تفشّي التهاب الكبد في قطنا، والمسؤولون: «مو محرزة»!
انتشرت أمس (الثلاثاء 8 كانون الأول 2020) شكوى مواطنين في قطنا، من فاشية التهاب الكبد الوبائي الفيروسي الحاد، التي تظهر مجدداً في هذه المدينة من ريف دمشق الجنوبي الغربي، ويبدو أنّ بؤرتها هي مدرسة «ميخائيل سمعان» أو حي رأس النبع الذي توجد فيه. وفي اتصال مع إذاعة (المدينة إف. إم) السورية المحلية صرّح الدكتور عدنان نعامة (مدير دائرة الصحة المدرسية في تربية ريف دمشق) بأنّ الإصابات الجماعية في هذه المدرسة بلغت حتى الآن 35 إصابة، نافياً وجود أيّ إصابات أخرى مبلَّغ عنها في كلّ ريف دمشق (باستثناء حالات فُرادية)، كما نفى أيضاً أنْ يكون السبب تلوث المياه، قائلاً: «القصة ليست من المدرسة، بل من المجتمع الذي يوجد فيه الطلاب»! بالمقابل عبَّر بعض المواطنين عبر الإذاعة نفسها عن شكوكهم بأنّ الأعداد هي أكبر من ذلك، وعن مشاهداتهم بأنها لا تقتصر على الأطفال، بل وهنالك إصابات بين البالغين وكبار السن أيضاً. أما تصريح مدير الصحة المدرسية بأنه «في كل مدارسنا الصابون متوفر والمعقمات متوفرة» فقد لاقى كثيراً من السخرية المريرة في تفاعلات الناس، لشدة تناقضه مع الواقع.
هل 35 إصابة في أسبوع هي فاشية وبائية؟
قبل تقديم الدليل العلمي، سوف نقتبس حرفياً من تصريح د. نعامة (مدير الصحة المدرسية) ثمّ نبيّن أنّه ينطوي على تناقض في التوصيف، إذ إنّه قال: «في مدارس أخرى قد توجد حالات طارئة، حالة أو حالتين، مثل كلّ سنة. وفقط في هذه المدرسة [ميخائيل سمعان] كانت الأعداد أكثر من اللازم». رافضاً توصيف الحالة بأنها «فاشية» ومعتبراً أنها «رغم ذلك ما زالت مقبولة بالنسبة لعدد الطلاب الموجودين»، لأنّ «هناك تقريباً 35 إصابة بالتهاب الكبد في مدرسة تعدادها 3000 طالب. فالنسبة ما زالت ضئيلة وليست مشكلة كبيرة». علماً بأنّ الإقرار بوجود "أعداد أكثر من اللازم" هو بالضبط جوهر التعريف العِلمي لأيّ «فاشية» أو «الوباء»، كما سنوضح أدناه.
فحسب «دليل الترصّد الوبائي» المُعتَمَد في سورية، والصادر بشكل مشترك عن مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة السورية ومنظمة اليونيسيف، وهو منشور على الموقع الرسمي لوزارة الصحة السورية، فإنّ تعريف «الوباء» = «الفاشية» في صفحة التعريفات (ص23) يرد حرفياً كما يلي:
«الوباء Epidemic: وقوع حالات من اعتلال ما في جَمْهرة أو في منطقة جغرافية محددة خلال فترة زمنية محددة بزيادة واضحة عن المتوقَّع الطبيعي لتلك الجمهرة وفقاً للخبرة السابقة». وبعده مباشرةً ينص الدليل على أنّ تعريف «الفاشية Outbreak نفس تعريف الوباء».
وهذا أمر من المبادئ البسيطة المعروفة (لدى أيّ طبيب على الأقل). وكثيراً ما يُضرَب مثالٌ عادةً في المناهج الدراسية لعلم الوبائيات أنّ أيّ مرض معدٍ إذا كان سبق أن تم اجتثاثه من مجموعة سكانية ما (مثل شلل الأطفال مثلاً) ثمّ عاد للظهور ولو في حالة واحدة فقط، يُعتَبَر ذلك «فاشِية جديد» يجب أن تؤخذ بكامل الجدية والأهمية. ورغم أنّ معظم حالات التهاب الكبد الفيروس الحاد قد تمر بسلام، لكن الخطورة تزداد عند الأعمار الأكبر وفي الظروف الجسدية والمناعية والمعيشية والتغذوية السيئة والهشة كالتي يعيشها أغلبية السوريين. كما أنّ من المعروف احتمال حدوث «التهاب كبد صاعق» fulminant hepatitis بنسبة من الحالات وهو خطير ووفياته عالية.
إذاً، حالات التهاب الكبد الجديدة في قطنا (أو في أي بقعة جغرافية محددة) مهما كانت قليلة، وحتى لو افترضنا جدلاً بأنّها فقط 35 إصابة، فإنّ نَسبَها ككسر إلى عدد طلاب المدرسة الإجمالي مثلاً أو حتى إلى مجموع سكان الحي لا علاقة له بتعريف الوباء (الفاشية) على الإطلاق! لأنّ مرجعية المقارنة النسبية الصحيحة التي تمكننا من معرفة هل نحن أمام «فاشية» أم لا، هي فقط معرفة إذا كانت هذه الحالات التي وقعت تُشكِّلُ «زيادة واضحة عن المتوقَّع الطبيعي لتلك الجمهرة وفقاً للخبرة السابقة»، وبالنسبة لالتهاب الكبد الفيروسي الحاد بسورية (وخاصة من النمط A) ليس بالضرورة طبعاً أن يكون «المعتاد» هو «صفر حالات»، وذلك لأنّه موجود في فئة الأمراض «المُستوطنة» في سورية، أي أن عامله الممرض (الفيروس) يكون «مقيماً في منطقة جغرافية معينة بحيث تستمر إصاباته في هذه المنطقة حتى يصبح وجوده معتاداً». أما الجوهر في تمييز «الفاشية» في حالات كهذه فهو في التحديد الإحصائي والتاريخي لما هو «المستوى المعتاد» في المنطقة الجغرافية أو السكنية نفسها (بوصفها الجمهرة أو مجموعة السكان population المدروسة)، فإن لوحظت زيادة نسبية عن هذا المستوى يتم الحكم بأنه قد وقع «وباء» جديد أو «فاشية»، وليس بمقارنة نسبة الحالات الناشئة مع مجمل عدد سكان المنطقة أو الحي أو المدرسة، كما قال السيد مدير الصحة المدرسية.
وكمثال، في وقت سابق من آذار 2015 عندما كان الجميع تقريباً كسلطات صحية محلية ودولية (منظمة الصحة العالمية) متفقون على أنّ هناك وباء التهاب كبد إنتاني حاد في عدة محافظات سورية، صرح السيد معاون وزير الصحة د. أحمد خليفاوي لوكالة سانا بإحصاءات الوباء التي وقعت خلال الأسبوع التاسع من ذلك العام بأنها 2584 إصابة وأنّه خلال الأسبوع العاشر الذي بعده تم تسجيل 1512 إصابة. إذاً، في الأسبوع التاسع من 2015 مثلاً كان يوجد «وباء التهاب كبد فيروسي حاد» معترف به في سورية، فلو حسبنا نسبة إصابات ذلك الأسبوع إلى عدد السكان نجد أنها تقريباً 0.013% (ثلاثة عشرة إصابة من كل مئة ألف من السكان). والآن، كم هي نسبة 35 حالة في مدرسة تحوي 3000 طالب؟ إنها 1.16%! أي أنّ ما اعتبره السيد مدير الصحة المدرسية نسبة «ضئيلة» و«مقبولة» و«ليست مشكلة كبيرة» هي أكبر فقط بما يقارب التسعين ضعفاً من نظيرتها في وباء 2015! ورغم أنّ هذه النسبة على كل حال ليست ذات صلة جوهرية بالتعريف العلمي للوباء كما بيّنا أعلاه، لكن الغرض من مثالنا هو توضيح أنّ «لعبة الأرقام» النسبية والكمّية المجرَّدة عن سياقها الكيفي والتاريخي، للالتفاف على الاعتراف بالفاشيات الوبائية هي لعبة خاسرة علمياً.
«توقف الزمن» عند 2013 في الموقع الرسمي للصحة!
سيلاحظ أيّ طبيب أو زائر للموقع الرسمي لوزارة الصحة السورية بغرض البحث، أو حتى كمواطن عادي يرغب بالاطلاع على الوضع الصحي أو الوبائي في بلده أو محافظته (وهو شيء يفترض أن يكون من حقوقه) أنّ تحديث معظم بيانات الموقع، بما فيها الأكثر أهمية، متوقف (بلا مبرر) عند العام 2013 تقريباً! وحتى تحت تبويب مهم مثل «برامج صحية/ النشرات الوبائية الأسبوعية لنظام الإنذار المبكر»... ووباء العصر «الكورونا» غائب عن الموقع بشكل شبه تام، فلا يعرف الزائر أين يبحث عن إحصاءات أو معلومات عنه، بخلاف معظم الصفحات الرئيسة لمواقع وزارات الصحة في العالم اليوم، والتي خصصت لكوفيد-19 تبويباً بارزاً (بل وموقعاً كاملاً مستقلاً) وملفتاً مباشرة لنظر أي زائر.
ولكن رغم شح البيانات المنشورة، يمكننا على الأقل ملاحظة الأرقام التالية لتقييم معنى 35 حالة التهاب كبد وبائي حادّ تظهر فجأة في المدرسة المذكورة؛ فتحت تبويب «أمراض وبائية – رُبعي» لا نجد سوى ثلاث صفحات (صور) فرعية هي عبارة عن جداول: «الأمراض السارية المبلغ عنها ربعياً» ويحوي فقط إحصاءات كل أرباع 2012 (بإجمالي إصابات مبلغ عنها لذلك العام بكل سورية 2203 حالات)، ومعلومات الربعين الأول والثاني فقط من العام 2013 (873 إصابة و707 إصابة على التوالي). أما في الربع الثاني من 2012 وفي خانة التهاب الكبد الفيروسي الحاد فكان عدد الحالات الإجمالية المبلغ عنها في كل سورية هو 548 حالة.
وتحت تبويب «الأمراض السارية المبلغ عنها حسب المحافظات» لا نجد سوى جدولٍ واحد أيضاً، وبلا تاريخ، ولن يستطيع أحد الاستنتاج بأنّ المقصود منه هو الربع الثاني من عام 2013 إلا إذا انتبه أن الرقم الإجمالي في خانة التهاب الكبد الفيروسي الحاد هو 707 حالات، والمعلومة المُضافة هنا هي فقط توزيعها على المحافظات؛ فكان نصيب ريف دمشق 53 حالة التهاب كبد فيروسي حاد مبلّغ عنها خلال الربع الثاني (نيسان وأيار وحزيران 2013).
أما غايتنا من استخراج هذه الأرقام فكانت الحصول على مؤشر تقريبي على المعدل الوسطي «المعتاد» سابقاً لوقوع الإصابات بهذا المرض في ريف دمشق. ومن الأرقام أعلاه يمكننا استنتاج أنّه خلال شهر واحد في كل أنحاء ريف دمشق قبل سبع سنوات كان يُبلَّغ وسطياً عن نحو 17 أو 18 حالة فقط (ناتج 53 تقسيم 3)، وبالتالي إذا كانت هناك حالات مبلغ عنها من قطنا آنذاك فيمكن أن نتوقع أنها لن تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وإذا افترضنا أنّ هذا هو المستوى «المُعتاد» (ومن يريد أن يفترض غير ذلك فليزودنا ببيانات علنية قابلة أنْ يستَنتَج منها أية فرضيات أخرى) فإنّ أهمية العدد 35 إصابة في مدرسة واحدة، أي في جزء صغير من قطنا التي هي جزء من ريف دمشق، هو بلا شك أكبر بعدة أضعاف من مستوى الإصابات «المتوقَّع الطبيعي لتلك الجمهرة وفقاً للخبرة السابقة» وبالتالي ينطبق عليها تعريف «وباء» أو «فاشية» حقيقية.
ويتعزز هذا الاستنتاج أكثر من بعض الأرقام الإضافية التي قد تكمّل بعض «رُقَع» هذه الصورة الإحصائية المُمَزَّقة بسبب غياب الاهتمام الرسمي بنشر بيانات كاملة ويسيرة للوصول إليها، حيث كما لاحظنا آخر سنة توقف عندها نشر بيانات كاملة على موقع الوزارة عن إصابات التهاب الكبد (بمعنى لكل أرباع السنة ومن 14 محافظة) كانت سنة 2012. فهل كان الوضع الوبائي لالتهاب الكبد الفيروسي الحاد يتحسن أم يسوء خلال السنوات 2013–2020؟
تلاحظ دراسة قام بها بروفسوران من إيران عام 2017، ومنشورة في «مجلة الهلال الأحمر الإيراني الطبية» ما يلي: «يعيش فيروس التهاب الكبد الفيروسي الحاد HAV في مجاري الصرف الصحي، والمياه، والطعام الملوَّث. وفي سورية، يتم ضخّ الصرف الصحي الخام مباشرةً إلى الأنهار التي تُزوِّد القرى بمياه الشرب والاغتسال، وقد تم التوقف عن إضافة الكلور منذ العام 2012».
إذاً، يبدو أنّ انعدام، أو نقص كفاية، تعقيم المياه بالكلور وعدم صيانة شبكات المياه والصرف (من بين أسباب أخرى ترتبط بظروف الحرب) قد لعب دوراً في فاشيات يرقان التهاب الكبد والعوامل الأخرى المسببة للإسهالات الحادة. ومنها تفشي متلازمة اليرقان 2014–2015 في أكثر من محافظة سورية، والتي أظهرت تحاليل مخابر دمشق أنه التهاب الكبد الفيروسي A كما لاحظ مثلاً «تقرير المراقبة الوبائية الأسبوعي» الصادر عن المكتب الإقليمي لشرقي المتوسط في منظمة الصحة العالمية (12 نيسان 2015)، والذي أضاف محرّروه ملاحظتهم عن أن الحالات المبلغ عنها بين بداية كانون الأول 2014 ونهاية آذار 2015 من ثماني محافظات سورية: «أظهرت أنماط التوزيع الجغرافي أعلى مستويات الإصابة في محافظة دير الزور بنسبة 56% تليها ريف دمشق 18% ثم دمشق 12%. وظهور ذروات متعددة ضمن المنحني الوبائي هو سمة توحي بأن الطريقة الرئيسة لانتقال المرض كانت من شخص إلى آخر».
لماذا إنكار الوباء وإلقاء المسؤولية على «البيئة المجتمعية»؟
ورد أيضاً ضمن التصريح المذكور للسيد مدير صحة ريف دمشق المدرسية: «نحن نقوم بشكل يومي بتعقيم المدرسة ونظافتها. حللنا مصادر المياه، وهي جيدة جداً ولا مشكلة في مصادر المياه الموجودة في المدرسة. وأعتقد أنها قصة مجتمعية أكثر منها قصة بيئية-مدرسية، أي القصة ليست من المدرسة، بل من المجتمع الذي يوجد فيه الطلاب. فلا أدري ما هي المشكلة».
ما ينبغي معرفته هو أنّ تشخيص مجموعة إصابات لو تم الإقرار رسمياً بأنها «فاشية»/«وباء» له تبعاته الإجرائية التي ينصّ على ضرورتها «برنامج مكافحة التهاب الكبد الفيروسي في وزارة الصحة» المنشور أيضاً على الموقع الرسمي لوزارة الصحة السورية بشكل كُتيِّب في 10 صفحات. فما هي الإجراءات الواجب على السلطات الصحية القيام بها في حال الإقرار بوجود وباء التهاب كبد فيروسي حاد من النمط A؟ هذا ما تنص عليه الصفحة 9 في البرنامج المذكور تحت عنوان «إجراءات الترصد والمكافحة» وأهمها بدءاً من المستوى المحيطي:
«الاستقصاء الوبائي: للفاشيات والأوبئة فقط، من قِبَل فريق التقصي المتوسط وبالتعاون مع عناصر صحية من المركز الصحي ومركز المنطقة، وإملاء استمارة التقصي الخاصة بالمرض، مع دراسة الظروف البيئية، وخاصةً مصادر مياه الشرب وطرق الصرف الصحي (والبحث عن حالات أخرى في المخالطين، لتحديد طراز الانتقال، هل هي من شخص لشخص أو عن طريق الطعام أو الماء الملوث). – التحليل الوبائي للبيانات التي تم جمعها لمعرفة سبب الفاشيات أو الأوبئة». وإضافة لذلك ينص البرنامج على تطبيق «العزل» لمنع عدوى المخالطين و«تخصيص أدوات شخصية خلال الأسبوعين الأولين من المرض».
تستوقفنا هذه النقطة الأخيرة وتجعلنا نتساءل مباشرةً: في مدرسة تحوي 3000 طالب، عدا عن المعلمين، والذين قد لا يستطيع أي منهم أن ينتبه أو يتذكر على وجه اليقين مَن خالطَ مَن في الباحة مثلاً... ألا يتطلب المنطق إغلاق المدرسة لمدة أسبوعين على الأقل؟ بل ويمكن استنتاج ذلك لأن إجراءات «البرنامج الرسمي» المذكور أعلاه يتعذّر إنجاحها دون هذه الخطوة. أم أنّ مآسي «العِناد الكوروني» سوف تتكرر مع التهاب الكبد أيضاً؟!
من الإجراءات المطلوبة وفق البرنامج الرسمي أيضاً: «إعطاء المخالطين الغلوبولين المناعي» من النوع والجرعة المناسبَين. و«تحسين الإصحاح البيئي والإمداد بماءٍ مأمون» و«إزالة التلوث البرازي للأطعمة والماء»...
هجمات معنّدة (وبائية ونيوليبرالية)
أخيراً نكتفي بالتذكير بما ورد في مقال لقاسيون يعود لتاريخ 19 آذار 2008 (قبل الأزمة بثلاث سنوات)، عن تفشي الوباء نفسه وفي المنطقة نفسها! وكان بعنوان «1000 إصابة بمرض اليرقان.. والحصيلة إلى ازدياد»، ونترك للقارئ تخمين الأسباب الحقيقية عبر التفكير المنطقي السليم والمقارنة:
«بلغت الإصابات المسجلة في مخابر مدينة قطنا بمرض التهاب الكبد الإنتاني لغاية صباح يوم 19/3/2008 أكثر من (1000) إصابة، مع توقع تزايد تسجيل إصابات جديدة بشكل يومي... ورغم إيعاز محافظ ريف دمشق بتبديل خزانات المياه في المدارس إلا أن بعضها لم يستبدل حتى تاريخه، ويتمنى المواطنون الذين يعيشون حالة قلق ورعب على أطفالهم أن تشدد الصحة المدرسية إجراءاتها بما يتعلق بمتابعة الوباء ومسبباته وتأمين النظافة اليومية لحمامات المدارس وخزاناتها، ويأملون من وزارة الصحة مساعدتهم من خلال تأمين اللقاح كونه مكلف مادياً ويشكل عبئاً عليهم، كذلك تأمين الأدوية والفيتامينات للمركز الصحي في المدينة ليصار إلى توزيعها على المصابين، وإرسال مخبر متنقل يقوم بفحص طلاب المدارس... رغم مرور ما يقارب شهر ونصف الشهر على الجائحة، لم يشعر المواطنون في قطنا بقيام الجهات المعنية بأي إجراء حقيقي لمحاصرة الوباء، إذ لم يتم قطع المياه الملوثة أو إيقاف ضخها من رأس النبع، ولم تجرِ دراسة الحي المخالف فوق النبع ومعالجة الجور الفنية المتسببة بالجائحة، كما لم يُبَت في تقصير مجلس المدينة ولم يحاسَب المسؤولون عن تفشي الوباء، وهناك تغاضٍ مريب عن المخالفات، حيث لا يجري التقيد بتنفيذ القانون رقم 1 للعام 2003... السكان المذهولون من رعب تفشي اليرقان باتوا يعتقدون أنهم متروكون لمصيرهم وحيدين، والسبب غياب المعالجة الحقيقية، وصمت وزارة الصحة وتراخي الإدارة المحلية، وكأن الجائحة تحدث في دارفور».