حروب التحكم بـ«الزواحف» التي في دماغنا
اكتسبت القشرة المخية الحديثة أهميتها لأول مرة في الرئيسيات وبلغت ذروتها في الدماغ البشري مع نصفي الكرة المخية الكبيرين، وكانت مسؤولة عن تطور اللغة البشرية، التفكير التجريدي، والخيال، والوعي، والمحاكمة العقلانية، بالمقابل تعتمد بعض آليات حروب الجيل الجديد (أو السادس) على محاولة التحكم بالجزء من دماغ الإنسان المسمّى «دماغ الزواحف»، وهو الأقدم تطوّرياً، المعني بوظائف الجسم الحيوية مثل معدل ضربات القلب والتنفس ودرجة حرارة الجسم والتوازن، وكذلك التحكم بـ«الدماغ الحوفي» (أو اللمبي) – الذي ظهر تطورياً بعد السابق، لدى الثدييات الأولى، ويمكنه تسجيل ذكريات السلوكيات التي أنتجت تجارب مقبولة وغير مقبولة، لذا فهو مسؤول عما يسمى بالعواطف في البشر، ويعتبر مقرّ الأحكام القيمية التي نتخذها، غالبًا دون وعي، والتي تمارس مثل هذا التأثير القوي على سلوكنا.
ترجمة: قاسيون
هناك حروب أجيال مختلفة. تعتمد حرب جيل اليوم على البيولوجيا العصبية كسلاح للهيمنة يستخدم في المجال العسكري لتنفيذ الحروب غير التقليدية – النفسية، والعصبية، والسيبرانية، والحروب الإعلامية الفعالة للغاية. من طرق ذلك تنفيذ التلاعب الواسع بالعواطف، وتحييد أفعال العقل البشري العقلاني والعاطفي، من خلال التدخل الجيوسياسي والرقابة الاجتماعية. يتم استخدام الاستراتيجيات القائمة على علم الأعصاب.
تستخدم الحملات الإعلامية في هذا السياق تثبيت عناوين رئيسية مع سبق الإصرار في أذهان المجتمع. عندما يتم نقل الخبر، يتم إرسال المعلومات مباشرة إلى العقل العقلاني، حيث يتم تحليلها وتشكيل معيارها الخاص. ومع ذلك، عندما يتم التلاعب بهذه المعلومات، يتم تغذية تصور الجهاز الحوفي (الدماغ العاطفي)، مما يساهم في تشويه المعلومات، ويسمح بالتحكم في عواطف الناس وسلوكهم وأفعالهم.
عندما يريد الاستراتيجيون وضع عناوين الأخبار بطريقة معينة في أذهان المجتمع، فإنهم يسعون إلى تغيير التصور الذي يهاجمون من أجله السكان باستخدام المصفوفة التي تم إنشاؤها. ومع التحليل المستمر، يتم قطع الطريق على تفكير الدماغ العقلاني مما يعدّ الناس ليكونوا تحت سيطرة المنبهات السمعية والبصرية، وبهذه الطريقة يوقظ ما يسمى بـ«دماغ الزواحف»، المتعلق بغريزة البقاء لدينا. في هذا المستوى، لا يفكر الشخص بعقلانية ولا يتحكم بعواطفه، لأن الأفعال تسترشد بغريزة البقاء.
تجدر الإشارة إلى أن مهام مثل هذه الحروب تمت في العراق وليبيا وسورية وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرها...
إن تعريف مثل هذه الحرب ليس سهلاً لأن كلمة «حرب» تأخذ خيالنا إلى سيناريو صراع «ساخن» واسع النطاق، ويمكن لأجدادنا تفسيره بسهولة، ولكن حروب الجيل الجديد تتلاعب بالناس عبر وسائل الإعلام لجعل أدمغتهم كأدمغة «الزواحف».
نظرًا لأن هذا مصطلح جديد نسبيًا، يميل العديد من الشباب إلى التلاعب به من خلال التحكم في النظام العاطفي. في أفعالهم، يسترشدون بالتعاطف المصطنع من خلال العناوين الرئيسة المصممة مسبقًا.
الحروب المختلفة لها سمات مشتركة، يكمن الاختلاف في التقدم التقني، لكن أساليبها هي نفسها دائمًا:
– استراتيجيات الإلهاء: هي عنصر أساسي للرقابة الاجتماعية. يتم تحويل انتباه الجمهور عن المشكلات والتغييرات المهمة التي يوكل أمر «حلها» إلى النخب السياسية والاقتصادية، وتحويلها بالتالي إلى معلومات «غير مهمة»، وبالتالي يبعدنا عن حل المشكلات الاجتماعية الحقيقية.
- خلق المشكلات ثم اقتراح «الحلول»: تُعرف هذه الخطوة سياسيًا باسم «حل المشكلة والاستجابة». بمعنى، يتم اختلاق مشكلة، عادة ما تكون ذات طبيعة اجتماعية، أو يتم التخطيط لموقف معين من أجل توفير «حل». من الأمثلة على المواقف التي يتكرر استخدامها والتي تطورت إلى نموذج سياسي؛ تصعيد العنف أو تنظيم هجمات ضد المواطنين، مما يؤدي إلى الفوضى التي يطالب فيها المجتمع بالعدالة والأمن ويدعو إلى قوانين حماية أكثر فعالية. ورغم أن الأزمات السياسية لها أساسها الموضوعي والاقتصادي بالطبع، ولكن أيضاً يمكن افتعال أزمات سياسية تجبر السكان على التعامل مع قمع حقوق الإنسان وحرية التعبير.
– مخاطبة الناس على أنهم مخلوقات غير ناضجة. يتم إنشاء سيناريو يزرع فيه لدى الجمهور إحساساً بأنهم «ضعفاء»، كما لو كان هؤلاء الأشخاص يعانون من بعض القصور العقلي.
– يعد استخدام الجانب العاطفي من الأساليب التي باتت نمطية بسبب الإفراط في استخدامها. تم تصميم التقنية العاطفية لخلق «دارة قِصَر» في التحليل العقلاني. وباستخدام السجل العاطفي، نسمح للعقل الباطن للشخص بالانفتاح، مما يوفر الوصول إلى غرس الأفكار والرغبات والمخاوف وتحريض السلوك.
– تشجيع التعاطف مع المجتمع: هنا يتم تكثيف الشعور بـ«جلد الذات»، أي أن المجتمع مجبر على الاعتقاد بأنه هو وحده «المسؤول» عن مصائبه على أساس «ذكائه المنخفض» المفترض ونقص المهارات والجهود من جانبه. وهكذا، فبدلاً من التمرّد على النظام، يصبح الشخص أعزلَ ويلوم نفسه، مما يؤدي به إلى حالة اكتئاب وعدم نشاط.
حرب الجيل السادس معقدة وتقوم على أساس المواجهات الثقافية والمالية الدولية والإعلامية والنفسية والتكنولوجية.
يعتمد هذا الجيل من الحرب على استخدام أساليب الإرهاب والأنانية وتدعمه الحرب الدائمة التي طورتها بشكل أساسي الدول المستقرة اقتصاديًا نسبياً (القوة العالمية) وفقًا لعقيدة الوصول العالمي تحت تأثير العولمة.
إن عولمة هذه الآليات الأنانية تستخدم أكثر الأساليب الإرهابية انتقائية ضد المجتمع، وتضع المدنيين في وضع البيادق على رقعة الشطرنج، وتكشف حياة الناس باستخدام وسائل الإعلام التلاعبية، وتحويل بعضهم إلى عملاء «متمردين» لشبكة عابرة للحدود الوطنية، غير مدركين للواقع. حالياً، نرى مرتزقة ومقاتلين في الدول النامية يعارضون ظاهرياً «قواعد القوى العالمية»، لكن يتم تدريبهم وإرسالهم من قبل هذه القوى بالذات للسيطرة على السكان من أجل الربح في نهاية المطاف، وفي كثير من الحالات لغرض الحصول على سلع مادية ومصادر مدروسة جيداً. هذه الاستراتيجيات العسكرية لا تزال قيد التطوير.
بتصرف شديد عن: ВЫБОРЫ В НИКАРАГУА, ГЛОБАЛИЗАЦИЯ И ВОЙНА НОВОГО ПОКОЛЕНИЯ