القمع المخفي لم يعد ينفع... إلى الصريح إذاً
بقلم: راينر شيا بقلم: راينر شيا

القمع المخفي لم يعد ينفع... إلى الصريح إذاً

تمكنت القوى الاستعمارية من بناء أدوات عنف وإكراه عالية التقنية، لتظهر كنظامٍ ممتاز للحفاظ على حكمها. بنى الكيان الصهيوني نموذجاً لقمع الفلسطينيين مليئاً بقيود الحركة الشديدة والاضطهاد المعتاد للمعارضين السياسيين.

ترجمة: قاسيون

 

اليوم لم يعد يقتصر القمع الصريح على الدول الطرفية، بل امتدّ إلى دول المركز نفسها. توسّع الولايات المتحدة مراقبتها الرقمية ودولة الأمن بشكل هائل عبر تركيب كاميرات على طول الحدود لمراقبة أيّ شخص في الأنحاء. تقوم أستراليا بسجن طالبي اللجوء في مراكز احتجاز غير إنسانية ومرعبة في أعالي البحار، وهو مجرّد مثال عن الاتجاه نحو تعزيز معسكرات الاعتقال الذي يشهده العالم الغربي.

السبب في تكثيف أدوات المراقبة والقمع الإمبريالية هو تصاعد الصراع الطبقي العالمي ومناهضة الاستعمار. هذه الجهود لتحصين هيكل القوة الإمبريالية مردّها الخوف من أنّ تناقضات هذه البنية ستؤدي لانهيارها من الداخل.

على طول العقد الماضي تحديداً، كان الكيان الصهيوني يصدّر وسائل القمع المتقدمة لديه إلى جميع الدول الإمبريالية عبر تدريب شرطتهم وبيعهم تكنولوجيا المراقبة. باعت شركات تكنولوجيا المراقبة الصهيونية المعدات السيبرانية للكثير من الحكومات القمعية مثل المكسيك وجنوب السودان والإمارات. لكنّ هذه الحملة لتطبيق الأساليب القمعية الصهيونية كانت واضحة بشكل خاص في الولايات المتحدة: مركز الإمبريالية العالمية.

كانت البصمات واضحة لدرجة محاكاة عمليات القمع التي قامت بها الشرطة الأمريكية ضدّ الأمريكيين – وخاصة السود منهم – من حيث الأسلوب والأدوات، لتلك التي تحدث بشكل متكرر من قبل الصهاينة ضدّ الفلسطينيين، وذلك ناجم عن التدريب الذي تتلقاه قوات الشرطة الأمريكية على يد الأجهزة الأمنية الصهيونية.

علاوة على ذلك قامت شركات الأمن الصهيونية ببناء أبراج مراقبة داخل الأراضي الأمريكية. وكما علّق أحد الصحفيين: ليست هذه الجدران للحدود فقط، بل لصنع حدود تسمح بالمراقبة المكثفة.

توسيع استخدام أدوات القمع الصهيونية إلى أماكن أخرى حيث التناقضات الإمبريالية حاضرة، هي نذير بعدم استقرار الإمبريالية. تهدد هذه التناقضات نجاة النظام بأسره، وليس ذلك فقط بسبب تخمّر إمكانية ثورة السكان المقموعين، بل بسبب الطرق التي يمكن فيها للنظام أن يدمر نفسه من الداخل.

هذا التدمير الداخلي حتمي. فكما علّق غريغ كارلستروم عن الوضع في الكيان الصهيوني: «... انقسمت البلاد إلى قبائل مع القليل من الفهم المشترك لما يعنيه أن تكون صهيونياً – ناهيك عن كونك إسرائيلياً... وحتّى الجيش الذي كان بوتقة انصهار كبيرة بات ساحة معركة سياسية وثقافية. حذّر تامير باردو الرئيس السابق للموساد من مخاطر نشوب حرب أهلية».

يمكن ملاحظة الأمر ذاته في الولايات المتحدة اليوم. حيث قام البنتاغون بتطهير مئات العسكريين الموالين لترامب وسط مخاوف من انضمامهم لنسخة مستقبلية أكثر فاعلية من الهجوم على مبنى الكابيتول. تجاوز المحللون العسكريون الأمريكيون مسألة التحذير من نشوب حرب أهلية أمريكية، معتبرين أنّ الحاجة لإرسال الجيش إلى المدن الكبرى لقمع انهيار النظام الاجتماعي بات أمراً قريباً.

يأتي ضمن ذات السياق رقابة شركات وادي السيليكون وتلاعبها بمحركات البحث وبالمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك إنشاء كيان «VGEC» الحكومي في 2016 والذي يهدف لمقارعة «التضليل والدعاية الأجنبية»، مهاجماً المواقع المستقلة والصحفيين المناهضين للإمبريالية.

سيستمر التصدّع في أساسات الإمبريالية بالانتشار. هذه آثار حتميّة لتعفّن الإمبريالية وتناقضاتها كما وصفها لينين، وكما تحدث ستالين عن تدهور مستويات المعيشة للبروليتاريا حتّى في مركز الإمبريالية.

 

بتصرّف عن: The settler-colonial states are sealing their own demise

آخر تعديل على الإثنين, 01 آذار/مارس 2021 20:02