«إسرائيل» تتحسّس رأسَها بعد أفغانستان
سيث فرانتزمان سيث فرانتزمان

«إسرائيل» تتحسّس رأسَها بعد أفغانستان

نشرت صحيفة «The Jerusalem Post» «الإسرائيلية» مقالاً يعبّر عن الهلع الذي ينتاب «الإسرائيليين»، وهم محقّون به، بسبب «كارثة كابول» كما سموّها، لأنها أعادت طرح قضايا التراجع الأمريكي من المنطقة والعالم بشكل أكثر مباشرة هذه المرّة، الأمر الذي يعني إزالة درع الحماية عن «إسرائيل» وجرائمها وتجاهلها قرارات المجتمع الدولي. خلاصة المقال الذي نقدمه مترجماً دون تعديل: إذا كان الأمريكيون قد تركوا حلفاءهم في كابول لمصيرهم، فما الذي سيمنعهم من فعل ذلك مع «إسرائيل»؟

ترجمة: قاسيون

السقوط السريع في أفغانستان، والطريقة التي صُدِمَ بها المسؤولون السياسيون والعسكريون الأمريكيون، وكذلك الخبراء من جميع مراكز الأبحاث، بسبب سرعة الانهيار، تصلح كرمزٍ للتحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم.

بعد أفغانستان، سيكون على الولايات المتحدة أن تعيد التأكيد لحلفائها وشركائها بأنّها ستبقى في مكانٍ ما في العالم. فمع حديث المسؤولين الأمريكيين عن «الحروب الدائمة» وضياع «الخزانة» حول العالم، بات هناك مخاوف عمّا هو قريب.

هذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث يتساءل حلفاءُ أمريكا وشركاؤها إنْ كانت الولايات المتحدة ترى الدول هنا فقط «كمصالح». الحديث عن أخذ الولايات المتحدة موقفاً أشدَّ تجاه السعودية ومصر – البلدان اللذان شكّلا يوماً عمود السياسة الخارجية الأمريكية – باتَت مسألة تجلب القلق.

دعم الولايات المتحدة «لاتفاقات أبراهام» هي مسألة حاسمة كذلك. الإدارة الأمريكية الجديدة لم تسمِّ اتفاقات السلام «الإسرائيلية» باسمها، بل نشرت رسائل تشيد بالتطبيق الذي تمارسه «إسرائيل» الآن مع دول الخليج والمغرب.

هناك أيضاً المخاوف بشأن دور الولايات المتحدة في العراق وسورية. هل ستقوّض أفغانستان المزيد من الثقة بواشنطن وبمزاعمها بأنّها ستبقى ملتزمة بالإقليم؟

لدى الولايات المتحدة سجلّ طويل من التدخلات في دول متعددة على مدى العقود الماضية. كانت هذه النزاعات التي تسمى «حروباً صغيرة» أو «حروباً طويلة» هي نتيجة نهاية الحرب الباردة و11/9.

يعني هذا بأنّ الولايات المتحدة مارست التدخلات الإنسانية وبناء الدول، ثمّ انتقلت لمنع العراق من حيازة أسلحة دمار شامل وشنّ الحرب العالمية على الإرهاب. تَبيَّن بأنّ معظم ذلك أسطورة، كما شهدنا في أفغانستان.

لم يتم بناء الأمم. كلّما تدخلت الولايات المتحدة في مكان، تحولت البلاد عموماً إلى مكان للفوضى والفقر والكوارث.

من العراق إلى سورية، ومن أفغانستان إلى الصومال، ومن هايتي إلى باناما، أرسلت الولايات المتحدة القوات إلى أماكن عديدة، ولم يتقدموا بالعموم في أيّ مجال. قد لا يكون ذلك بسبب تدخلات الولايات المتحدة. قد تكون التدخلات ببساطة مجرّد أحد أعراض النظام الفوضوي العالمي، وصعود التطرّف والمساحات غير الخاضعة للحكم.

مثال: الفوضى في ليبيا اليوم قد لا تكون خطأ التدخل. كما لا يمكن لوم الولايات المتحدة على الفوضى في اليمن. لكنّ الولايات المتحدة هي أحد العوامل. وإدارتها السيئة بوضوح، أو محاولتها الفاشلة لبناء قوات أمن محلية، تثير جميعها التساؤلات. أين كانت القوات الجوية الأفغانية على طول الشهر ونصف الماضيين؟

قال الرئيس بايدن في تموز بأنّ الجيش الأفغاني لديه 300 ألف مقاتل «مجهزون بمثل تجهيز أيّ جيش في العالم» وبأنّ لديه قوات جويّة. لكن تبيّن أن القوات الجوية هي عدد قليل من المروحيات. بأيّ حال لم تبنِ الولايات المتحدة قوّات جويّة حقيقية في أفغانستان.

تُظهر الصور من أقاليم أفغانستان الفقر والإهمال. لم تنتج عشرون عاماً الكثير كما يبدو. يتساءل الأمريكيون أين ذهبت مليارات الدولارات. رأوا هذا كمثال آخر على أنّ واشنطن مضلّلة أو قامت بتضليلهم. يريدون للأموال التي أنفقت أن تُنفَق في الوطن على البنية التحتية.

أمريكا لا تتحدث فقط عن المزيد من الانعزال، وهو الموضوع الذي انتشر طوال تاريخ الولايات المتحدة واكتسب الشعبية في ظلّ شعار إدارة ترامب «إعادة أمريكا عظيمة من جديد». يميل اليمين واليسار الأمريكي للاتفاق على أنّ الوقت حان كي تنظر الولايات المتحدة للداخل، وأنّ على السياسة الخارجية أن تركّز على المصالح بشكلها الضيّق.

هل هذا لصالحنا؟ ما الذي نفعله، ولماذا نفعله؟ هذه هي الأسئلة التي تمّ طرحها. يبدو بأنّ الولايات المتحدة تتخلّص من شركائها واحداً تلو الآخر، أو أنّها تقوم على الأقل بوضعهم على لائحة الانتظار. لتُظهِرْ لنا بأنّك من مصلحتنا، أو أنّ دورك سينتهي.

حدث هذا في شرق سورية في 2018 و2019. انتهى الأمر بالولايات المتحدة، مدفوعة بشكل جزئي بعناصر موالية لتركيا في وزارة الخارجية الأمريكية الذين أرادوا إنهاء الدور الأمريكي في سورية للمنافسة مع القيادة العسكرية الأمريكية، بالانسحاب بشكل جزئي.

غزا الجهاديون الإرهابيون المدعومون من أنقرة مناطق كانت قسد قد أمَّنتْها بمساعدة الأمريكيين. هؤلاء الشركاء في قسد ساعدوا على تحرير الرقّة من داعش. لكنّ المسؤولين في الولايات المتحدة سمّوا هذه الشراكة: «مؤقتة، وتكتيكية، وعابرة».

حتى اليوم، من المحتمل أن تغادر الولايات المتحدة شرق سورية إن لم تشهد بعض التقدم المجهول. يضع هذا الناس على الحافة، كما حصل للناس في كابول، ليتساءلوا ما الرهان القادم عليهم.

تدعو الولايات المتحدة هذا «بالمصالح»، لكن من غير الواضح لماذا تسليم منطقة لمنافسيها هو في مصلحة الولايات المتحدة. رأس المال السياسي المتمثل في ثقة الناس بواشنطن والاعتماد عليها أمرٌ مهمّ، لكن يتم تبديده.

تواجه الولايات المتحدة المشكلة ذاتها في العراق. أصدقاء وشركاء الولايات المتحدة يسحبون أو يطوقون رهاناتهم. في منطقة كردستان، وهي التي وجدت بشكل جزئي بسبب الدعم الجوي الأمريكي في التسعينيّات، هم اليوم في خشية شديدة من عدم بقاء الولايات المتحدة. استهدفت المليشيات الموالية لإيران أربيل، ولا تزال داعش تنزّ من القروح، وتركيا تقصف بعض الأماكن.

في هذه الأثناء، في الخليج العربي، تواجه الولايات المتحدة أيضاً اتهامات بكونها غير داعمة «لاتفاقات أبراهام». يبدو أنّ هناك بعض الميل في الرياض للتباحث مع إيران. تواجه السعودية الحوثيين المدعومين إيرانياً في اليمن. وقد تسعى للوصول إلى صفقة مع إيران.

مصر قد تغيّر رؤاها أيضاً، لتسعى نحو دور أكبر في القرن الإفريقي. السودان بدورها تريد رأب الصدع مع تركيا بعد أن فتحت العلاقات مع « إسرائيل»، فهي تحتاج إلى الاستثمارات في نهاية المطاف.

يدور الحديث الأمريكي اليوم بمعظمه عن رغبة الولايات المتحدة بمواجهة روسيا والصين. لكنّ الكثير من الدول تتساءل عن الالتزامات التي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها عندما تطلب من أصدقائها وشركائها مساعدتها في مواجهتهم.

عندما ترفض الولايات المتحدة حتى رؤية الدول على أنّها حليفة، بحيث تسميها «مصالح»، ثمّ تطلب منها مساعدتها في مواجهة روسيا والصين، تتساءل العديد من الدول عمّا سيحدث عندما ستغيّر الولايات المتحدة سياساتها ولا تعود تلك «المصالح» متوافقة. تتساءل هذه الدول عمّا إذا كان من «مصلحتها» الوطنية مواجهة الصين أو روسيا أو إيران.

 sdsd

لهذا الأمر تداعياته على «إسرائيل» التي تعتبر نفسها حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة. نمت العلاقات «الإسرائيلية-الأمريكية» في الأعوام الأخيرة، وشركات الدفاع «الإسرائيلية-الأمريكية» هي اليوم رائدة العالم في مجال التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيرة، والرادارات، والصواريخ، والدفاع الجوي، وكبسولات الاستهداف.

على السطح، العلاقات «الإسرائيلية-الأمريكية» هي الأفضل على الإطلاق. هناك تدريبات مشتركة أكثر ممّا جرى في الماضي. كثيراً ما يلتقي المسؤولون الأمريكيون بنظرائهم «الإسرائيليين». يعني هذا بأنّه ليس لكارثة أفغانستان آثار فوريّة على «إسرائيل». في الواقع، وجود بصمة أمريكية أقل وقواعد عسكرية أمريكية أقل، يعني ظاهرياً حاجة الولايات المتحدة «لإسرائيل» أكثر من أيّ وقت مضى.

تلعب «إسرائيل» اليوم دوراً أكبر في المنطقة، الأمر الذي من صالح الولايات المتحدة. جزء كبير من المنطقة مكوّن من دول ضعيفة أو فاشلة أو أماكن يحتلها وكلاء إيران. تجلس «إسرائيل» على عتبة لبنان المفلس، وعلى الحدود السورية حيث يستمرّ النزاع.

للولايات المتحدة قاعدة في التنف بالقرب من الحدود الأردنية، ليست بعيدة عن «إسرائيل». وفي حين أنّ القواعد الأمريكية في قطر والبحرين والإمارات ليست موضع جدل، هناك الكثير من الشكوك حول مدى قرب الولايات المتحدة اليوم من الرياض والقاهرة. تعمل «إسرائيل» والإمارات على تعزيز علاقتهما باليونان والهند، وهما دولتان تعمل معهما الولايات المتحدة كذلك.

السؤال الكبير بعد أفغانستان: كيف ستُظهر الولايات المتحدة بأنّها ملتزمة حقاً بالاستقرار والأمن، سواء أكان ذلك قبالة سواحل تايوان أو قبالة سواحل عُمان، حيث تعرضت سفينة مؤخراً لهجوم بطائرة دون طيّار.

ترقب الدول عزيمة الولايات المتحدة، ويبدو أنّ الأمريكيين في مأزق بعد كارثة كابول. كيف اختفى 300 ألف جندي أفغاني؟ هل كان جيشاً شبحيّاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقول ذلك عن تدريب الولايات المتحدة للقوات العراقية، أو قوات الأمن الفلسطينية عبر ما كان يسمّى «جيش دايتون»؟

إذا واجهت السلطة الفلسطينية تحديات، فهل ستكون قوات الأمن الفلسطينية على مستوى المهمة؟ وماذا سيحدث في شرقي سورية لقوات قسد، وهي القوّة الرئيسة الأخرى التي ساعدت الولايات المتحدة في دعمها؟ هذا مهمّ لأنّ الأعداء، مثل إيران، يريدون الانتقال والتواجد في أيّ فراغ في المنطقة.

نحن نعلم كيف يتمّ ملء الفراغ هذا من رؤية أماكن مثل لبنان. إنّها عملية إفلاس، وعلى الولايات المتحدة أن تُطمْئِن الحلفاء بأنّها ستلتزم بالمنطقة في الأوقات الصعبة.

 

عن: Afghanistan debacle message for US allies, including Israel - analysis

معلومات إضافية

المصدر:
The Jerusalem Post
آخر تعديل على الأربعاء, 25 آب/أغسطس 2021 11:47