واشنطن تبحث عن حليف في آسيا الوسطى

واشنطن تبحث عن حليف في آسيا الوسطى

بعد تهديد حركة «طالبان» الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي بأنها ستقوم بعمليات عسكرية ضدهما في حال تأخر انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، نقلت وكالات أنباء عن مسؤولين عسكريين في الناتو أن الانسحاب المخطط له سوف يكتمل في 4 تموز، وليس في 11 أيلول كما تم الإعلان سابقاً.

بالتوازي مع ذلك قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن واشنطن ألمحت ضمنياً لحلفائها الأوروبيين خلال الأسبوع الماضي أنه ينبغي عليهم طلب تأجيل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بحجة وجود أعضاء آخرين في الناتو يحتاجون للاستعداد لمغادرة البلاد، وهذا ما يشكل فرصة جديدة للتأخير ولترتيب الأوراق الأمريكية في البلاد، فيما يبدو أن السبب الرئيسي للتأخير هو أن كبار المسؤولين العسكريين في واشنطن رفضوا بشكل قاطع التنازل عن موطئ القدم الأمريكية في قلب آسيا، ولهذا السبب يحاولون الحصول على موافقة إحدى القوى الإقليمية على استضافة القوات الأمريكية المنسحبة من أكثر من مكان.

تمتعت واشنطن بالسيطرة داخل آسيا الوسطى لفترة طويلة، وبالتالي، احتفظت بقاعدة متقدمة لها لتأمين عمليات انتشار واسعة النطاق في المستقبل ضد الدول التي وصفتها وسائل الإعلام الغربية بأنها الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، أي روسيا والصين، ما يسمح بالوقت نفسه للبنتاغون بمراقبة باكستان والهند وإيران.

لهذا السبب، كثفت سفارات الولايات المتحدة في جميع أنحاء منطقة آسيا الوسطى (بالتزامن مع وصول العديد من المبعوثين الغربيين) جهودها لإقناع النخب الحاكمة في هذه الدول بأنه لا يمكن فكّ ارتباطهم بواشنطن، وبأنها لن تغادر فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي، وجرى الحديث عن وعود بمختلف «المكافآت»، وبشكلٍ خاص، التعهد بتسليم بعض المعدات والأسلحة العسكرية المنقولة من أفغانستان (مقابل قاعدة عسكرية أمريكية)، إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الولايات المتحدة، ومختلف «الفوائد» الأخرى.

وهذا ما يعيدنا إلى ما قبل عشرين عاماً، حين كانت واشنطن بحاجة ماسة إلى موطئ قدم في آسيا الوسطى، ولم تكن لديها أية طريقة للتدخل المباشر ضد باكستان المسلحة نووياً، ليتضح فيما بعد أن أفغانستان كانت «الهدف المناسب الوحيد» للولايات المتحدة. اليوم تعيد واشنطن الكرّة وتحاول الاستفادة من طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان كموقع مستقبلي لقواتها بعد انسحابها من أفغانستان. وحتى الآن جاءتها الردود على الشكل التالي:

  • قالت وزارة الدفاع في أوزبكستان أن العقيدة العسكرية للبلاد تحظر نشر القوات الأجنبية على أراضيها.
  • رئيس طاجيكستان، إمام علي رحمان، زار موسكو في 9 أيار وتفاوض على تعاون عسكري واقتصادي واسع النطاق بين البلدين، ما أوصل رسالة حاسمة لواشنطن أن بلاده ليست خياراً متاحاً لإعادة نشر القوات المنسحبة من أفغانستان.
  • بعد الفشل في أوزبكستان وطاجيكستان، تركز الولايات المتحدة الآن على قرغيزستان، مستفيدةً من استياء الأخيرة من الموقف الذي اتخذته موسكو بشأن النزاع الحدودي الأخير بين قرغيزستان وطاجيكستان.

لهذا السبب، دعا المسؤولون الروس رئيس قرغيزستان، صدير جاباروف، لزيارة موسكو لإصلاح العلاقات المتصدعة، وكذلك للمساهمة في حل الأضرار التي لحقت بالعلاقات الثنائية بين قرغيزستان وطاجيكستان. فيما تواصل واشنطن محاولاتها إقناع النخب القرغيزية، مستفيدة من خبرة مساعد وزير الخارجية المعين حديثًا لشؤون جنوب ووسط آسيا، السفير الأمريكي السابق في قرغيزستان، دونالد لو، والذي يعرف الوضع في آسيا الوسطى بتفصيل كبير.

وبالتالي، فإن المواجهة في آسيا الوسطى تزداد حدة مع محاولة الولايات المتحدة توريط لاعبين جدد في الوضع المتأزم أصلاً بين دول المنطقة حيث أدلى الرئيس الأفغاني، أشرف غني، مؤخراً بعددٍ من التصريحات المعادية لإيران، وعند افتتاح سد في محافظة نمروز، أعلن أن «إيران لن تكون قادرة على استخدام مياه الأنهار العابرة للحدود مجاناً بعد الآن» على الرغم من أن الاتفاق السابق بين البلدين لا يزال سارياً. كما أصبحت الصين، التي تعزز تعاونها الاستراتيجي مع إيران، متضرر غير مباشر من مثل هذه التصريحات.

في ظل هذه الظروف، بدأت روسيا ودول آسيا الوسطى مؤخراً مناقشة خارطة طريق تسمح للحدود بين هذه الأخيرة وأفغانستان بأن تظل غير قابلة للاختراق من جانب التنظيمات الإرهابية التي رعتها واشنطن، ولتكون قادرة على الاستجابة للتحديات المتوقع نشوئها على خلفية الطريقة التي يتم فيها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على الاستقرار الإقليمي في المستقبل.