الانتفاضة الفلسطينية تتصاعد مقابل تنسيق «ثلاثي» وتطبيع وفساد لتطويقها
فيديل قره باغي فيديل قره باغي

الانتفاضة الفلسطينية تتصاعد مقابل تنسيق «ثلاثي» وتطبيع وفساد لتطويقها

شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً انعطافياً مهمّاً في جنين بالضفة الغربية المحتلة، تَمثّل باشتباكات مسلّحة مباشرة بين مقاومين فلسطينيّين وجنود الاحتلال أثناء التصدّي لاقتحام «إسرائيلي» للمدينة، ما أسفر الإثنين 16 آب، عن إصابات واستشهاد أربعة شُبّان شارك بتشييعهم الآلاف، لتتوالى بعدها الدعوات الشعبية للخروج إلى نقاط التماس والاشتباك، مع إعلان القوى الوطنية الفلسطينية والمؤسسات في جنين إضراباً شامل في المدينة مطالبين بأن يعمّ كذلك جميع أراضي الضفة الغربية المحتلة، ما يشكّل تحدّياً ليس فقط للاحتلال بل ولسلطة التنسيق الأمني معه، وحتى التحليلات «الإسرائيلية» أدركت أنّ أحداث جنين تعكس «فقدان سيطرة السلطة الفلسطينية». بالمقابل تتصاعد محاولات أعداء الشعب وبائعي قضيّته لتفريغ الشحنات الإيجابية للانتصارات والإنجازات، ولعلّ أحدث ما تكشّف هو أنباءٌ عن «وثيقة سرّية» لاتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية والاحتلال، قيل إنها «وُقِّعَت بعد زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الفلسطينية و(الإسرائيلية) هادي عمرو للمنطقة، وتضمّنت جوانب خطيرة تخصّ الشعب الفلسطيني»، إضافة إلى اشتراط السلطة مرور مساعدات إعمار غزة عبرها وأنّه «لن يكون إلا من خلال الحكومة الفلسطينية برئاسة اشتية» أيْ عبر الحكومة ذاتها المتورّطة بالفساد وتسليم المقاومين للعدو، وقمع واغتيال معارضيها الذين يفضحون فسادها حتى اللحظة، ولم يكن آخرهم الشهيد نزار بنات.

تداولت عدة وسائل إعلام، منذ الإثنين الماضي، 9 آب، تفاصيل وثيقة سريّة، لاتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية، والسلطة الفلسطينية، والاحتلال.

ويعود كشف الوثيقة إلى «مصادر خاصة» لوكالة «عربي21»، طلبت عدم الكشف عن هويتها، ولكنّها أكّدت لها بأنّ «الوثيقة وُقِّعَت يوم 14 تموز/يوليو 2021»، وأنّها «تكشف أنّ الإدارة الأمريكية تفرض رقابة مشددة على وسائل الإعلام الفلسطينية، ومناهج التعليم، وإعادة تفعيل لجنة التحريض الثلاثية؛ الأمريكية الإسرائيلية الفلسطينية».

ولتذكير (أو تعريف) القارئ بما هي هذه «اللجنة الثلاثية» سيئّة الصيت، نقتبس البند الخاصّ بتشكيلها من اتفاقيات «واي ريفر» في 23 تشرين الأول 1998 (الفقرة ج من البند الأول) وفق ما وردت حرفياً على موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية الرسمية (وفا):

«ج– بدء أعمال لجنة متابعة التحريض: 1- تجتمع لجنة أمريكية-إسرائيلية-فلسطينية بشكل منتظم لمتابعة حالات التحريض المحتمل على العنف أو الإرهاب؛ لكي تقدم توصيات حول سبل منع هذا التحريض. وستعيِّن كلٌّ من الأطراف (الإسرائيلية) والأمريكية والفلسطينية في هذه اللجنة خبيراً إعلامياً وممثلاً قانونياً وخبيراً تربوياً وشخصاً منتخباً أو سابقاً منتخباً لعضوية هذه اللجنة. 2- إصدار المرسوم الفلسطيني الذي يحظر أيّ شكل من أشكال التحريض: استناداً إلى ما هو متعارف عليه دولياً في هذا المجال، وطبقاً للمادة 22 (1) من الاتفاق الانتقالي ومذكرة الحفظ، سوف تسعى (إسرائيل) والمجلس لتعزيز التفاهم المتبادل والتسامح وبالتالي الامتناع عن التحريض، بما فيها الدعاية العدائية ضد بعضهما البعض، وبدون الانتقاص من مبدأ حرية التعبير، وسوف يأخذان الإجراءات القانونية لمنع تحريض كهذا من قبل أي من المنظمات أو الجماعات أو الأفراد ضمن ولايتها. سيصدر الطرف الفلسطيني مرسوماً يحظر أي شكل من أشكال التحريض على العنف أو الإرهاب، وينشئ آليات للتحرك بشكل منهجي ضد كل عبارات أو تهديدات بالعنف، وسيكون هذا المرسوم مشابهاً لمرسوم (إسرائيلي) ضمن التشريعات (الإسرائيلية) التي تتعامل مع نفس الموضوع».

ليس من الصعب على القارئ ملاحظة أنّ تلك الاتفاقية واللجنة الثلاثية كانت محطة بارزة في تبنّي وقبول سلطة أوسلو للتعريف الأمريكي-الصهيوني «للإرهاب» بأنه المقاومة ضد الاحتلال تحديداً، ولا سيّما المقاومة المسلّحة! ولا مجال هنا لذكر باقي بنود «واي ريفر» لكنّها باختصار تزخر بالتنازلات والذلّ والتنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية مع العدوّ.

نعود لنبأ الكشف عن الاتفاقية الثلاثية الجديدة، فلقد نوهت المصادر وفقاً للوكالة المذكورة بأنه «تم الاتفاق على أن تقوم لجنة (إسرائيلية)-أمريكية، بإعداد صيغة حول قانون الأسرى الفلسطينيين، من أجل أن تقوم السلطة بتنفيذه» الأمر الذي يتوافق بالمناسبة مع بنود مشابهة في اتفاقية «واي ريفر» القديمة.

أما الأمر الذي يبدو جديداً، فهو محاولة أمريكية-صهيونية لإنعاش أو إنقاذ السلطة من الانهيار وسط تصاعد السخط الشعبي ضدّها، حيث قالت المصادر إنّ «اللجنة سابقة الذكر، فرضت على السلطة العمل على كشف كافة ملفات الفساد فيها، من أجل ترميم وتحسين صورتها في المجتمع»، مؤكدة أنّ «اللجنة الإسرائيلية-الأمريكية» ستراقب السلطة وتتحقق من تلك الإجراءات.

ومن بين الأمور التي فرضتها اللجنة (الإسرائيلية-الأمريكية) على السلطة أيضاً «تدقيق وثائق وحسابات وزارة المالية الفلسطينية في رام الله، من قبل شركات محاسبة وتدقيق أمريكية وعالمية»، بحسب المصادر التي أشارت إلى أنّ من بين تلك الشركات شركة «برايس ووتر هاوس» العالمية.

ورأت المصادر أنّ «السلطة خضعت للقرار الأمريكي بالرقابة على المقاومين والمعتقلين لديها في سجون الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية، إضافة إلى متابعة ملفاتهم والاطلاع على كل تفاصيلها»، منبهةً إلى أنه «بعد سيطرة أداة التنسيق الأمني على أداء السلطة، جاء الدور على المال والإعلام والتعليم من قبل الاحتلال والأمريكان».

كما أنّ الوثيقة الجديدة تأتي لتأكد شكوكاً عبّرنا عنها في تقارير سابقة (انظر خاتمة مقالنا «اغتيال أبو كفاح إسفينٌ إضافي بنعش نظام أوسلو»، قاسيون، 8 تموز 2021) حول أنّ جزءاً كبيراً من حملات «التضامن» من جمعيات ومؤسسات ومنظمات غير حكومية أوروبية وغيرها مع قضية الشهيد نزار بنات، قد تكون مجرّد ضغوط سياسية على السلطة لـ«إصلاح» نفسها من موقع الخوف الغربي-الصهيوني عليها وليس من باب «نصرة» الشعب الفلسطيني وقضاياه. وها قد أتت الوثيقة الجديدة، والتي قالت عنها المصادر التي كشفَتها: «طلبت الإدارة [الأمريكية] من السلطة، ضرورة إجراء تحقيق فاعل وشفاف، حول قضية اغتيال المعارض الفلسطيني نزار بنات، وإنجاز الأمر في غضون ثلاثة أشهر، بهدف تنفيس الغضب الشعبي الفلسطيني الذي يجتاح الشارع، وضمان البدء بترميم صورة السلطة شعبياً». وأردفت المصادر بأنّ زياد عمرو، نائب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، سيقوم بعقد لقاءات (أسبوعية غالباً) مع «المنظمات الأهلية» و«مؤسسات المجتمع المدني» من أجل «الاستماع لشكواهم ومعالجتها» فضلاً عن توقعات بعقده مؤتمرات إعلامية.

أما عن فضائح التطبيع، فحدّث ولا حرج، فحظيرة أنظمة التطبيع العربي في الحقيقة تبدأ بنظام السلطة الفلسطينية نفسه، عدا ما ينكشف اليوم من المطبّعين علناً وسرّاً تحت الطاولة، ومؤخراً كُشِفَ لقاءٌ تطبيعي جرى بمقر «منظمة التحرير» الفلسطينية في رام الله خلال الأسبوع الأول من آب الجاري، أدانته اللجنة الفلسطينية لمقاطعة «إسرائيل» BDS، وقالت إنّ اللقاء ضمّ وفداً «إسرائيلياً» وصحفيين تابعين للاحتلال، وشارك فيه من الجانب الفلسطيني محمد المدني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني.

أما بملفّ إعمار غزة والمساعدات القَطَرية، فيبدو أنّ الجهات المانحة نفسها مع السلطات المتحكّمة بطرق وصولها إلى الشعب الفلسطيني في غزّة وبرعاية أمريكية-صهيونية، يحاولون الاستثمار على وجهين معاً: سياسياً عبر شروط الاحتلال والسلطة الفلسطينية كوسيط لتمريرها، واقتصادياً بمعنى الفساد أو «الرشوة» لسلسلة من الفاسدين الذين سيتم عبرهم تمرير المساعدات. فعلى سبيل المثال صرّح عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، الجمعة 13 آب، بأنّ «الإعمار لن يكون إلا من خلال الحكومة الفلسطينية برئاسة اشتية»، وأنه «يجب أن يكون الإعمار للمناطق الفلسطينية كافة وليس فقط للقطاع، ولن تنتهي مشاكل غزة في ظل الانقسام»، وأنه «لا إعمار لغزة دون تحقيق الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام»، وحول أموال المنحة القطرية، أوضح الأحمد أنّ «وزارة التنمية الاجتماعية وقَّعت اتفاقاً بشأن صرف منحة المئة دولار من خلالها، ولكن كل شيء متوقف حتى الآن» مضيفاً: «نجري اتصالات مع قَطَر ومصر لحل مسألة المنحة القطرية». وأشار إلى أنّ العلاقات عادت بين السلطة وأمريكا، وتم استئناف «المساعدات الأمريكية للشعب الفلسطيني»، بعد القطيعة مع الإدارة الأمريكية السابقة. ولفت الأحمد إلى أنّ السلطة تعمل على تعديل وزاري على حكومة اشتية مشدّداً على أنّ «ما سيجري تعديل وليس تغييراً».

بمعنى أوضح، تصريحات كهذه تعني الإصرار على أمرين معاً: تمرير المساعدات عبر حكومة اشتية الفاسدة، وعدم التغيير السياسي، بل «الوحدة الوطنية» بمعيار سلطة عبّاس هي إلحاق وإخضاع الجميع لها مع احتفاظها بموقعها وفسادها ومواقفها المساوِمة وتنسيقِها الأمنيّ مع العدو.

آخر تعديل على الثلاثاء, 17 آب/أغسطس 2021 17:00