ما المتوقع من لقاء بايدن أردوغان؟
إم. كي. بدركومار إم. كي. بدركومار

ما المتوقع من لقاء بايدن أردوغان؟

تتزايد التحليلات المتعلقة باجتماع الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره التركي أردوغان على هامش قمّة الناتو في بروكسل في 14 حزيران. فكما علّق أردوغان: «أظنّ بأنّ اجتماعنا مع السيد بايدن في قمّة الناتو سيكون نذيراً ببدء حقبة جديدة». وأثارت تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن تطلّع بايدن إلى مراجعة «كاملة النطاق» للعلاقات بين أنقرة وواشنطن، ومناقشة أوضاع شرقي المتوسط، وسورية، وأفغانستان وغيرها من المسائل الإقليمية كجزء من «جدول الأعمال الموسع» ردود فعل متباينة، مع إقرار سوليفان «بالخلافات الكبيرة» بين حليفي الناتو.

ترجمة: قاسيون

إنّ الخطاب السائد عن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا يقول إنّ هذه العلاقات إمّا أنّها وصلت إلى نقطة فوضوية ميؤوس الرجوع عنها، أو أنّ علاقاتهما تعود لتاريخ طويل قادرٍ على جعل تحالفهما يعزل خلافاتهما. الأمر الذي يضفي سحراً على التحالف بين البلدين هو أنّ واشنطن تنظر إلى تركيا كدولة «متأرجحة» يمكنها قلب العلاقات الغربية مع روسيا.

لكن إذا ما نظرنا من زاوية أخرى هي تركيز الولايات المتحدة على عزل الصين عن العالم الغربي، فلا يجب أنْ نحمّل اللقاء المرتقب الكثير من الرهانات. مع أنّ الأتراك يحاولون رفع سقف تفاوضهم عبر تحركات مثل استضافة رئيس قرغيزستان الجديد الذي تحاذي بلاده الفقيرة الصين.

وإذا ما أمعنّا النظر في القضايا التي ستطرح عن شرق المتوسط وسورية وأفغانستان، وفي توقيت لقاء بايدن مع أردوغان في 14 حزيران، ومع بوتين في 16 حزيران، يمكننا أن نرى بوضوح تشابك هذين اللقاءين. ومن جديد نرى رفع سقف التفاوض التركي باستضافة زعماء جورجيا وبولندا وأوكرانيا منذ نيسان، وتوقيع بلاده عقود توريد طائرات درونز لبولندا، في إشارة للغرب على قدرة حكومته على الوقوف ضدّ مصالح روسيا.

لكنّ البعض يقولون بشكل منطقي بأنّ الأمريكيين وضعوا الجانب التركي في موقف سيِّئ عندما كسر بايدن في 24 نيسان المحرّمات التركية بالإقرار «بمجازر الأرمن». فقد كان هذا خطّاً أحمر بالنسبة لتركيا، وكان على أنقرة أن تتصرّف وتردّ بقسوة – حيث كانت خياراتها السريعة تتراوح بين إغلاق قاعدة إنجرليك أمام الولايات المتحدة، أو إيقاف عمليات قاعدة رادار ABM في ملاطية-كوريجيك شرق تركيا، وهي أحد الأصول الاستراتيجية المهمّة لنظام التحالف الغربي لتطويق روسيا.

تركيا، مدفوعة بعدد من العوامل، سواء منها المصالح المباشرة مثل السيل التركي مع روسيا، أو المصالح طويلة الأمد التي تقرأ بزوغ فجر نظام عالميٍّ جديد، أو بنقاط الانفجار الداخلي التي تُشعرها بالتهديد وتريد التخلص منها، بدأت حقاً بالمضي قدماً في خططها للاستقلال الاستراتيجي عن الغرب، ومن إشارات ذلك شراؤها منظومات صواريخ S400، الأمر الذي أثار غضب الأمريكيين بشدّة (رغم التقارير الصحفية عن وعد إردوغان لبايدن بعدم تفعيلها).

معظم القضايا التي سيناقشها الأمريكيون مع أردوغان ستتعلق بهذا الاستقلال الاستراتيجي وبعلاقات الأتراك مع روسيا، وحتّى عندما لا تتعلق بروسيا بشكل مباشر، فهي تؤثر على المصالح الحيوية لروسيا.

وبالعودة لإشارة الاعتراف بمجازر الأرمن، فالأمريكيون كانوا حذرين عندما أعلنوا قبولهم بالمجازر، فبايدن اتصل بأردوغان قبل أن يجري الإعلان، والأهم ربما اتصال سوليفان بكبير مساعدي أردوغان إبراهيم كالين في 23 نيسان «للتوافق» على صيغة الإعلان بحيث يُلقَى باللائمة على الإمبراطورية العثمانية البائدة، ولا تضطرّ أنقرة إلى مواجهة دعاوى التعويض التي قد يرفعها الأرمن الأمريكيون أمام المحاكم الأمريكية. ثمّ تبع الإعلان اتصالٌ من وزير الخارجية بلينكن مع نظيره. من الواضح أنّ اتصالات المستويات الثلاثة خلال ثلاثة أيام كانت تهدف إلى مغمغة الإعلان وامتصاص غضب الأتراك عبر جعله إعلاناً فارغاً من الفحوى.

ربّما علينا أن نستدلّ من هذا التصرّف على أنّ التحالف الأمريكي-التركي يتمتع بمرونة ليست بالقليلة، وبأنّ الغرب سيحاول أن يقنع تركيا بالتخلّي عن «هوسها» بالاستقلال الاستراتيجي، عبر المحافظة على الوتر السرّي الذي يربطها بالعالم الغربي.

نُخَبُ تركيا من «الإسلاميين» كانوا تاريخياً هم الوارثون الشرعيّون للإرث الأتاتوركي الذي يضع قدَرَ البلاد في يد الغرب، والأمريكيون يدركون ذلك بشكل جيّد جداً، وهو ما سيحاولون الاستفادة منه لأقصى حد، آخذين بالاعتبار الخلافات الروسيّة التركيّة المتزايدة على عدد من الجبهات.

من المتوقع أن يتجنّب الأمريكيون محاولة إصلاح الخلافات العميقة، والاكتفاء بتوافقات سهلة التحقيق نسبياً، فهذا سيكون أكثر منطقيّة في الظروف الحاليّة التي تعود فيها جذور الخلاف إلى أيّام إدارة أوباما، والتي باتت الملفات الخلافية فيها أكبر من قدرة الطرفين على احتوائها.

لكن علينا أن ندرك أيضاً الحجمَ الكبير للاختلافات والمخاوف والمصالح التي تباعد بين واشنطن وأنقرة، فهي خلافات لا يمكن الاستهانة بها أو تجاوزها. يحتاج هذا لتحليل منفصل موسّع، لكن علينا ألّا نخطئ في افتراض أنّ قمّة بايدن أردوغان ستعني حتماً بداية مصالحة تركيّة-أمريكية.

 

عن المصادر التالية (بتصرّف):  US reclaims Turkey for the western alliance  و What To Expect When Biden, Erdogan Meet