هل تتحول تايوان إلى «قرم» جديدة؟

هل تتحول تايوان إلى «قرم» جديدة؟

يشهد ملف تايوان ازدياداً شديداً في درجة التوتر، فعلى الرغم من أن حالة عدم الاستقرار هذه مستمرة منذ عام 1949 إلا أن تطورات نوعية تجري بشكل متسارع في الفترة الأخيرة مما يضع «ملف تايوان» أمام خيارات حاسمة قريباً. الحرب قد تكون خياراً لحسم المسألة على الرغم من أنها ليست الخيار الوحيد!

تناقلت وسائل الإعلام يوم السبت 9 تشرين الأول الجاري كلمات قالها الرئيس الصيني شي جين بينغ بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الصينية التي أطاحت بآخر السلالة الإمبراطورية في 1911، فالرئيس الصيني أعلن بوضوح أن «إعادة التوحيد الكاملة للبلاد ستتحقق ويمكن تحقيقها» ليذكر مجدداً بأن الهدف النهائي للصين هو توحيد ضفتي مضيق تايوان.

في معاني التصعيد الأخير

تصريحات الرئيس الصيني هذه جاءت في سياق التصعيد الجاري والذي رأى فيه وزير الدفاع في تايوان أنه الأسوأ منذ أكثر من 40 عاماً، فالطائرات المقاتلة الصينية قامت بأكثر من 150 طلعة جوية خلال الأيام القليلة الماضية، وعلى الرغم من أن بكين لم تتجاوز «المجال الجوي التايواني» لكنها وصلت إلى مجال الدفاعات الجوية التايوانية. السلوك الصيني غير المألوف، والذي وعلى الرغم من ثبات موقف بكين تجاه قضية تايوان، إلا أنه لم يصل إلى هذه الدرجة من التصعيد من قبل، مما ساهم بتشكيل رأي يقول إن الصين تسعى لحسم المعركة في أسرع وقتٍ ممكن لتأتي كلمات الرئيس الصيني في 9 من الشهر الجاري لتؤكد هذا التوجه.

إن الفرضية القائلة باقتراب موعد توحيد الصين تقوم على أساس واقعي، فالصين خسرت وحدتها باستقلال تايوان التي جرى استثمارها بشكلٍ فاقع من قبل الغرب والولايات المتحدة التي ضحت بالتزاماتها تجاه تايوان في 1971 عندما رأت أن مصلحتها تقتضي تطبيع العلاقات مع الصين، وكانت تايوان بذلك «قربان الصداقة» بين البلدين. وبعد تغير الظرف وتحول الصين إلى مصدر خطر حقيقي على الهيمنة الأمريكية، عادت تايون لتصبح قضية أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية مما يجعلها فعلاً قضية صينية بحتة.


اللحظة السياسية السانحة

حشد القوات الأمريكية بمساعدة حلفائها على حدود الصين يعد تهديداً مباشراً للأمن الوطني الصيني، ولدى الصين في هذه الحالة خيارات محدودة جداً، فإما الانتظار والاستعداد أو القيام بالضربات الاستباقية التي من شأنها أن تعزز مواقع الصين. ويعتبر توحيد الصين ضربة هجومية استباقية، فتايوان كانت بالنسبة للصين شأناً داخلياً على الداوم، شأنها شأن هونغ كونغ، ولكنها بحكم الأمر الواقع تستخدم حتى اللحظة كحاملة طائرات غربية مما يستوجب على الصين كسر هذه الحالة بأسرع وقتٍ ممكن. السؤال يكمن في كيفية إنجاز هذه المهمة. الطلعات الجوية المكثفة الأخيرة وعلى الرغم من التطمينات الرسمية الصينية حول السبيل السلمي لحل القضية، إلا أنها تعد تصعدياً عسكرياً قابلاً للتطور السريع وخصوصاً أن هذا السلوك يشكّل استنزافاً للطاقة العسكرية في تايوان التي كانت مضطرة للاستجابة لكل الطلعات الجوية الصينية.


الضغط الصيني المتزايد على تايوان ليس ضغطاً مجانياً بل مدروساً سينتهي بتوحيد الصين مع جزيرتها المنفصلة. ولا يعني أن هذا التوحيد سيكون باستخدام الخيار العسكري وحده بل قد ينجز بأشكال مختلفة. يرى البعض في احتمال قيام الصين بهذه الخطوة بوصفه تصعيداً كبيراً من قبلها وخصوصاً بعد حشد القوات الأمريكية والغربية حولها، لكنه في الواقع سيكون استجابة صحيحة لهذا النمط من الضغوط، فاللحظة السياسية الحالية تعطي الصين الفرصة لتوجيه الضربات. لحظة تشبه بطبيعتها تلك التي سبقت استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم والتي جاءت كرد فعل طبيعي على التضييق الغربي. فالخطوة الروسية السريعة والقاضية قوبلت بحالة شلل غربي رغم الحشود العسكرية الكبيرة على حدودها.