أوروبا و«معاداة السامية»

أوروبا و«معاداة السامية»

لطالما كانت تهمة «معاداة السامية» هي السلاح الأهم الذي استخدمه الكيان الصهيوني في ابتزاز الدول، وخاصة الدول الأوروبية التي كانت جزءاً من الحرب العالمية الثانية وابتزاز أيّ دولة تعادي الكيان أو سياساته عموماً. وقد دفعت عدد من الدول ومنها ألمانيا الكثير والكثير من خلال هذا الابتزاز الذي كان نوعاً من تحميل هذه الدول تكاليف بناء الكيان الصهيوني واستمراريته. ولكن بعض الدول الأوروبية بدأت بالتململ من «الخوّة» التي تدفعها.

تُعَدّ سياسة مقاطعة البضائع «الإسرائيلية»، وخاصة منها تلك التي تُصنع في المستعمرات، أحد نواتج ذلك التململ الذي عمره الآن سنوات، وقد جرت حملة كبرى في العام 2015 عندما تقدّمت حملة «مقاطعة البضائع الإسرائيلية» أوروبياً، على الرغم من المحاولات الحثيثة للاحتلال لمواجهتها، من خلال دعوة 16 وزيراً للخارجية في أوروبا، المفوضةَ العليا للشؤون الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، إلى «تسريع إجراء فرض وضع إشارات على البضائع المنتجة في المستوطنات (الإسرائيلية) في الضفة الغربية»، ووقّعتها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والسويد والنمسا ومالطا وإيرلندا والبرتغال وسلوفينيا وهنغاريا وفنلندا والدنمارك وهولندا ولوكسمبورغ.
وسبقتها رسالةٌ مماثلة بعث بها وزراء أوروبيون عدة في العام 2013، إلى المفوضة العليا السابقة للشؤون الأوروبية كاثرين آشتون، لكنها بقيت حبيسة الأدراج، على الرغم من عدم توخّيها مقاطعة البضائع (الإسرائيلية)، بل فقط البضائع المنتجة داخل المستوطنات، وذلك بسبب التدخلات القوية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي ضغط على الأوروبيين لعرقلة هذا الإجراء.
وقد كانت آخر تلك الحملات للمقاطعة هي تلك التي فرضتها البلديات النرويجية مثل أوسلو أسوة بغيرها في أيار الماضي أثناء العدوان على غزة.
كانت بولندا قبل الحرب العالمية الثانية موطناً لإحدى أكبر الجاليات اليهودية في العالم، ولكن النازيين قضوا على جزء كبير منها. ورغم أنّ بولندا تحديداً كانت وما تزال أحد معاقل الحركات اليهودية، وتأثيرها على الكيان كبير بسبب العلاقات التاريخية، وتاريخ الاضطهاد النازي فيها معروف كذلك، إلا أنّ تحميل عبء المجازر النازية للدول القائمة حالياً يصبح يوماً بعد يوم أمراً مرفوضاً أوروبياً ولو كان ذلك بالتدريج.
فقد اتهمت السلطات «الإسرائيلية» وارسو بانتهاك حقوق أحفاد ضحايا الهولوكوست الذين فقدوا ممتلكاتهم خلال الاحتلال النازي، وبعد الحرب. ينبع رفض دفع تعويضات لأحفاد الضحايا من القانون الإداري المحدث، والذي صادق عليه رئيس بولندا أندريه دودا، ورداً على ذلك استدعت «إسرائيل» القائم بأعمالها في وارسو. وتخطط بولندا للرد بشكل متناظر.
أزمة الهولوكوست، ليست الأولى في العلاقات بين «إسرائيل» وبولندا. ففي العام 2018، أدى قانون يجرّم اتهامات البولنديين بالتعاون مع النازيين أثناء الحرب إلى ضجة كبيرة. أثار القانون انتقادات في «إسرائيل» والولايات المتحدة.
وسُوّيت العلاقات بين بولندا و«إسرائيل» مرة أخرى، ولكن، كما اتضح، لم يدم ذلك طويلاً. ثم أعلنت وزارة الخارجية البولندية، أنها بصدد تخفيض مستوى العلاقات بين البلدين في أعقاب الأزمة الدبلوماسية.
لكن وكما يبدو فإنّ المجتمع الدولي بدأ يُشفى من تهمة «العداء للسامية»، و«إسرائيل» لم تعد مخيفة كما كانت من قبل، حتى للحكومات الأوروبية.