عجز واشنطن وحلفائها عن دق إسفين بين روسيا والصين
لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تحافظ على قوتها ونفوذها المتدهورين في العالم ما لم تتمكن من إخضاع روسيا والصين، وهو ما لا تستطيع فعله نظراً للتحالف بين القوتين الدوليتين الكبيرتين.
خلال الأسبوع الجاري، احتفلت الدولتان بذكرى المعاهدة الروسية الصينية المشتركة بشأن حسن الجوار والتعاون الودي التي وقعها الجانبان في 16 تموز 2001، حيث رسخت الدولتان، عبر 25 فقرة مقتضبة، عزمهما على تعميق وتوسيع تعاونهما في جميع المجالات، وعلى تعزيز الترابط في سياساتهما وسلوكهما في القانون الدولي ودفع السلام في العالم، وهي المعاهدة التي أنهت جميع النزاعات الحدودية بين البلدين.
رغم هذه الروابط، لا تزال الولايات المتحدة عازمة على محاولة دق إسفين بين روسيا والصين باستخدام النزاعات الحدودية. فقبل أيام قليلة من اجتماع القمة بين الرئيس بوتين والرئيس بايدن، قالت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال افتتاحي: «على الرغم من المهيجات التي لا تحصى في العلاقات الأمريكية الروسية... هنالك الآن مساحة لتجنيد موسكو كشريك صامت ولكن أساسي في الحملة العالمية للحد من الجوانب الضارة للنفوذ الدولي للحزب الشيوعي الصيني»، ومضى المقال يستشهد بالأسباب التي تجعل الأميركيين يعتقدون أنهم قادرون على دق ذلك الإسفين؛ مشيراً إلى إمكانية دفع المطالبات الروسية بالأراضي في الحدود الشرقية لروسيا مع الصين لتكون واحدة من جوانب خلق التأزم في العلاقات الثنائية الروسية الصينية.
المهم هنا، هو الإشارة إلى أن هذه النزعة تنتمي في منطقها إلى الماضي، حيث تُصاغ السياسة الأمريكية في هذا التفصيل كما لو أن معاهدة الصداقة والتعاون بين روسيا والصين غير موجودة. وتتناسى أن حرب الحدود الصينية السوفييتية في عام 1969 نشأت عبر مجموعة معقدة من العوامل التاريخية والجغرافية والسياسية غير الموجودة اليوم. وهو ما يجعل المحاولة الأمريكية لإعادة تكرار التاريخ المرتبط بهذه المسألة محكومة بإعادته كمهزلة وفق تعبير ماركس، وذلك للأسباب التالية:
أولاً، وكما ذكرنا آنفاً، تمت تسوية جميع النزاعات الحدودية بين الدولتين عبر سلسلة من المفاوضات والاتفاقات من عام 2003 إلى عام 2008، والتي كانت نتيجة مباشرة للمعاهدة الروسية الصينية الموقعة في عام 2001. ولم تعد النزاعات الحدودية مشكلة قائمة بينهما.
ثانياً، رغم التباينات القائمة في طبيعة الحكم في كل منهما، تشترك الدولتان في الرغبة في التطور كدول ذات سيادة بشروطها الخاصة، وتشترك في تاريخ طويل من التعاون والتبادل الثقافي والاقتصادي، وتشترك في عدو مشترك معلن عن نفسه.
ثالثاً، والأهم من كل ما سبق، أن خصمهما المشترك أضعف بكثير مما كان عليه في عام 1969. فاليوم، تضطر واشنطن للانسحاب من أكثر من منطقة حول العالم من أجل تركيز حضورها العسكري شرقاً. ويجري ذلك في وقتٍ يحتدم فيه الصراع ضمن نخبة الحكم داخل البلاد.