أسعار لقاحات كوفيد، ودور «السوق الحرّة» في إفشال التطعيم الواسع

أسعار لقاحات كوفيد، ودور «السوق الحرّة» في إفشال التطعيم الواسع

نشرتْ منظمة «اليونسيف» أسعارَ معظم اللقاحات المضادّة لكوفيد-19. وما يلفت الانتباه ليس فقط التفاوت الجغرافي الكبير بتسعير اللقاح نفسه، بل وأنّه رغم الكارثة الوبائية ما يزال عالَمنا الرأسمالي، بمعظم دُوَلِه، فاشلاً في أنْ يستثني هذا المنتوج من آليات تسعير «السوق الحرة»، وما زلنا – رغم أكثر من 167.57 مليون إصابة وأكثر من 3.47 مليون وفاة عبر العالم اليوم – نجد «لقاحات سياحيّة» إلى جانب «لقاحاتٍ لعامّة الشعب». التقرير التالي يُعرّف بالأسعار العالمية للقاحات كوفيد، ويلفت الانتباه إلى الهند كنموذج على المآسي التي تساهم فيها حكومةٌ لم تكتفِ فقط بأنْ فرضت على مواطنيها رسوماً للطعوم، بل وسمحت أيضاً بارتفاع أسعارها بالمشافي الهندية الخاصة حتى باتت الأعلى في العالَم!

يختلف سعر الجرعة الواحدة من لقاحات كوفيد-19 حسب الشركة الصانعة ومكان التسويق. ويتراوح ما بين 2 – 40 دولار. وتمّ حتى الآن ترخيص الاستعمال الطارئ لـ 14 لقاحاً من هيئات الترخيص الوطنية لدولٍ فُرادى، في حين منحت منظمة الصحة العالمية تراخيص طارئة لـ 6 لقاحات حتى اليوم، وهي: فايزر/بيونتك الأمريكي-الألماني (بتاريخ 31/12/2020) –أسترازينيكا البريطاني-السويدي (15/3/2021) –كوفيشيلد الهندي (15/3/2021) – جونسون آند جونسون الأمريكي (12/3/2021) – موديرنا الأمريكي (30/4/2021) – سينوفارم الصيني (7 أيار 2021).

إجمالي الجرعات لكل الاتفاقيات المبرَمة في العالَم حتى اليوم بلغت 12 مليار جرعة، ثُلثها فقط (4 مليارات) لصالح مبادرة كوفاكس (بشكل مضمون أو اختياري)، منها 71.7 مليون جرعة فقط تم شحنها وتسليمها حتى الآن إلى 125 بلداً عبر المبادرة.

نشر موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) الأسعار التالية في جدول «لوحة مؤشرات سوق لقاحات كوفيد-19»:

اللقاحات الأمريكية

• فايزر/بيونتك: إنتاجهُ محتكرٌ لمصانع هاتين الشركتين حصراً (بالولايات المتحدة وألمانيا)، وتتنوع أسعاره: للاتحاد الإفريقي 6.75 $، ولتونس 7 $، ولجنوب إفريقيا 10 $، وللاتحاد الأوروبي بين 15–19 $، وفي الولايات المتحدة 19.5 $.

• جونسون آند جونسون: إذا كان من صناعة الشركة نفسها فيباع بالولايات المتحدة بسعر 10 $، أما في الاتحاد الأوروبي فسعره 8.5 $. وإذا كان من صناعة شركة «آسبن فارما» القابضة متعدّدة الجنسيات (في جنوب إفريقيا) فيباع في الاتحاد الأفريقي بـ 10 $.

• موديرنا: في أمريكا 15 $، في الاتحاد الأوروبي 18 $، في البلدان عالية الدخل بين 32 – 37 $.

اللقاحات الأوروبية الغربية

• أسترازينيكا البريطاني-السويدي: مبيعه للدولة الهندية ودول أوروبا بين 2–3 $، وبالسوق الخاصة الهندية 8 $، والسوق الخاصة في بنغلاديش 13 $، ولفلسطين المحتلة 5 $، وللولايات المتحدة والمكسيك وأمريكا اللاتينية وحكومة بنغلاديش ونيبال: 4 $.

• لقاح شركة «سانوفي/جي. إس. كيه» الفرنسية: تصنعه هي حصراً وتبيعه فقط لجهتين: للاتحاد الأوروبي بسعر 9.3 $، وللولايات المتحدة بسعر 10.5 $.

اللقاحات الهندية

• «كوفاكسين» من شركة «باهارات بيوتيك»: سعره بالهند 4 $ – وبالقطاع الخاص في نيبال 35 $.

• «كوفافاكس» من معهد الأمصال الهندي وتطوير شركة «نوفافاكس»: سعره 3 $ للدول المنضمّة لمبادرة كوفاكس.

اللقاحات الروسية

أفادت وزارة التجارة والصناعة الروسية بأنّ أسعار اللقاحات المضادة لكوفيد المسجلة في روسيا متشابهة تقريباً. ونقلت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» عن تصريح للوزارة أن سعر الجرعة الواحدة حوالي 11.5 دولار («إبيفاك كورونا» 842 روبلاً، «كوفيفاك» 866 روبلاً، «سبوتنيك V» 866,81 روبلاً). ويُنتَج «سبوتنيكV» في 7 مصانع، و«إبيفاك كورونا» في 3 مصانع. أما «كوفيفاك» فيُنتَج حصراً في مصنع الشركة التي اخترعته. أما إنتاج لقاح «سبوتنيك لايت» المسجَّل مؤخَّراً فتنتِجُهُ 8 مصانع، ولم يحدّد سعره بعد.

وأفاد موقع اليونيسيف بأنّ لقاح سبوتنيك V المصنوع في الشركة البرازيلية الخاصة União Química Farmacêutica Nacional يباعُ في أمريكا اللاتينية بسعر 3 دولار، أما المصنوع بمعهد غاماليا الروسي فيباع لحكومات العالم بسعر 10 دولار (باستثناء روسيا وهنغاريا، حيث تشتريه هنغاريا بـ 20 دولار). وبالسوق الخاصة اللبنانية سعره 19 دولار، وبالسوق الخاصة الباكستانية 27 دولار.

اللقاحات الصينية

• لقاح شركة سينوفارم (العامّة المملوكة للدولة): حتى أوائل نيسان تراوح سعره بين 19–36 $، وفي الصين 30 $ (المقصود على ما يبدو سعره للحكومة الصينية، فالتطعيم مجّاني في الصين للسكان والمقيمين).

• لقاح الفيروس المعطّل من إنتاج معهد بكين للمنتوجات البيولوجية: في الصين 30 $ – السنغال 19 $ – هنغاريا 36 $ – الأرجنتين 40 $.

• لقاح شركة سينوفاك: أعلى سعر له هو في السوق الخاصة التايلاندية 32.5 $، ثم سعر مبيعه للصين 25.7 $، ثم أوكرانيا 18 $، وإندونيسا (بين 14 و17 دولار)، والفيليبين 14.5 $، والهند 14 $، البرازيل 10.3 $، كمبوديا 10 $، وتايلاند 5 $.

اللقاحات الكوبية

لم يعثر كاتب هذا التقرير على أسعارها، لكنّ موقع Clinical Trials Arena قال بأنّ المسؤولين في كوبا «يقولون إنّ بلدهم سيقوم بتصدير الجرعات الفائضة بسعر التكلفة بالإضافة إلى هامش ضئيل لدعم نظام الرعاية الصحية الكوبي. وقد يتم ترخيص براءات الاختراع في الخارج أيضاً لإنتاج اللقاحات والتبرع بها لأفقر البلدان». وينتج معهد فينلاي التابع للقطاع العام الاشتراكي الكوبي لقاحات (سوبيرانا، وعبد الله، ومومباسا) المضادّة لكوفيد-19، ويرتبط المعهد الكوبي بعلاقات جيدة مع معهد الأمصال الهندي، وتوجد أنباء عن مفاوضات حول اللقاحات الكوبية مع الهند وإيران وفنزويلا والمكسيك وبعض البلدان الإفريقية.

هذا ويوجد أيضاً لقاح فيتنامي هو «نانو-كوفاكس» تنتجه شركة «نانوجين» الفيتنامية المساهمة، ويباع في فيتنام حصراً بسعر 5 $ تقريباً.

حرّية السُّوق تكبّل الفقراء (الهند نموذجاً)

في 10 أيار الجاري نشرت «ناشونال هيرالد إنديا» الهندية مقالاً بعنوان «سعر لقاحات كوفيد بمستشفيات الهند الخاصة هو الأعلى في العالم»، مشيرةً أيضاً إلى أنّ «الهند من الاستثناءات القليلة بين الدول التي تفرض رسوماً على مواطنيها مقابل التلقيح». وقالت إنّ المستشفيات الخاصة (ومعظمها فروع لأربع شركات مشفويّة كبرى Apollo وMax وFortis وManipal) تتقاضى بين 10 – 20 دولار (700 – 1500 روبية) للحقنة الواحدة للأعمار (18 – 44) ما يشكّل 6 أضعاف ما تتقاضاه لتطعيم الأعمار فوق 45 عاماً. ولجرعة واحدة من لقاح Covishield المصنَّع بمعهد الأمصال الهندي تتقاضى هذه المستشفيات 10–12 دولاراً، أما لقاح Covaxin من شركة «باهارات بيوتيك» الهندية فيرتفع سعره إلى 17–20 دولاراً.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ الحكومة سمحت للقطاع الخاص بوقت سابق بتحصيل 1.4 دولار (100 روبية) لكل جرعة من اللقاحين المذكورين أعلاه، ولكن القطاع الخاص رفع السعر حالياً إلى 3.5–4 دولار على الأقل لأحد هذين اللقاحين (كوفيشيلد)، علماً بأنّ الحكومة المركزية تشتريهما أصلاً بحوالي 2 دولار ثمّ توزعهما على حكومات الولايات والمستشفيات الخاصة. ورغم الانتقادات، لا يبدو أنّ الحكومة الهندية تمارس ضغوطاً جدّية لإلزام القطاع الخاص بتخفيض الأسعار، وسط تحذيرات من تزايد مخزونات القطاع الخاص على حساب المخزون الحكومي في الولايات التي تشتكي أنّه لا يكفي لمواصلة حملة التطعيم، ويأتي هذا في وقتٍ أعرب فيه الصانعون عن «عدم قدرتهم» على زيادة الإمدادات قبل حزيران.

إنّ ترك تسعير اللقاحات المضادّة للوباء رهناً لأهواء وجشع قوى السوق يشكّل عاملاً سلبياً إضافيّاً يطيل المعاناة ويعرقل المكافحة، كما حذّر الدكتور الهندي «تي سوندارا-رامان» المنسُّق العالَمي لـ«حركة صحّة الشعب» وفق الصحيفة الهندية اليومية «تايمز أوف إنديا»:

«لقد خرجت سياسة اللقاحات الجديدة عن مسارها، لحساب ضمان الربح لمجموعة صغيرة من المستشفيات. ويشير فتحُ المجال أمام السوق الحرّ والقطاع الخاص لتسعير اللقاحات إلى أنّ انعدام المساواة يشكّل نوعاً من القاعدة التي تستند إليها هذه السياسة. وحتى داخل القطاع الخاص يتمّ تفضيل أقلّية صغيرة فقط من مستشفيات الشركات. إنّ هذه السياسة لا تمتّ بصلةٍ للتطعيم الشامل بل ستجعله في الواقع أكثر صعوبة».

آخر تعديل على الإثنين, 24 أيار 2021 21:05