ارتفاع مستوى «الطنبرة»... مؤشرٌ إضافيٌ على قرب الانسحاب الأمريكي!
منذ بدأ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والسؤال المنطقي الذي يبحث الجميع عن إجابة له هو: متى سيأتي دور العراق وسورية؟
وليس غريباً أنّ اجتهادات عديدة من شخصيات وقوى تعتبر قريبة من الأمريكي قد صبّت في مكان واحد هو القول «إنّ سورية مسألة أخرى ووضعها مختلف ولن ينسحب الأمريكي منها قريباً».
ما يلفت الانتباه هو حجم «التعاضد» الذي نراه من مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين، وكذلك من وسائل إعلام ومراكز أبحاث، من المعتاد أن تكون مواقفها مستقطبة على أساس التناقض المكرر بين ديمقراطيين وجمهوريين. الآن نجد موقفاً «إعلامياً» موحداً، يقول إنّ واشنطن لن تكرر أفغانستان في سورية.
من أمثلة ذلك ما قيل عن زيارة كل من مكنزي وهود إلى الشمال الشرقي السوري مؤخراً، والتي نقل عنهما خلالها تأكيدهما على أنّ «الجنود الأمريكيين لن يغادروا» وأنه «لن تكون هناك تغييرات حول وجودهم في سورية».
وضمن السياق نفسه، ورغم أنه محسوب على معسكر مضاد لبايدن، فقد أكد المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، في مقابلة أجراها معه موقع العربي الجديد يوم السادس من الجاري، أكد أنه يتوقع أنْ: «يتضاعف الاهتمام الأميركي بالملف السوري».
عودة سريعة للتاريخ
استعرضت قاسيون في عددها 1033، بتاريخ 30 آب الماضي، وفي مادة مشتركة للزميلة ريم عيسى والزميل سعد صائب، تحت عنوان: «النهج الأمريكي المحتمل في سورية من العدسة الأفغانية»، استعرضت بشكل موجزٍ تاريخ الانسحابات الأمريكية من كل من فيتنام 1973، ولبنان 1984، ثم أفغانستان 2021. واستنتجت مجموعة عوامل مشتركة بينها إغداق المسؤولين الأمريكيين لتطميناتهم لحلفائهم في هذه الدول بأنهم باقون قبل أيام وأسابيع قليلة من الانسحاب الكامل، وترك هؤلاء الحلفاء لمصيرهم.
هذا «الكرم الكلامي»، بالتوازي مع المعطيات الفعلية المتعلقة بالضرورات الاستراتيجية التي تبني واشنطن سياساتها الجارية على أساسها، لا يمكن التعامل معه على أنّه مجرد «تخبطٍ» سياسي كما يحاول البعض تصويره؛ على العكس من ذلك، فإنّ التاريخ يكشف أنه جزء من المخطط العام المطلوب لتحقيق النتائج المرجوة من «المفاجأة».
لا يجوز أن نتفاجأ
في مذكراته المنشورة عام 2011، يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد: «الشيء الوحيد المفاجئ هو أننا ما زلنا نتفاجأ عندما تحدث مفاجأة». والمقصود ضمن سياق حديثه هو أنه لا يجوز لمن يحسب جيداً أن يتفاجأ.
مسألة الانسحاب من «الحروب غير المنتهية»، ليست سياسة ترامب، وليست سياسة بايدن، بل هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل على تقليص وإعادة تموضع الوجود العسكري الأمريكي حول العالم، ضمن استهدافين واضحين:
أولاً: تركيز الجهود باتجاه المنافس رقم واحد، أي الصين.
ثانياً: إدخال المناطق التي يتم إخلاؤها في فوضى عارمة بحيث لا تصل إلى الاستقرار ولا تتحول تالياً إلى احتياطي للصين وروسيا ضمن المشروعين الكبيرين «الحزام والطريق» و«الأوراسي».
وضمن «ثانياً» هذه، فإنّ إحداث أكبر قدر ممكن من الفوضى، يتطلب أكبر قدر ممكن من «التفاجؤ»، بحيث لا تتمكن القوى المحلية والإقليمية من تحضير نفسها مسبقاً لواقع ما بعد الانسحاب الأمريكي.
«الطنبرة» التي وصل صاحب فكرة «تحويل سورية إلى مستنقع للروس»، أي جيمس جيفري، إلى الاشتراك الفعال بها، ليست إلا جزءاً من هذه العملية... لذلك: لا «تتطنبروا» ولا «تتفاجأوا»... احسبوا جيداً!