لجانب من ستقف فيتنام، الصين أم أمريكا؟
ضمن الصراع الأمريكي الصيني العالمي، سيتعيّن على بعض القوى أن تتخذ موقفاً في بعض الأحيان، وفيتنام هي إحدى هذه الدول.
ترجمة : قاسيون
دخلت فيتنام في القرن الماضي في توترات حامية مع كلا البلدين، رغم أنّه لا يمكن مقارنة دخول القوات الصينية إلى بضع مدن في الشمال الفيتنامي، مع الحرب الدامية الكارثية بين الفيتناميين والولايات المتحدة التي دامت قرابة العشرين عاماً.
طبّعت الولايات المتحدة علاقاتها بفيتنام في 1997، وكانت الصين قد سبقتها إلى ذلك قبل بضع سنوات في 1991. ومنذ ذلك الوقت وفيتنام تنتفع من العلاقة مع كلا البلدين اقتصادياً.
اتبع المال، اتبع التجارة
في 1997 كانت اليابان هي السوق الأكبر للصادرات الفيتنامية بما يشكّل 24.22% من كليّ صادرات فيتنام، مع تشكيل الصادرات إلى الولايات المتحدة نسبة 4.15%، وإلى الصين دون احتساب هونغ كونغ 4.48%، وإذا احتسبنا هونغ كونغ مع الصين نضيف 3.23%.
وفي عام 1997 ذاته، كانت نسبة 9.5% من واردات فيتنام قادمة من الصين، مقابل 2.45% من الولايات المتحدة.
في 2019 تعبّر الأرقام عن مشهد اقتصادي-سياسي جديد: الصين هي السوق الأكبر لصادرات فيتنام عند 21.45%، مقابل 19.26% إلى الولايات المتحدة. كما أنّ الصين هي المصدر الأكبر للواردات إلى فيتنام بنسبة 36.36% من كليّ الواردات، مقابل 4.07% من الولايات المتحدة.
التجارة مع الصين شديدة الأهميّة للاقتصاد الفيتنامي. الوصول إلى أسواق إضافية هي أولوية أخرى بالنسبة للفيتناميين. لكن ما الذي تطرحه بكين وواشنطن على الطاولة لمعالجة ما يشغل فيتنام، وكيف سينتهي الأمر على المدى القصير والبعيد؟
ماذا لدى الأمريكيين ليقدموه؟
أعلنت الأنباء في آب عن قيام نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس بحثّ فيتنام على الانضمام إلى واشنطن في الوقوف في وجه «التنمّر الصيني»، أثناء لقائها بالرئيس الفيتنامي.
لكن إن انضمت فيتنام إلى الولايات المتحدة فسيعني هذا المخاطرة بتوتير العلاقات مع الصين سياسياً واقتصادياً. كما أنّ الأمر قد يشكل أزمة أمنية مع الصين تبعاً لتشاركها معها 1297 كلم من الحدود.
الأمر الذي يستحقّ أن نوليه أهميّة كبيرة هنا أنّ الخلافات في بحر الصين الجنوبي يتم تضخيمها بشكل كبير من قبل الولايات المتحدة، فهي رغم وجودها لا تؤثر على الاستقرار الإقليمي أو العالمي، كما أنّ الخلافات على بحر الصين الجنوبي ليست بين جميع دول البحر والصين فقط، بل هي خلافات بين هذه الدول نفسها بعضها بين بعض.
كما أنّه من الواضح أنّ فيتنام ستتأثر سلباً بأيّ توتر في الإقليم الذي توجد فيه وتتمنى استقراره للاستمرار بالنمو الاقتصادي. فما الذي لدى الولايات المتحدة لتقدمه؟ تقدم الولايات المتحدة مساعدات لفيتنام تشمل التحوّل إلى أنظمة طاقة نظيفة وتوسيع استخدام الآليات الكهربائية، وملايين على شكل مساعدات لإزالة الذخائر غير المتفجرة الباقية منذ الحرب الفيتنامية-الأمريكية.
لكن قد يعني «التحوّل إلى طاقة أنظف» إجبار فيتنام على التخلي عن بناء محطات طاقة أزهد ثمناً بالتعاون مع الصين لصالح محطات الغاز المسيّل الأمريكي الأكثر ثمناً، والتي يتم بناؤها وفقاً لتمويل من الولايات المتحدة. كما أنّ الغاز المسال الأمريكي بحدّ ذاته سيكون أعلى ثمناً، ولا يمكن اعتباره «تنافسياً» إلّا من خلال نظام عقوبات متوسّع بشكل مستمر ونزاعات تضمن عدم القدرة على الوصول إلى بدائل أزهد ثمناً.
يبقى الاستثمار الأمريكي في إزالة الذخائر غير المتفجرة، وهي الموجودة أصلاً بسبب الحرب الأمريكية الفيتنامية.
لم يتم الحديث في الأوساط الأمريكية عن أكثر من ذلك، وهذا منطقي لعدم قدرة الولايات المتحدة على أن تعد بأكثر من ذلك. في الجوهر، تعد الولايات المتحدة الفيتناميين بتحويل بلدهم إلى بيدق في المواجهة المهندسة أمريكياً ضدّ الصين.
الصين لا تقدّم وعوداً بل أفعالاً
أعلنت وكالة تشينخوا الصينية عن إتمام أوّل صلة بين الصين وأوروبا عبر العاصمة الفيتنامية هانوي، وهو خطّ الحديد الذي يصل هانوي بزينغ-زو الصينية، ثمّ من الصين إلى لييج في بلجيكا.
تمّ إدماج فيتنام في مبادرة الحزام والطريق عبر عدد من الخطوط الحديدية لوصل فيتنام بالصين ضمن مشروع طريق الحرير، الأمر الذي سيمدد وصول فيتنام إلى الأسواق الدولية عبر طرق حديد الصين-أوروبا. مع وصول أولى البضائع الفيتنامية إلى بلجيكا، باتت المنافع الاقتصادية المحسوسة من التعاون مع الصين ملموسة وليس من داعٍ لتخيّلها.
ومع توسّع الصين في خطوط السكك الحديدية، سيكون لدى فيتنام عند شراكتها مع الصين، القدرة على المنافسة مع طرق النقل البحرية سواء بالمعنى الاقتصادي أو بوقت التسليم، وكذلك تجنّب مخاطر الشحن البحري.
سيكون لدى فيتنام الفرصة للاستفادة من توسّع الصين بالسكك الحديدية عبر روسيا ووسط آسيا، ما سيجعل الصادرات الفيتنامية تقف من جديد بفضل قدرات الوصول التي تؤمنها الصين عبر الحزام والطريق، والتي تسعى الولايات المتحدة لهزيمته ليس عبر تأمين بدائل، بل عبر قطعه باستخدام الإرهاب أو التوترات كما يحدث في ميانمار حالياً.
فيتنام، مثلها مثل بقيّة دول جنوب شرق آسيا، تسعى لتنويع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية خوفاً من الإفراط في الاعتماد على جهة واحدة. وفي حين أنّ هذا يقدّم فرصة كبيرة لواشنطن، فالولايات المتحدة تفتقد إلى الأدوات اللازمة لاستغلال الأمر، ولهذا فليس لديها خيار سوى رمي قنابل دخان لعدم قدرتها على توفير بدائل عن الحزام والطريق الصيني.
لهذا وبمعزل عن العلاقات التاريخية بين الصين وفيتنام، والولايات المتحدة وفيتنام، السؤال الذي يجب طرحه اليوم: من الذي يمكنه أن يستفيد بين القوتين المتصارعتين من ثراء ورفاه فيتنام؟ بالنسبة لبكين فهي تستفيد من هذا الرفاه لكون فيتنام سوق محتملة لبضائعها، وكذلك تستفيد من نموّ الصادرات الفيتناميّة العابرة لطريق الحرير.
أمّا الولايات المتحدة فمنفعتها مقتصرة فقط على استخدام فيتنام لتطويق واحتواء الصين، الأمر الذي لن يكون متوافقاً مع السلام الذي تحتاجه فيتنام والمنطقة المحيطة بها للنمو وتحقيق الرفاه.
يبدو لي أنّ خيار الفيتناميين يجب أن يكون واضحاً هنا.