لماذا حرب اللقاحات؟ ولمن النصر بها؟
خلال الاجتماع المشترك لقادة «حوار الرباعية للأمن» بقيادة الولايات المتحدة، لم يَدُرْ الحديث عن المحور العسكري بل تمّ التشديد أكثر على الدفع ضدّ لقاح كوفيد-19. مع مواجهة الكثير من البلدان لخطر الموجة الثانية والثالثة للوباء، لم يعد اللقاح مقتصراً على الجانب الصحي، بل بات مرتبطاً بالدبلوماسية العالمية. هذا هو السبب في أنّ رابطة آسيان بعدد سكان 700 مليون وسوق ضخم، طُرحت في الاجتماع كجزء من مواجهة اللقاح بين الغرب والصين.
ترجمة : قاسيون
بالنسبة لموقف الأمريكيين فقد أعلنوا بأنّ الهدف حفظ اللقاح لتلقيح الأمريكيين ثمّ تزويد الدول الأخرى به، ولهذا فتصدير لقاح موديرنا وفايزر مستبعد في الوقت الحالي إلّا لبعض حلفاء الأمريكيين الأوربيين والكيان الصهيوني. مع الأخذ بالاعتبار أنّ التكلفة المرتفعة لشراء اللقاح ومتطلبات البرودة الشديدة للحفاظ عليه تعنيان بأنّ معظم دول آسيا وإفريقيا وحتّى أمريكا اللاتينية لن تستفيد منه.
ورغم المناشدات من بعض الدول ومجموعات الحقوق المدنية لمنظمة التجارة العالمية لتخفيف قيود الملكيّة الفكرية للسماح للدول الفقيرة بتصنيع أو استيراد لقاحات مقبولة التكلفة، فقد تمّت معارضة الاقتراح بشدّة من قبل الدول الثريّة. يشكّل الوباء بالنسبة لهذه الدول فرصة كي تحقق الشركات الدوائية العملاقة أرباحاً طائلة. وأيّ محاولة لصناعة هذه الأدوية في الدول الأخرى يجب أن تمرّ في قنوات تراخيص تكفل لهذه الشركات أرباحاً أخرى، مثلما يحصل في قيام «مؤسسة سيروم» الهندية – والتي هي بالمناسبة أكبر مصنّع للقاحات في العالم – بتصنيع لقاح بترخيص من أسترا-زينيكا.
بالنسبة للولايات المتحدة، تدور معركة اللقاح حول منع الصين وروسيا من إدخال لقاحاتهما إلى مناطق محددة، حيث يعني ذلك قدرة الولايات المتحدة على التحكّم أكثر في لعبة اللقاحات، ويلعب تحالف سيروم-أسترا-زينيكا حجر الزاوية في معركة اليوم.
لكن مع المشاكل التي تواجه اللقاحات في الكثير من الدول – ومنها دول أوروبية – فيما يخص فاعلية وخطورة اللقاح أو القدرة على تصنيع ما يكفي منه، خطت روسيا والصين لسدّ الفراغ الحاصل. تستخدم هنغاريا وصربيا اللقاح الروسي والصيني، مع بروز صربيا في منطقتها كأعلى نسبة تلقيح لمواطنيها. ورغم أنّ وكالة الأدوية الأوروبية لا تزال تدرس لقاح سبوتنيك الروسي، فالكثير من الدول الأوربية لم تنتظر موافقة المشرّعين الأوروبيين عليه. بل أنّ بعض هذه الدول مثل إيطاليا اقترحت البدء بتصنيع اللقاح الروسي محلّياً.
ويبدو فشل الجهود الأمريكية لاحتكار اللقاحات في أمريكا اللاتينية واضحاً. فقد صرّح المسؤولون الأرجنتينيون عن أنّ مطالب فايزر لا يمكن الموافقة عليها، حيث تريد حصانة كاملة من أيّ ملاحقة مدنية أو جرمية بما في ذلك عن الأضرار نتيجة الإهمال أو الاحتيال أو الكراهية. بل وأكثر من ذلك طلبت فايزر من الأرجنتين ضمانات أصولها السيادية التي قد تشمل البنوك المركزية ومباني السفارات والقواعد العسكرية. كما انهارت المفاوضات مع البرازيل بسبب مطالب مماثلة.
ولهذا تحوّلت الأرجنتين اليوم إلى الصين وروسيا للحصول على اللقاح. طلبت الأرجنتين 25 مليون لقاح روسي، وحذتْ حذوَها المكسيك وبوليفيا وفنزويلا ونيكارغوا والهندوراس وغواتيمالا. كما راهنت المكسيك بشدّة على اللقاح الصيني، هي وتشيلي التي حصلت على 10 ملايين جرعة من لقاح سينوفاك الصيني، والتي حققت اليوم تلقيحاً لشعبها بمعدلات أعلى وأسرع من تلك الموجودة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
ورغم رضوخ حكومة بولسنارو في البرازيل من قَبْل لعدم قبول اللقاحات الصينية والروسية، إلّا أنّها اليوم اضطرّت بعد الفوضى والارتفاع الحاد في الوفيات إلى اللجوء للصين للحصول على لقاحاتها. وربّما الأهم التوصل لاتفاقات مع شركة سينوفارم المملوكة للدولة الصينية كي تدخل البرازيل وتبدأ عمليات الإنتاج هناك.
وبالعودة لدول آسيان، فلسوء حظّ الأمريكيين الذين يريدون أن تدفع اليابان ثمن اللقاحات وأن تصنّعها الهند لاستهلاك آسيان، فدول آسيان إندونيسيا وماليزيا وتايلند تستخدم بالفعل اللقاحات الصينية والروسية. حيث طلبت إندونيسيا 50 مليون جرعة من سينوفاك، و60 مليون جرعة من لقاح سينوفارم. وماليزيا طلبت 6.4 مليون جرعة من سبوتنيك V الروسي و12 مليون من سينوفاك.
استراتيجيّة اللقاحات
قد لا نبالغ إذا اعتبرنا بأنّ حرب اللقاحات تعبّر عن الصورة الأكبر للتحوّلات الجيوستراتيجية العالمية.
على عكس الولايات المتحدة وبريطانيا، تقوم الصين وروسيا بتلقيح شعوبها في الوقت ذاته الذي تقدّم فيه اللقاح للدول الأخرى.
يبدو موقف الولايات المتحدة وحلفائها المتضائل والمتراجع جليّاً في فراغ جعبتهم من وسائل منع انتشار اللقاحات الصينية والروسية إلّا من محاولة تشويه سمعتهم إعلامياً. فأمريكا وحلفاؤها غير قادرين على تأمين اللقاحات بأسعار مقبولة وسدّ الهوّة الحاصلة، والدول التي تتزايد الإصابات لديها مستعدة لتلقي اللقاحات من أيّ مكان قادر على تقديمه بكميات وأسعار معقولة.
تقف الدول بشكل متزايد اليوم بين: الخضوع لإملاءات الولايات المتحدة وعدم تلقي ما يكفيها من اللقاحات من جهة، أو الانفتاح على النظام العالمي الجديد بما يجنبها الدخول بلعبة محصلتها صفر. يدرك الروس والصينيون مدى أهميّة الأمر، وهو ما يجعلهم يقدِّمون لقاحاتهم سواءً بالمجان أو بأسعار معقولة، وكذلك التوصل لاتفاقات تصنيع لقاحات في دول أخرى. الأمريكيون غير قادرين على فعل الشيء نفسه، ولهذا هم خاسرون في حرب اللقاحات التي بدأوها.
بتصرّف عن: Why the U.S. and Its Allies Are Stupid to Turn COVID-19 Vaccination Into a Geopolitical Power Play