حكم مارتين وتراجع وزن «إسرائيل» في أمريكا
لطالما كان لأصدقاء «إسرائيل» وللوبيات الضغط المرتبطة بهم، حظوة في الولايات المتحدة تجعل من داعمي «إسرائيل» مرتاحين إلى قدرتهم على تمرير ما يريدون دون الكثير من الضجّة. لكن لم تعد هذه هي الحال منذ اشتداد الأزمات الأمريكية، وتحوّل «إسرائيل» بشكل متزايد إلى عبء على الآلة الإمبريالية العالمية.
تمحورت واحدة من أشهر خطط داعمي «إسرائيل» في الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة حول وضع عوائق استباقية لمنع وإعاقة أيّ عملية انتقاد شعبي منظّم «لإسرائيل» عبر فرض إجراءات عقابية عليها. مثال: العديد من التشريعات الموجودة اليوم في الولايات الأمريكية تفرض على المتقدمين إلى الوظائف الحكومية أو المتلقّين لتعويضات أو خدمات حكومية، أن يوافقوا على عدم المشاركة في أيّ مقاطعة «لإسرائيل» أو في أيّ نشاط يضرّ بالاقتصاد «الإسرائيلي». كما أنّ القانون في بعض الولايات لا يكتفي بالمنع الفردي للمشاركين في انتقاد «إسرائيل»، بل يفرض عقوبات على الذين يحرضون أو يشجعون بشكل علني أو خاص على اتخاذ إجراءات تضرّ بمصالحها.
من هنا يبدو بأنّ الحكم القضائي الذي حصلت عليه الصحفيّة وصانعة الأفلام ذات التقدير آبي مارتين، يجب أن يؤخذ كإشارة على أنّ الدعم المطلق الذي تحظى به «إسرائيل» في الولايات المتحدة في طريقه للانحسار. تدلّ قصّة مارتين على استمرار وتكثيف محاولات الحكومة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين أن تسلب حقوق وحريات مواطنيها.
في 2016، وقّع حاكم ولاية جورجيا القانون SB 327 الذي يحظر على الولاية وجميع المؤسسات والشركات المرتبطة والتابعة لها، التعاقد مع أيّ شخص طبيعي أو اعتباري لا يتعهّد بشكل مكتوب بعدم الاشتراك في مقاطعة «إسرائيل». في 2020، كان من المقرر مشاركة آبي مارتين في مؤتمر تقيمه جامعة شمالي جورجيا وأن تلقي كلمة فيه، لكنّ السلطات التي تدير الجامعة ألغت مشاركتها لرفضها التوقيع على التعهد.
رفعت الصحافيّة دعوى قضائية بالاستناد إلى خرق حرية التعبير، وقام القاضي مارك كوهين الأسبوع الماضي بإصدار قرار لصالح مارتين، اعتبر فيه بأنّ إلغاء مشاركتها في المؤتمر مخالف للدستور «ويحظر حق التعبير المحمي بطبيعته بموجب التعديل الأول... ويثقل على حقّ مارتين في التعبير بحريّة».
رغم إيجابيات الحكم القضائي، فلا يزال بعيداً عن القيام بإلغاء القانون بكليته. لكن علينا أن ننظر للأمر بشمول أكبر من مارتين والحكم لصالحها، فداعمو «إسرائيل» كانوا يعلمون عند سنّهم لهذه القوانين بأنّ التراجع العام في ثقلهم، وبالتالي في ثقل «إسرائيل» وأصدقائها، سيؤدي حتماً لتزايد الأصوات المناهضة للجرائم التي تقوم بها سلطات الاحتلال، وربّما الأهم مساءلة الدعم العسكري والمالي الأمريكي «لإسرائيل».
يجب الإشادة بجهود مارتين بوصفها حققت انتصاراً كبيراً في واحدة من معارك عدم السماح للإمبرياليين بقمع الرأي، لكن الأهم أنّها ربّما تكون فاتحة لدومينو معارك أخرى تعكس تراجع الوزن الذي كان يتمتع به داعمو «إسرائيل» وأصدقائها في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموماً.