الناتو يطوّر أساليب «الحرب الإدراكية» و«السيكولوجيا السيبرانية»
ليونيد سافين ليونيد سافين

الناتو يطوّر أساليب «الحرب الإدراكية» و«السيكولوجيا السيبرانية»

يلعب مركز الابتكار والتميز والأمن الدفاعي (IDEaS) للأبحاث العسكرية في كندا دوراً رائداً فيما يسمى أساليب «الحرب الإدراكية» والتي يطوّرها الناتو رغم أن المركز المذكور غير مدرج رسمياً في قائمة الناتو الرسمية المعتمدة، فيما يبدو محاولة للإيحاء بأنه مركز «مستقل». وعرّف تقرير حديث «الحرب الإدراكية» بأنها «حرب أيديولوجيات تسعى إلى تقويض الثقة الكامنة في كل مجتمع... تستفيد المعلومات المضللة من الضعف الإدراكي للمستهدَفين، وتستفيد من المخاوف أو المعتقدات الموجودة مسبقاً التي تهيّئهم لقبول معلومات كاذبة».

ترجمة وإعداد: قاسيون

يجب الاعتراف بأن نهج الإخفاء هذا كان ناجحاً، نظراً لأن المركز بدأ العمل مرة أخرى في عام 2017. وتختلف الأهداف المحددة رسمياً قليلاً عن عمل مراكز الناتو المماثلة الأخرى. ويسرد الموقع 7 مجالات يعمل بها المركز: التعليم والتدريب، وآليات صنع القرار، والفضاء الإلكتروني، والمبادرات «الإنسانية»، والمعلومات، والمعلومات المضللة، والأنظمة والاستراتيجيات المستقلة. ومع ذلك، فإن الموضوع الأكثر تكراراً في عدة اتجاهات في وقت واحد هو «الحرب الإدراكية».

في نهاية عام 2020، أصدر المركز دراسة حول هذا الموضوع، أشار مؤلفها فرانسوا دي كلوسيل، في مقدمتها إلى ما يلي:

«يُنظر الآن إلى العقل البشري على أنه ميدان جديد للحرب. ومع الدور المتزايد للتكنولوجيا والمعلومات الزائدة، لن تكون القدرات المعرفية الفردية كافية لضمان اتخاذ قرارات مستنيرة وفي الوقت المناسب، مما سيؤدي إلى ظهور مفهوم جديد للحرب المعرفية، والذي أصبح في السنوات الأخيرة مصطلحاً عسكرياً متكرراً... للحرب المعرفية نطاق عالمي، من الأفراد إلى الدول والمنظمات متعددة الجنسيات. تستخدم أساليب التضليل والدعاية التي تهدف إلى الاستنزاف النفسي لمستقبلي المعلومات. يساهم الجميع في هذا، بدرجة أو بأخرى، بوعي أو بشكل لا شعوري، وهذا يوفر معرفة لا تقدر بثمن حول المجتمع... يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعرفة بسهولة كسلاح... أدوات حرب المعلومات، إلى جانب (الأسلحة العصبية) توسع الآفاق التكنولوجيّة المستقبلية، مما يشير إلى أن المجال المعرفي سيصبح أحد ساحات معركة الغد. يتم تعزيز هذا المنظور بشكل أكبر من خلال التقدم السريع في تكنولوجيا النانو، والتقانة الحيوية، وتكنولوجيا المعلومات، والعلوم المعرفية وفهم الدماغ».

mind-control

بالطبع، هذه التقنيات والاهتمام بها من وجهة نظر الجيش ليس بالأمر الجديد. تشارك الوكالات الأمريكية DARPA وIARPA في هذه المجالات لسنوات عديدة. لكن في هذه الحالة، يتم التعرف على هذا النهج باعتباره استراتيجية واعدة لشن حرب المستقبل من جانب الناتو، والأسلحة العصبية كمكون مهم للجيش.

ما تعريف «الحرب الإدراكية»؟

تم تقديم عدد من التعريفات في التقرير: «الحرب الإدراكية هي حرب أيديولوجيات تسعى إلى تقويض الثقة الكامنة في كل مجتمع... تستفيد المعلومات المضللة من الضعف الإدراكي للمستهدَفين، وتستفيد من المخاوف أو المعتقدات الموجودة مسبقاً التي تهيّئهم لقبول معلومات كاذبة».

وهذا يتطلب أن يكون لدى المعتدي فهم واضح للديناميكيات الاجتماعية والسياسية التي تحدث وأن يعرف بالضبط متى وكيف يتسلل من أجل استغلال نقاط الضعف هذه على أفضل وجه.

تستغل الحرب المعرفية نقاط الضعف الكامنة في العقل البشري بسبب الطريقة المصممة لمعالجة المعلومات، والتي كانت بالطبع تُستخدم دائماً في الحرب. ومع ذلك، نظراً لسرعة وانتشار التكنولوجيا والمعلومات، لم يعد العقل البشري قادراً على معالجة تدفق المعلومات.

ما يجعل الحرب المعرفية مختلفة عن الدعاية هو أن الجميع يشاركون، عن غير قصد في الغالب، في معالجة المعلومات وتوليد المعرفة بطريقة غير مسبوقة. هذا تغيير دقيق ولكنه مهم. في حين أن الأفراد قد استسلموا بشكل سلبي للدعاية، إلا أنهم الآن يساهمون بنشاط فيها.

أصبح استغلال الإدراك البشري صناعة جماعية، ومن المتوقع أن توفر أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة قريباً للدعاية فرصاً موسعة بشكل جذري للتلاعب بالعقل البشري وتغيير السلوك البشري.

كما يتحدث التقرير عن «الاقتصاد السلوكي»، والذي يُعرَّف بأنه أسلوب التحليل الاقتصادي الذي يطبق الفهم النفسي للسلوك البشري لشرح عملية اتخاذ القرار الاقتصادي.

من الناحية التشغيلية، هذا يعني الاستخدام المكثف والمنهجي للبيانات السلوكية وتطوير طرق للبحث بنشاط عن مصادر جديدة للبيانات. مع الكم الهائل من البيانات (السلوكية) التي ينتجها كل شخص إلى حد كبير دون موافقتنا ووعينا، يمكن تحقيق المزيد من التلاعب بسهولة.

استخدام البيانات كسلاح

طورت الشركات الكبيرة في الاقتصاد الرقمي طرقاً جديدة لجمع البيانات لعرض المعلومات الشخصية التي قد لا ينوي المستخدمون بالضرورة الكشف عنها. وأصبحت البيانات الزائدة عن الحاجة أساساً لأسواق تنبؤ جديدة تسمى الإعلانات المستهدفة.

«هذه هي أصول رأسمالية المراقبة في منتوج مربح غير مسبوق: الفائض السلوكي، وعلوم البيانات، والبنية التحتية المادية، وقوة الحوسبة، والأنظمة الخوارزمية، والمنصات الآلية»، كما تقول الورقة.

وقد تم بالفعل تنفيذ كل هذا من قبل عمالقة غربيين مثل Facebook وGoogle وAmazon وMicrosoft وغيرها. وليس من قبيل المصادفة أن يتم انتقادهم مراراً وتكراراً بسبب فرض الاحتكار واستخدام التلاعب بناءً على بيانات المستخدمين أنفسهم. ونظراً لأنهم جميعاً يتعاونون بنشاط مع قوات الأمن الأمريكية كمتعاقدين، فإن هذا يخلق خطر التلاعب المتعمد للمستخدمين من جميع أنحاء العالم.

يُقال أيضاً إن عدم وجود تنظيم للفضاء الرقمي يفيد ليس فقط أنظمة العصر الرقمي، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير ليس فقط على شبكات الكمبيوتر والأجسام البشرية، ولكن أيضاً على أذهان مواطنيها، ولكن أيضاً تستخدم لأغراض ضارة، كما أظهرت فضيحة كامبريدج.

nato-cyber

فضيحة كامبريدج

وصف نموذج Cambridge Analytica الرقمي كيفية دمج البيانات الشخصية مع التعلم الآلي للأغراض السياسية من خلال تحديد سمات الناخبين الفرديين لاستهدافهم بالإعلانات السياسية المخصصة.

باستخدام طرق المسح والقياس النفسي الأكثر تقدماً، تمكنت Cambridge Analytica بالفعل من جمع كمية هائلة من البيانات حول الأشخاص، مما ساعد على فهم ما يفكر فيه كل منهم، من خلال المعلومات الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية والسلوكية.

يكتب المؤلف أنّ «جمع البيانات الضخم المنظم بمساعدة التقنيات الرقمية، يستخدم اليوم بشكل أساسي لتحديد السلوك البشري والتنبؤ به. المعرفة السلوكية هي أحد الأصول الإستراتيجية. يكيّف علم الاقتصاد السلوكي البحث النفسي مع النماذج الاقتصادية، وبالتالي يخلق تمثيلات أكثر دقة للتفاعلات البشرية».

في الوقت نفسه، تواصل العديد من هذه الشركات الأمريكية العمل بهدوء في بلدان أخرى مثل روسيا وجمع البيانات من مواطنيها.

nato-and-hybrid-warfare

علم النفس السيبراني

جانب آخر مثير للاهتمام تم تسليط الضوء عليه في البحث حول الحرب المعرفية هو علم النفس السيبراني، والذي يقع عند تقاطع مجالين رئيسيين: علم النفس وعلم التحكم الآلي. كما قيل، «كل هذا له علاقة بالدفاع والأمن، فضلاً عن جميع المجالات المهمة لحلف الناتو في عملية التحضير للتحول. علم النفس السيبراني، الذي يركز على توضيح آليات الفكر ومفاهيم واستخدامات وحدود النظم السيبرانية، هو قضية رئيسية في المجال الواسع للعلوم المعرفية. يقدم تطور الذكاء الاصطناعي كلمات جديدة ومفاهيم جديدة، ولكن أيضاً نظريات جديدة تغطي دراسة الأداء الطبيعي للأشخاص والآلات التي يصنعونها، والتي أصبحت الآن متكاملة تماماً في بيئتهم الطبيعية البشرية-التقنية (الأنثروبوتكنيكية). سيتعين على الناس في الغد ابتكار علم نفس لعلاقتهم بالآلات. لكن التحدي يكمن أيضاً في تطوير سيكولوجية الآلات أو البرامج ذات الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات الهجينة. علم النفس السيبراني هو مجال علمي معقد يشمل جميع الظواهر النفسية المرتبطة أو المتأثرة بالتقنيات المتطورة ذات الصلة. يستكشف علم النفس السيبراني كيف يؤثر البشر والآلات على بعضهم بعضاً ويستكشف كيف ستغير العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي التفاعل البشري والتواصل من آلة إلى آلة».

يوجد أيضاً قسم مخصص لروسيا. مثل الدراسات الأخرى المماثلة، فإن ذكر دور روسيا، بدلاً من ذلك، يخدم لتبرير الحاجة إلى تخصيص الأموال لتطوير الأسلحة العصبية وأساليب الحرب المعرفية حتى لا يتقدم الناتو على الخصوم.

وهكذا، نرى أن علماء الناتو يتخذون أخطر مقاربة لإدخال أساليب الحرب الجديدة، والتي تستند إلى أحدث إنجازات العلوم المختلفة. بالمناسبة، رغم أن مركز الأبحاث المذكور المرتبط بالناتو يقع مقره في كندا، إلا أنّ هذا لم يشفع للمواطنين الكنديين، فقد تم استخدامهم «كخنازير غينيا» أو فئران تجارب دون معرفة أي شيء عن التلاعبات التي تعرضوا لها.

بتصرف واختصار عن: НАТО РАЗРАБАТЫВАЕТ МЕТОДЫ ВЕДЕНИЯ КОГНИТИВНОЙ ВОЙНЫ