سلطة أوسلو: كيف تضع نفسك خارج المعادلة؟
على الرغم من الهدوء الذي ساد سماء فلسطين بعد وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 23 أيار، إلا أنّ النفوس لم تهدأ بعد، ولن تهدأ حتى يرى الفلسطينيون مسنَّنات التوحيد والتغيير والتحرير قد بدأت تعمل فعلاً. هذه حقيقة لا بدّ أن تبقى راسخة بأذهان الجميع، فالمعركة الأخيرة التي حُسمت لمصلحة الشعب والمقاومة الفلسطينية المسلحة تنتظر ثمارها السياسية.
ترافقت الحرب الأخيرة بدرجة نشاطٍ سياسي مرتفعة جداً في الأوساط الفلسطينية، نشاط شهد تصاعداً ملموساً منذ الحديث عن ضرورة إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية، وطيّ صفحة الانقسام، ليصل إلى ذروته مع إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عن تأجيل الانتخابات مستفيداً من الهدية الصهيونية بتعطيل الانتخابات في القدس. هذا القرار الخانع والذي شكّل مسماراً جديداً في نعش سلطة أوسلو لم يكن الوحيد، وجاءت الأحداث الأخيرة لتثبت أن نهاية أوسلو وسلطته أقرب مما تبدو.
عكس حركة التاريخ
تحاول القوى السياسية الجادة أن تعبّر عن قضايا الشعوب التي تمثلها وتقودها في معاركها، وأن تفهم حركة التاريخ وتتناغم معه، لأنه القاضي والحكَم في بقائها أو زوالها في نهاية المطاف، لكن سلوك سلطة أوسلو وعلى رأسها محمود عباس تسبح عكس التيار تماماً، فقائمة الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها، تطول وتطول ولا يبدو أنها ستنتهي إلا بخروج سلطة أوسلو وقواها خارج المعادلة السياسية الفلسطينية أي خارج التاريخ تماماً. فانتصار المقاومة الفلسطينية المسلَّحة في غزة مؤخَّراً، وانتفاضة الشارع الفلسطيني التي رافقته في الضفة الغربية والقدس وأراضي الـ 48 المحتلة كان مؤشراً لا ينبغي تجاهله، لأنه ببساطة جاء ليثبت ملامح المرحلة التالية في الصراع، مرحلة يتمسّك فيها الشارع الفلسطيني بحقيقة أنه شعبٌ واحدٌ على كامل أراضي فلسطين المحتلة، وبأنه يعترف بحقِّه المشروع في مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي» بكافة الوسائل وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وبأن الشارع الفلسطيني الحيّ المنتفض لن يعترف بقوى سياسية تتمسك بالمساومات في الوقت الذي يفرض الشعب شروطه على الكيان الصهيوني ويُدخل مستوطنيه إلى الملاجئ صاغرين.
النشاط السياسي المتصاعد في الشارع الفلسطيني والتنسيق العالي بين فصائل المقاومة، والشعبية العالية التي تتمتع بها القوى السياسية التي ترفض أوسلو وترفض التنسيق الأمني مع الاحتلال وكل أشكال المساومة، سيقلب الطاولة قريباً فوق السلطة الفلسطينية الحالية، وخصوصاً بعد ما برهنت الوقائع أنّ خيار المقاومة المسلَّحة خيارٌ جدّيٌ ومتاح، على عكس ما ادعى محمود عباس دائماً، وبرهنت الأحداث الأخيرة أيضاً أنّ حركةً شعبية واسعة داعمة لهذه المقاومة هو ورقة رابحة في القضية الفلسطينية لا يجب تركها. فسلسلة الأحداث الأخيرة أحرجت سلطة أوسلو التي روَّجت إلى أنّ مكان القضية الفلسطينية هو على طاولة المفاوضات والمساومات!
خطوة جديدة في الاتجاه الخاطئ
كان يمكن لسلطة أوسلو أن تخرج من مستنقعها الفاسد الراكد، لتصبح جزءاً من هذا النهر الوافر بالمياه النقية، لكنها عاجزةٌ عن ذلك لا لأنها لا تعرف طريق الخروج من مأزقها، بل لأنها غير قادرة على ذلك، فاتفاقية أوسلو وضعت السلطة ضمن قالبٍ محدَّد لن يكون مناسباً مع المرحلة التي تعيشها القضية الفلسطينية اليوم، ولذلك تشير الدلائل إلى أنَّ مصير هذه السلطة هو أن يتمَّ تجاوزُها تماماً، وأن يمضي الشعبُ الفلسطيني في الطريق السالك الوحيد. فالرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعد أن ألغى الانتخابات الفلسطينية قدّم مبادرة ميتة تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية كما لو أنه يقول أن لا تغيير جذري بموقع السلطة من القضية الفلسطينية، وها هو يخرج بعد انتصار غزة وفي محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ليعيد الأسطوانة ذاتها دون تغيرات حتى شكلية في خطابه، ليعلن أنه متمسكٌ بوقف إطلاق النار وأنه لا يرى إلا «حلاً سياسياً للقضية الفلسطينية» ينهي الاحتلال، ويؤكد من جديد وأثناء استقباله لبلينكن في رام الله «التزام الجانب الفلسطيني بالمقاومة الشعبية السلمية ونبذ العنف» ويعلن مجدداً أن المصالحة الوطنية الفلسطينية كما يراها تتم عبر «حكومة وفاق وطني تضم الجميع وتكون ملتزمة بالشرعية الدولية».
السلوك والتصريحات الأخيرة للسلطة الفلسطينية تعني أنها تجمع أغراضها وتستعد للعيش في ذلك الجزء المظلم من التاريخ، فهي تخرج بخطابٍ مكرَّر مملّ، تُلصق فيه كلمة «السلمية» بعد ذكر «المقاومة» كما لو أن محمود عباس وسلطة أوسلو من خلفه يتجاهلون تماماً أنهم يغرِّدون خارج السرب الفلسطيني، وبأنهم بسلوكهم هذا لن يستطيعوا حتى أن يجدوا مقعداً لهم يوم يعيد الشارع صياغة قواه السياسية ويعيد إصلاح منظمة تحرير أراضيه والتي تقر بحقه المشروع في حمل السلاح ورفضه للاحتلال.