اليسار يكتب فصلاً جديداً في البيرو
يانيس إكبال يانيس إكبال

اليسار يكتب فصلاً جديداً في البيرو

جاء الرئيس الجديد بيدرو كاستيو من نقابة المعلمين، وهي النقابة الأكبر في البيرو. وبدلاً من محاولة تملّق النخب في ليما، قرر أن يحاكي في حملته الطبقة العاملة والمجتمعات المفقرة في المناطق الريفية (مقابل منافسته اليمينية، فوجيموري، التي تواجه دعوات قضائية بالفساد وتجارة المخدّرات). ويركّز برنامج الأستاذ كاستيو على بناء حقبة ما بعد-النيوليبرالية، حيث شمل قوننة الدولة للأسواق، واعتماد التخطيط المركزي، وتأميم القطاعات الاستراتيجية، وإعادة التفاوض على العقود الموقعة مع رأس المال العابر للحدود والسيطرة على الأرباح التي يتمّ استخراجها من البلاد. وحتى وقت إعداد هذا التقرير (14 حزيران) لا يزال فوز كاستيلو محسوماً عملياً لأنّه من المستحيل على منافسته تعويض الفارق بالأصوات (البالغ أكثر من 49000 صوت و50.14% من الأصوات الصحيحة) والتي تم فرز 99.935% منها.

ترجمة : قاسيون

في العاشر من حزيران نشر مكتب العملية الانتخابية الوطني في البيرو نتائج الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، ليعلن فوز بيدرو كاستيو، مرشح الحزب اليساري «بيرو الحرّة PL»، متخطياً المرشحة اليمينيّة كيكو فوجيموري. وكما جرت العادة لدى اليمين في أمريكا اللاتينية، فقد أثارت فوجيموري اتهامات بـ«المخالفة والاحتيال» في العملية الانتخابية.

علينا أن ننظر إلى جهود فوجيموري لإلغاء الانتخابات من زاوية شخصيّة أيضاً. فهي تواجه احتمال عقوبة بالحبس لمدّة ثلاثين عاماً لتلقيها أموالاً غير شرعيّة لحملتها الانتخابية من بعض أقوى أباطرة الأعمال المحليين، بمن فيهم أكبر المصرفيين. فخلال مسيرتها السياسية، كانت فوجيموري مرتبطة بشدّة بشبكات الفساد الكبير في الحكومة، وبتهريب الكوكايين. ولو فازت بالرئاسة لكانت الاتهامات ضدها ستتوقف لخمسة أعوام أخرى على الأقل. أما الآن، ولأنّها غير قادرة على الإفلات، فقد قدّم المدعي الأول في قضايا الفساد بالفعل طلباً للسماح له بحبسها احتياطياً.

 

إنهاء الاضطراب السياسي

 يأتي نصر اليسار من قدرته على التغلب على الاضطراب الحاصل في الإطار السياسي للبلاد. فقد جرت آخر انتخابات في البيرو في 2016، ومنذ ذلك الحين توالى أربعة رؤساء على المنصب. فيسكارا أتى بدلاً من كوشينسكي في آذار 2018، ليتمّ عزله من الكونغرس المعادي له في تشرين الثاني 2020. لم يتمكن خلفه ميرينو من البقاء في المنصب إلّا لخمسة أيام، ليتم استبداله بساغاستي.

تمكنت النخب السياسية البيروفية من الحفاظ على أماكنها عبر تحجيم الكونغرس ليصبح منظمة من المخادعين ورجال المافيا والمتعصبين الإنجيليين واللصوص المسلحون.

وضمّ برنامج المرشح اليساري كاستيو إجراءات أشدّ في السياسة الخارجية، فقد وعد بأنّه في أوّل 100 يوم له في السلطة سيطرد «وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية USAID» لكونها ليست أكثر من عمليّة مخابرات تتستّر بالعمل الخيري، وبإغلاق القواعد الأمريكية في البلاد، وكذلك سحب البيرو من «مجموعة ليما» وهي تكتل الحكومات اليمينية في الإقليم التي تمّ تأسيسها في عاصمة البيرو وحاولت خلع الحكومة الاشتراكية في فنزويلا.

 

إعادة التاريخ اليساري

كان التغيير الاشتراكي أثناء حكومة فيلاسكو بين عامي 1968 و1975 هائلاً على جميع الصعد في البيرو، لكن تمّ إيقافه بانقلاب عسكري خلع فيلاسكو وأوقف التجربة.

ثمّ أعاد البرجوازيون سيطرتهم على البلاد من خلال الحكومة العسكرية بين 1975 و1980، ثمّ الحكومات المدنية حتّى 1990. ثمّ في 1990 قام ألبرتو فوجيموري، والد المرشحة اليمينية الخاسرة، بإطلاق حزمة ليبرالية بدعم من واشنطن والمؤسسات المالية التابعة لها. خصخص كلّ شيء حتّى السياسة، حيث علّق العمل بالدستور، وحلّ الكونغرس والقضاء، وحكم حتّى عام 2000 بسلطة استبدادية كاملة مليئة بالفساد والقمع من أشهرها قتل المعارضين الشيوعيين، والتطهير القسري لآلاف النساء وأغلبهن من سكان أمريكا الأصليين.

تمّ تقسيم وتدمير وحلّ ما بقي من اليسار ومؤسساته، وخاصة تلك التي كانت حاضرة بقوّة في الأرياف. لم تجلب عودة الديمقراطية في عام 2000 الكثير من التغيير في النموذج الاقتصادي المتبع، ليبقى النموذج الليبرالي طاغياً دون أن يلمسه أحد، بل وتعزيزه حتّى 2011. ثمّ فاز هومالا، وهو من النخب، في انتخابات 2011 عبر الادعاء بأنّه سيقف ضدّ النموذج النيوليبرالي، لكنّه كان سريعاً في التخلي عن وعوده.

عند الأخذ بالاعتبار كامل هذا السياق، فنجاح كاستيو الانتخابي يمثّل نقلة نوعية في السياسة البيروفية، تشير إلى انتصار الإرادة الشعبية على أجندة الطبقة الحاكمة.

 

بتصرّف عن: Breaking the Stasis: The Left Writes a New Chapter in Peru