السودان… أولى محطات «غُراب واشنطن» في القرن الأفريقي

السودان… أولى محطات «غُراب واشنطن» في القرن الأفريقي

بعد أن أنهى المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية في القرن الإفريقي جيفري فيلتمان الأحد 24 تشرين الأول اجتماعه مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ذهب الأخير ليلتقي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لمناقشة «مقترحات جيفري»، لتستيقظ الخرطوم بعد ساعات من هذا الاجتماع على ما تتفق وسائل الإعلام حالياً على وصفه بانقلابٍ قادته اللجنة الأمنية على «شريكها المدني»، علماً أنّه يصعب إيجاد فروقات جدية بين سياسات كل من الطرفين -«العسكري» و«المدني»- اتجاه المسائل الكبرى التي تهم الشعب السوداني ومستقبله؛ مثلاً الموقف من الأمريكي و«الإسرائيلي»، والموقف الاقتصادي- الاجتماعي وخاصة طريقة التعامل مع البنك الدولي وصندق النقد الدولي... وإلخ

مع ذلك، فإنّ الأحداث الأخيرة برهنت أن مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه البرهان، لم يكن أكثر من مناورة واسعة قام بها النظام السوداني المستمر على حاله من حيث الجوهر منذ عمر البشير وحتى الآن، أملاً في إعاقة التغيير الجذري الضروري في البلاد.

اللجنة الأمنية التي أدارت قمع الاحتجاجات الشعبية عام 2018 في السودان، تحولت بأحد ألعاب الخفّة إلى «شريكٍ يعوّل عليه في عملية التغيير»، انقلاب اللجنة الأمنية على عمر البشير كان خطوة في مناورة واسعة قادها أعمدة النظام السابق وممثلوه ليحاولوا بعدها استمالة القوى الانتهازية لتدخل معهم في عملية التغيير المزيفة التي يريدون، لكن السحر انقلب على الساحر كما يقال، واضطرت اللجنة الأمنية لتكشّر عن أنيابها وتخلع ثوب التغيير وتعتقل «الشركاء المدنيين» وسط أعمدة الدخان التي تتصاعد في البلاد بعد أن بدأ الشعب السوداني عصياناً عاماً تمهيداً للمعركة القادمة.

 

جيفري فيلتمان

إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن تعيين جيفري فيلتمان كمبعوث خاص لمنطقة القرن الإفريقي كان كافياً لإدراك عزم واشنطن على تأجيج أزمات القرن الأفريقي لا حلها، فبيان الخارجية الأمريكية الذي أكد أن فيلتمان «سوف يسعى لحل أزمات المنطقة بالحوار قبل أن تتحول لصراعات» كان يعني أياماً سوداء قادمة، فالغراب فيلتمان من أهم خَدَمِ مشروع الفوضى الأمريكي، إذ سبق له أن عمل في السفارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني كمساعد خاص للسفير حول قضايا عملية السلام التي حرصت واشنطن على تعطيلها، لينتقل بعدها متطوعاً عقب احتلال العراق ليخدم بإخلاص في مكتب سلطة التحالف المؤقتة في أربيل 2004، ثم جرى تعيينه كسفير لواشنطن في لبنان بين عامي 2004 إلى 2008. انتقل فيلتمان بعدها ليصبح مساعداً لوزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط من 2009 حتى 2012 ثم رئيساً للشؤون السياسية في الأمم المتحدة.

واشنطن ونظراً لحساسية المهمة في القرن الأفريقي احتاجت شخصاً كفيلتمان وأوكلت له العمل على ملف سد النهضة وقضايا إقليم تيجراي في إثيوبيا والملف السوداني! وحتى اللحظة عمل بإخلاص على نشر الفوضى وتعقيد هذه الملفات بما يتناقض مع المصالح الحقيقية لدول وشعوب القرن الإفريقي.

 

ربَّ ضارّة نافعة

الوضع في السودان أشد خطورة من كونه صراعاً على السلطة؛ فالسودان بعد أن خسر شطره الجنوبي يعيش اليوم ظروفاً مماثلة في شرقه وفي ظل الفوضى وانتشار السلاح يمكننا القول إن الأيام القادمة ستكون فاصلة في مستقبل «سلة غذاء العالم» والعاصمة العربية التي رُفعت فيها لاءات القضية الفلسطينية الثلاث «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض». ما جرى مؤخراً، سواء أصح توصيفه بالانقلاب أم لم يصح، ورغم أنّه من حيث الشكل صراع بين نخبٍ لا تمثل لا منفردة ولا بمجموعها إرادة ومصالح الشعب السوداني، إلا أنه يعبر في جوهره عن وصول محاولة النظام السابق في احتواء وخداع الشارع السوداني إلى حائط مسدود؛ ما يعني أن هنالك فرصة لتعود الموجهات إلى مسارها الصحيح، شارعٌ منتفض يبحث عن قوى سياسية حقيقية وصادقة تمثله في مواجهة نظام منتهي الصلاحية، وبشقيه العسكري والمدني.

آخر تعديل على الثلاثاء, 26 تشرين1/أكتوير 2021 14:05