إيران ترفض اجتماعاً مع واشنطن والأخيرة تماطل عبثاً
ملاذ سعد ملاذ سعد

إيران ترفض اجتماعاً مع واشنطن والأخيرة تماطل عبثاً

أعلنت طهران رسمياً رفضها للمقترح الأوروبي بعقد اجتماع غير رسمي لدول 4+1 المعنيون بالاتفاق النووي الإيراني بمشاركة واشنطن، واعتبرت طهران أن الوقت غير مناسب لعقد الاجتماع مؤكدة أنه لم يطرأ أي تغيير على مواقف وسلوك الولايات المتحدة.

يحاول الغربيون عموماً إغراق تطورات الملف النووي بتفاصيل الإجراءات «الجوابية» التي تتخذها طهران بعد اجتزاءها من سياقها التاريخي حيث بدأت بعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق وفرضها للعقوبات بمخالفة مباشرة له، وتهويل هذه المجريات سياسياً وإعلامياً بمحاولة للضغط على طهران، ومن هذه الإجراءات: رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% خلافاً للاتفاق، وإنهاء العمل بالبروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأخيراً الحديث عن التوجه لرفع نسبة التخصيب إلى 60%.

 

معادلات واضحة

بالنسبة لطهران فإن المعادلة واضحة: واشنطن هي من انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق وفرضت عقوبات خلافاً له، وبالتالي فإن الخطوة الأولى لعودتها له وعودة طهران إلى التزاماتها تبدأ من رفع العقوبات المفروضة عليها كاملةً، أما الجوانب الأخرى التي يجري الحديث حولها من إدخال برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية إلى الاتفاق، أو مقترح ماكرون بدخول السعودية إلى طاولة المفاوضات، أو توسيع بنود الاتفاق لتشمل جوانب أخرى وجديدة، فإنها جميعاً أمورٌ مرفوضة تماماً، ولا داع لنقاش ما تم نقاشه مسبقاً، فضلاً عن أن هذه الاحاديث والمحاولات تستهدف القوة الإيرانية وتسعى لتحجيمها.

أما بالنسبة لواشنطن فالأمور سيئة وستمضي نحو الأسوأ طالما ستبقى خارج الاتفاق، حيث أن هذا الوضع المتأزم بين إيران والولايات المتحدة يضع دول الاتحاد الأوروبي أمام موقفٍ صعب لن يطول قبل أن يحسموا موقفهم به إما لصالح طهران أو واشنطن، بالوقت الذي تشير فيه كل المعطيات والإشارات بمختلف المسائل، وليس فقط الملف النووي الإيراني، عن خلافات وتناقضات عديدة تتصاعد بين الأوروبيين والأمريكيين، واذا ما استمر هذا التصعيد ستجد واشنطن نفسها معزولة ليس فقط عن الاتفاق، وإنما حتى عن قدرتها باستمرار عقوباتها خلافاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بالوقت الذي لا تمتلك به أي أدوات ضغط جديدة ومجدية أكثر من الموجودة فعلاً على إيران، ولهذه الأخيرة لا شيء تخسره سوى هذه الضغوط نفسها.

ضغوط لا جدوى منها

كان من اللافت التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فبعد 15 تقريراً لها كانت قد أعلنت بهم عن التزام طهران بالاتفاق النووي وفقاً لتصريحٍ للرئيس الإيراني حسن روحاني، ويقول به أن «العلاقة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية هامة لإثبات نوايا إيران النووية السلمية أمام العالم ودفع الاتهامات عنها»، خرج تقرير جديد نقلته وكالة «رويترز» بعد إنهاء العمل معها من جانب الإيرانيين يزعم بأنّ الوكالة عثرت على آثار يورانيوم في موقعين إيرانيين فتشتهما العام الماضي بعد شهور من المماطلة، و أنها تشتبه في أن أحد الموقعين استخدم لتحويل اليورانيوم، بينما استخدم الآخر لإجراء تجارب تفجير.

إنّ هذا التقرير الأخير ليس مستغرباً على أي حال، فلا لطهران أو غيرها أي توهمٍ بـ«حياد» هذه الوكالة وفق الظروف الحالية باستمرار قدرة الهيمنة الأمريكية داخلها، إلا أن اللافت به هو نوع الضغوط الجديدة التي سوف تواجه إيران بهذا الشكل من الافتراء الواضح وبلحظة تبدو بـ «الردّ بالمثل» من قبل الوكالة... على أي حال، تم الاتفاق بين طهران والوكالة على تمديد وصول مفتشي الأمم المتحدة إلى مواقعها النووية لمدة ثلاثة أشهر بعد تقليص 30% من أعمال التفتيش والرقابة، وقد صرح رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، أن «طهران تعمل الآن على إنشاء مفاعلين نوويين، بدأت بهما قبل عدة أعوام، بما يعتبر أكبر مشروع صناعي في البلاد» متابعاً «لا يحق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب البيان المشترك الأخير معها، الوصول إلى أنظمة تسجيل المعلومات والكاميرات لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر»، مشيراً: «إذا لم يتم رفع الحظر عن طهران في غضون ثلاثة أشهر، فسوف تتم إزالة هذه المعلومات». بما يعني ذلك أنها مهلة مقدمة إلى جميع المعنيين بالاتفاق النووي الإيراني لحل مسألة عودة واشنطن إليه ورفعهم للعقوبات عنها أو ستتابع إيران مسيرة تصعيدها النووي رداً على انتهاك واشنطن له وصمت الأوروبيين عنه.

 

إنّ جميع المؤشرات تدل على قوة موقع إيران التفاوضي وأحقيتها بالنسبة للملف، بمقابل التذبذب وضعف الموقع الأمريكي الذي أعطى مؤخراً إشارات واضحة بتوجهه نحو رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب السابقة، مثل رسالة بايدن المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي لسحب إعلان سلفه باستئناف عقوبات الأمم المتحدة على إيران، إلا أنها لا تزال إشارات غير مصحوبة بإجراءات عملية وملموسة، بمماطلة أخيرة من واشنطن لا تبدو أكثر من «لعب النرد» مع الوقت لتحلم خلاله أن تتنازل إيران عن شيء ما، عن أي شيء، لتحفظ ماء وجهها به.