استعادة تايوان كإحدى نتائج التقدم الصيني

استعادة تايوان كإحدى نتائج التقدم الصيني

تستمر التصريحات وإعلان المواقف حول تايوان، وتكاد لا تخلو نشرة أخبار من ذكر الجزيرة الصغيرة. لكن الحدث الأبرز، والذي سيضاعف هذا الضجيج مرات كثيرة، هو اليوم القريب الذي ستعلن فيه الصين توحدها مع جزيرتها الضالة.

كانت تايوان دائماً أبرز نقاط الخلاف الصيني الأمريكي، وأكدت جين بساكي الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض مؤخراً أن التزام واشنطن تجاه تايوان «صلبٌ كالصخر»، وهي التي كانت طفلة يوم قدّمت واشنطن تايوان في سبعينيات القرن الماضي كأضحية في سبيل التقارب مع بكين عندما اقتضت مصلحتها ذلك. أما في تايوان نفسها فيبدو أنّ ذاكرة البعض أكثر وضوحاً من ذاكرة بساكي، فوزير الدفاع التايواني تشيو كوتشينغ قال للصحفيين يوم 28 من شهر تشرين الأول الماضي، أن على تايوان أن تعتمد على نفسها في مواجه بكين، مذكراً أنه لا يمكن الاعتماد تماماً على استعداد بعض الدول لمساعدة تايوان، وكانت رئيسة تايوان تساي إينغ وين اعترفت مؤخراً بوجود قوات أمريكية على الجزيرة ولكنها «أقل مما يعتقد الناس» حسب تعبيرها.

خسارة تايوان نتيجة فترة التراجع

تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة التي أكد فيها أن مصير تايوان هو وحدتها مع الصين، لم تكن مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، فالرئيس الصيني ربط خسارة تايوان بفترة التراجع التي عاشتها الصين، ولذلك تعتبر استعادة الجزيرة بالنسبة لبكين نتيجةً طبيعية لمرحلة الصعود الحالية.

المراقب للأوضاع السياسية في الجزيرة يدرك أن حل المسألة يمكن أن يتم من داخل تايوان نفسها، فالأحزاب والقوى السياسية التي تتبنى سياسة «الصين الواحدة» وضرورة اتحاد الجزيرة مع الوطن الأم تحشد الشارع في هذا الاتجاه وحققت حتى الآن نجاحات ملموسة إذ حصلت في الانتخابات الماضية على ثلث أصوات الناخبين ويمكن خلال فترة قصيرة نسبياً حسم المسألة من خلال صندوق الاقتراع وخصوصاً أنّ المناخ الدولي سيساعد في هذه المسألة، مما قد يفسر حديث الرئيس الصيني عندما قال إن إعادة توحيد الصين «سيتم بشكل سلمي».

ماذا يعني توحيد الصين مجدداً ؟

تبلغ مساحة الصين 9,640,821 كم² بمقابل تايوان التي لا تتجاوز مساحتها 36 ألف كم²  ومع ذلك يمكن لآلاف الكيلومترات القليلة هذه أن تشكّل فرقاً ملحوظاً على الساحة الدولية، بل إن بعض الباحثين والسياسيين يعتقدون أن استعادة تايوان كفيلةٌ بحسم الصراع الصيني-الامريكي! فعلى ماذا يستند هذا الطرح ؟

الشرائح الإلكترونية: أي نظرة معمقة لواقع الاقتصاد العالمي تبرهن على أن الشرائح الالكترونية التي تحتكر تايوان إنتاج النسبة الأكبر منها هي بمثابة بترول هذا العصر. فالسيطرة على إنتاجها يعني السيطرة على التكنولوجيا ويعني - إن نجحت الصين في هذه المسألة - كسر هيمنة التفوق الغربي للمرة الأولى في العصر الحديث. فالصين رغم جبروتها تقع حتى اللحظة تحت رحمة الغرب كونها غير مستقلة تكنولوجياً إلى الدرجة الكافية، ونجحت الولايات المتحدة عبر العقوبات الاقتصادية مثلاً بأن تضع عقبات جدية في وجه الصناعة الصينية المتقدمة، التي حرمت من حجرها الأساس وهو الرقائق الإلكترونية. الصين تسعى إلى توطين هذه الصناعة لكن المسألة أصعب مما تبدو، حتى بالنسبة للعملاق الصيني، فلا يزال الجزء الأساسي من تكنولوجيا تصنيع خطوط إنتاج الرقائق المتطورة محتكراً من قبل الغرب والولايات المتحدة. ولذلك يأخذ الصراع على تايوان أبعاداً أكبر من الجغرافيا، بالنسبة للصين ستكون استعادة تايوان أمراً حاسماً في الصراع الدولي الحالي، وسيمكّن الصين من اختصار الكثير من الوقت عندما تصبح شركات تايوان الرائدة في مجال الشرائح شركات صينية.

الطريق البحري: أحد أهم نقاط الضعف الصينية هي هيمنة الولايات المتحدة على طرق الإمداد الأساسية، فالصين وعلى الرغم من تنبهها الباكر لهذه المسألة لا تزال تعتمد على الطريق البحري إلى درجة كبيرة نسبياً وخصوصاً إمدادات الطاقة من الخليج العربي، ويشكّل مضيق تايوان أحد المفاصل الاستراتيجية في هذا الطريق، إيجاد البدائل البرّية شأنه شأن توطين تكنولوجيا الشرائح الإلكترونية، سيحتاج وقتاً أطول من المتاح حالياً، ولذلك يمكن بعد تحويل مضيق تايوان إلى مضيق في الجسد الصيني المتماسك أن يوسع هامش المناورة الصيني.

 ما يغيب عن الذهن أثناء الحديث عن «الصراع على تايوان» هو مصلحة أكثر من 23 مليون إنسان يعيشون في هذه الجزيرة، فالغرب كما هو متوقع قد تحالف مع القوى اليمينية الهاربة من الثورة الصينية والتي ركزت نشاطها المعادي لبكين في قلب الجزيرة، ولكن المسألة اليوم باتت أشد خطورة من ذلك، فوضوع الجزيرة وملايين السكان فيها لا يمكن أن يجدوا مصلحتهم في الوقت الذي تجري فيه المتاجرة بتايوان ويجري استخدامها من قبل الغرب كرأس حربة في الصراع مع الصين، فحشو الجزيرة بالأسلحة يمكن أن يحولها إلى خطر جدي على الصين التي سبق أن تم غزوها من هذه الجزيرة بالذات، مما سيدفع الجيش الصيني عند تلك اللحظة للتعامل مع المسألة بوصفها تهديداً خطيراً للأمن القومي، وعندها سيدرك سياسيّو تايوان القوميون درجة «تمسك» واشنطن بهم.