكتب الرئيسي للنقابة الزراعية لمدة ستة أشهر. يضيء التقرير التالي على الدور المهم الذي تلعبه هذه المنظمة الزراعية الفلسطينية في الحفاظ على البذور الزراعية التراثية وعالية الجودة والصديقة للبيئة، ومساعدة الفلاحين الفلسطينيين بالاستمرار بالإنتاج والعيش والتمسّك بأرضهم، مما يزعج كيان الاحتلال الإرهابي، ومشاريعه الاستيطانية والتدميرية لكل ما هو فلسطينيّ بشراً وشجراً وحَجَراً.

«اتحاد لجان العمل الزراعي» الفلسطيني هي مؤسسة زراعية أهلية غير حكومية، مسجلة في وزارة الداخلية الفلسطينية وفقًا لقانون الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية غير الحكومية وتندرج ضمن مؤسسات التنمية الزراعية في فلسطين والتي تأسست عام 1986 بمبادرة من مجموعة من المهندسين الزراعيين وقد كان اعتماد المؤسسة منذ تأسيسها على المتطوعين بالكامل.

يعمل بنك البذور التابع لاتحاد لجان العمل الزراعي الفلسطيني على إنقاذ «بذور التراث» من الانقراض وإحياء تقليد الزراعة الصديقة للبيئة، وحفظ البذور في ثلاجات تبريد عميق تستطيع الحفاظ عليها حتى 70 عاماً.

ويحذّر خبراء فلسطينيون من أنّ جنود الاحتلال، وبسبب إجرامهم، قد تكفيهم ساعة أو اثنتين لتدمير عمل العشرات من المهندسين الزراعيين الفلسطينيين وثمرة معارفهم العلمية المتراكمة، والتسبب بانقراض البذور التي يعمل المشروع على حفظها.

بنك البذور هو أحد المشاريع المهمة التابعة للمنظمة الفلسطينية المذكورة، ويقوم عاملوها بمساعدة المزارعين الذين يواظبون على زراعة المحاصيل البلدية، فيجمعون البذور ويقومون بتحسينها بالوسائل الطبيعية، وزيادة كميتها وتوزيعها أو بيعها وبيع الشتلات للمزارعين الآخرين بسعر رمزي، بشرط أن يجلب المزارعون في نهاية الموسم حفنة من البذور البلديّة الجديدة لكي تعمل المنظمة على حفظها من جديد من الاندثار، وإعادة استخدامها وإكثارها والاستفادة من خيراتها.

انطلقت فكرة بنك البذور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يتذكر فؤاد أبو سيف، مدير المنظمة بأن تلك كانت فترة صعبة من التوغلات العسكرية للاحتلال والإغلاقات الصارمة والفقر، حيث لاحظوا بأنّ مساحات الأراضي الزراعية الصغيرة، التي كانت تنتج محاصيل قبل عام أو عامين فقط، لم تعد تُزرع. ولسنوات، كان المزارعون يضطرون لشراء البذور إمّا من شركات تجارية «إسرائيلية» أو من مقاولين فلسطينيين، والتي كانت تشترط عليهم أن يشتروا بذورًا جديدة من الشركات نفسها كل عام. ولكن الفلاحين اكتشفوا أن تلك البذور لم تكن تنتج محصولًا جيداً.

ويوضح القائمون على «اتحاد لجان العمل الزراعي» بأنهم عندما بدأوا بلقاء المزارعين من أجل العثور على البذور البلديّة، كان كبار السن هم الذين اهتموا بالأساس، وذلك لأنّ الشباب إما تركوا الزراعة وانخرطوا في النشاط التجاري، أو كانوا مهتمّين أكثر بجني الأرباح.

وقبل بضع سنوات، بدأت هذه المنظمة بإلقاء محاضرات توعية في المدارس، والتي أحرزت بعض التغيير، حيث كان الأطفال حريصين على سماع المزيد، ولاحظت المنظمة، التي تهتم بنقل المعارف الزراعية للأجيال اللاحقة، المشكلة التالية: الأطفال يفتقرون إلى معلومات زراعية بسيطة، لأنه لم يتم نقلها إليهم من الأهل أو المعلّمين.

وينوّه المشرفون على المنظمة إلى أنّ النباتات البلدية التي تنتج البذور التي يتم جمعها، معظمها قادرة على أن تزدهر دون الحاجة إلى الريّ الاصطناعي. وبالتالي، على عكس النباتات الهجينة، فإنّ هذه المحاصيل غير المروية (أو البعل) أكثر ملاءمة للاحتباس الحراري، وهي كذلك بشكل خاص لظروف الفلاحين الفلسطينيين، حيث يعانون من قيام الاحتلال بقطع المياه عنهم. وعلى عكس البذور المهجّنة، والتي تتطلب عادةً استخدام الأسمدة الكيماوية، فإنّ «بذور الإرث» تعمل بشكل جيّد مع السماد الطبيعي وهي باختصار: صديقة للبيئة.

كما تقدّم منظمة «اتحاد لجان العمل الزراعي» للمزارعين المساعدة والمشورة العلمية في إعادة تأهيل التربة التي لم تتم زراعتها لفترة طويلة، والتي تقع بالقرب من جدار الفصل الاحتلالي العنصري، أو في المناطق التي تعاني من عنف المستوطنين الصهاينة، وعلاوة على ذلك، فإن قيام «إسرائيل» بإنشاء طريق سريع عملاق كان على حساب تدمير ما يصل إلى 1300 دونم (أو 225 فدان) من الأراضي الزراعية المحتلة، والتي ساعد هذا الاتحاد على تأهيلها في منطقة حلحول قرب الخليل.

وبسبب كلّ هذا النشاط المهم الذي تقوم به المنظمة وشقيقاتها من المنظمات الفلسطينية العاملة من أجل وطنها وشعبها وتحرره، يمكن تماماً فهم «الخطر» الذي تشكله على كيان الاحتلال حتى يلاحقها وينكّل بها زاعماً أنها «منظمات إرهابية».