هل ستستطيع «إسرائيل» تَحمُّل ثَمَنِ «لعبها» بالنار في إيران؟
يبدو أن العمليات الإرهابية الصهيونية في الإقليم تشهد حلقة جديدة من التصعيد مؤخراً، عبر استهدافها لمصالح إيران في الداخل والإقليم. فمن حادث 2 حزيران على سفينة الإسناد البحرية الإيرانية «خرج»، التي احترقت ودُمّرَت بالكامل وغرقت في خليج عمان، مروراً باندلاع حريق في مصفاةٍ لتكرير النفط في ضواحي طهران بعد ساعات قليلة، إلى عدة حرائق بمنشآت نفطية في منطقة الأهواز جنوب غربي إيران يومي ٤ و٥ حزيران... ويأتي التصعيد في توقيت حرج قبيل إنجاز المراحل الأخيرة من مفاوضات الملف النووي التي تبشّر بمكاسب مهمة للشعب الإيراني. في حين تربط بعض التحليلات النشاط الإرهابي للمخابرات «الإسرائيلية» أيضاً بما قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وبالمأزق الخاص لحكومة نتنياهو التي تغادر السلطة ممرّغة بالهزيمة في معركة غزة، ولرئيسها الذي يواجه أيضاً تهماً بالفساد. ولكن لا يمكن فصل المأزق الخاص لبعض قوى الاحتلال عن المأزق التاريخي العام لكيانه بأكمله. فإذا كانت معادلة الردّ على اعتداءات الاحتلال في الداخل الفلسطيني قد ارتفعت إلى قصف تلّ أبيب، فكيف ستكون معادلة الردود اللاحقة على الاعتداءات الصهيونية إقليمياً من حيث الحجوم والشدات والأهداف؟
أشارت بعض التقارير إلى وقوف «إسرائيل» وراء الأضرار والحرائق الأخيرة التي أصابت عدة مصالح إيرانية، رغم أنّ إيران اكتفت رسمياً بالقول إنها «حوادث». وقال المحلل الإيراني المقيم في لندن، علي نوري زاده، لموقع «صوت أميركا» إنه يعتقد أنّ غرق السفينة وحريق مصفاة طهران ربما كانتا أعمال تخريبية، على الرغم من نفي الحكومة الإيرانية. ويرى بأن حريق مصفاة طهران لم يكن حريقاً طبيعياً بل حريقاً «دقيقاً للغاية» وأضراره جسيمة، فقد دمَّر معظم أجزاء المصفاة. أما رأيه بالحرائق الأخيرة في الأهواز فهو أنها ربما لم تكن أعمالاً تخريبية، لأن «هناك حرائق في حقول النفط في الأهواز كل صيف» وفقاً لهذا المحلل الإيراني.
من جهته صرح الدبلوماسي الإيراني السابق، مهرداد خنساري، أنّ الشكوك ترجِّحُ وقوف الأيادي «الإسرائيلية» خلف الحوادث الأخيرة.
ونقلت «ميدل إيست مونيتور» عن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، إعلانه مؤخراً أن الهجمات التخريبية الصهيونية ستستمر على الرغم من محاولة الولايات المتحدة إبرام عدد من الاتفاقيات مع إيران بهدف تهدئة الوضع الإقليمي، حيث قال نتنياهو: «قلت هذا لصديقي، الذي كنا أصدقاء معه منذ 40 عاماً [جو بايدن]، وقلت له: مع أو من دون اتفاق، سنواصل بذل كل ما في وسعنا لمنع إيران من التسلح بأسلحة نووية».
الحوادث والحرائق الأخيرة التي تفوح منها روائح «أعواد الثقاب الإسرائيلية» ليست الأولى، بل تأتي استكمالاً لمسلسلٍ من الاعتداءات الصهيونية على منشآت رئيسيّة في الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك العملية الإرهابية التي ارتكبتها «إسرائيل» ضد مركز نطنز النووي الإيراني، ليعقب ذلك انفجارٌ في مصنع الصواريخ الرئيسي في كيان الاحتلال، والذي لم تعترف «إسرائيل» بأسبابه وعواقبه.
وهكذا توجد مؤشّرات على تورّط المخابرات «الإسرائيلية» في الاعتداءات الأخيرة، فيما تبدو كمحاولات من «إسرائيل» استغلال نافذة الوقت الحرج في «ربع الساعة الأخير» قبل الولادة النهائية للاتفاق النووي الإيراني الجديد الذي من الواضح أنّ مخاضَ التقدّم فيه، رغم صعوبته، يجري باتجاه استعادة إيران لحصة مهمّة من حقوقها بما في ذلك انتزاع مكاسب برفع العقوبات (أو جزء مهمّ منها على الأقل) عن الشعب الإيراني، الأمر الذي يشكّل ضربةً موجعة لكيان الاحتلال تضاف لقائمة خسائره الاستراتيجية والأمنية وخاصةً بعد هزيمته التاريخية بمعركة غزة التي فتح على نفسه بالعدوان عليها أبوابَ الجحيم لمعادلاتٍ جديدة ارتدّت عليه زعزعةً غير مسبوقة لأمن مستوطنيه ومؤسساته، وتعريةً لمكامن ضعفه، مع توحّدٍ غير مسبوق للشعب الفلسطيني بأكمله في انتفاضةٍ شاملة ما زالت تتفاعل وتتصاعد وتعمّق المآزق السياسية والأمنية والتاريخية للاحتلال.
ومن بين عمليات الإرهاب الصهيوني ضد مصالح شعوب المنطقة أيضاً، الهجوم على ناقلات نفط قبالة السواحل السورية عبر طائرات «إسرائيلية» دون طيار من لبنان. ومع ذلك ما زالت الهجمات هنا وهناك محصورة في إطار «التحرّش التكتيكي» ولم ترقَ إلى مستوى التأثير الاستراتيجي، لأنّ حجم الأضرار لم يتجاوز «الأضرار غير القابلة للتعويض» وفق ملاحظة الخبير العسكري الروسي يوري لامين في حديث له مع صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» في 3 حزيران الجاري، والذي أضاف بأنّ الإيرانيين «يمكنهم لذلك تحمل القليل من الصبر»، مضيفاً بأنّ الحكومة الإيرانية الحالية «لا تزال تحاول التمسك بسياسة (التقاعس الاستراتيجي)، أي تحاول عدم الردّ علانيةً».
وربما يفكر الصهيونيّ باستغلال الوقت الضيق أيضاً إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي من المتوقّع فيها وصول شخصية من المحافظين إلى سدّة الرئاسة. ولكن الفترة القريبة القادمة بكل الأحوال تطرح سؤالاً ضرورياً: كيف وأين وبأيّ مستوى ستكون الردود الإيرانية على الكيان الصهيوني ومصالحه، في مرحلةٍ سيكون فيها الكيان أكثر ضعفاً بالتأكيد، بعد هزيمتين استراتيجيّتين ثقيلتين: معركة «سيف القدس» ومعركة «النووي الإيراني». وهل سوف تلتزم الردود الإيرانية بالمفعول الفيزيائي البحت لقانون نيوتن الثالث (أيْ أنْ يكون ردّ الفعل مساوياً بالقوة للفعل) أم أنّ ميزان القوى الجديد دولياً وإقليمياً ومحلّياً، والذي يتحرّك أكثر من أيّ وقت مضى ضدّ مصالح الكيان المأزوم، سوف يؤدّي إلى أنْ يعمل قانون «ردّ الفعل» بكامل تعقيده الاجتماعي بحيث يتمّ «ردّ كلّ صاعٍ صاعَين» وربما أكثر؟ هذا ما سيجيب عليه تطوُّر الأحداث القادمة.