السودان... هناك «احتفالٌ» قريب فترقبوا!

السودان... هناك «احتفالٌ» قريب فترقبوا!

لم تكن اللاءات الثلاث التي خرجت عن مؤتمر القمة العربية الذي عقد بعد نكسة حزيران 1967 في السودان مجرد شعارات فارغة، بل كانت ترجمة لصرخات في صدور الشعوب العربية، وعندها أصبحت الخرطوم تكثيفاً رمزياً لثلاث لاءات «لا سلام مع إسرائيل. لا اعتراف بإسرائيل. لا مفاوضات مع إسرائيل» لا تزال حاضرة في عقول كل المقهورين، رغم التشويه الذي تعرضت له من قبل الأنظمة الخانعة.

 

 

الإعلان عن تطبيع العلاقات بين السودان والكيان الصهيوني لم يكن سوى صافرة البداية لمعركة ستشهدها الساحة السياسية في السودان، وإن كان من الصعب التنبؤ لصالح من ستميل كفة هذه المعركة التي ينبغي التوقف قليلاً أمام ملامحها.

مباركٌ لكم... تحالفكم بخطر!

بينت التجربة التي دفعت شعوب المنطقة تكاليفها بدمائها، أن تغيير الأنظمة الفاسدة عملية طويلة وشاقة، ولم تنجح أيٌ من دول «الربيع العربي» في هذه المهمة النبيلة حتى اللحظة، وهذا ينطبق على السودان التي تُوجت انتفاضته بتحالفٍ شكّل– كما أثبتت التطورات– محاولة للالتفاف على مطالب الشارع، ومحاولة أخيرة لتثبيت النظام القائم عبر استبدال بعض الوجوه، وعبر إقامة بعض «مسرحيات الديمقراطية». 

ما يهمنا اليوم، أن قرار التطبيع شكّل داخل التحالف- القائم بين «المجلس العسكري» وقوى «إعلان الحرية والتغيير» المعارضة- نقطة خلافية حادة. فإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني والاعتراف به لا يعتبر مقبولاً بالنسبة لجزء مهم من هذا التحالف، غير أن قرار التطبيع يعدّ قراراً مخالفاً للدستور السوداني، وبالتالي لا يمكن إتمامه دستورياً إلا بعد انتهاء الفترة الانتقالية، وتصديق هذا الاتفاق من قبل الهيئة التشريعية المخولة بذلك، والتي لم تنتخب بعد! أي: وبعيداً عمّا يجري تداوله إعلامياً، لا يوجد حتى اللحظة أي تفويض شعبي ولو شكلياً بهذه الخطوة. وإلى جانب هذا الإشكال القائم حالياً، ترى مجموعة كبيرة من القوى السياسية السودانية: أن اتفاق التطبيع هذا جاء تأكيداً لمحاولات المجلس العسكري السوداني التفرّد بالقرار، وإشارة جديدة إلى سيطرته المطلقة على مقدرات البلاد وثرواتها، وبأن هذا المجلس لم يكن جدياً بتوزيع الصلاحيات وغيرها من المهازل التي جرى تداولها إعلامياً.

وإلى جانب الشرخ الذي حصل داخل التحالف الذي أنتج الحكومة الانتقالية السودانية برئاسة عبد الله حمدوك، هناك رفض واضح من عدد من القوى السياسية التي لا تزال خارج هذا التحالف، وكان أبرز الرافضين لخطوة التطبيع تحالف الإجماع الوطني، الذي يضم مجموعة كبيرة من الأحزاب والقوى، مثل: الحزب الشيوعي السوداني، وحزب الأمة وحزب المؤتمر الشعبي، والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال. والتفاعلات الجارية حتى اللحظة، تعني إطلاق عملية فرز واسعة ضمن القوى السياسية السودانية، يجري ضمنها إيجاد حلف جديد يضم جزءاً من أحزاب المعارضة داخل وخارج الائتلاف القائم حالياً.

ما هي مصلحة السودان فعلاً؟

يتناقل فريق المطبعين السودانيين الأكاذيب حول «مصلحة السودان» و«المنفعة الاقتصادية» وغيرها من الأمور المكرورة، ويمكن تكثيف فائدة اتفاقات التطبيع الأخيرة بما قاله رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو حين وصفها بأنها جيدة «للأمن والقلب والجيب» ورغم أنه لم يحدد أمن من؟ وقلب من؟ وجيب من؟ إلّا أن ما قصده لا يحمل اللبس أبداً حين يسهب في حديثه أكثر. فالكيان الصهيوني يرى أن هذه الاتفاقيات ستحمل له منفعة فعلاً على الرغم من أنها لم تعط النتائج المرجوة منها حتى اللحظة. فإذا ما نظرنا إلى الموضوع من تلك الزاوية تحديداً، أي: من زاوية المنفعة الاقتصادية، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تجربة الدول النامية بعلاقاتها مع الدول الغربية، التي سعت دائماً لإقامة علاقات مع الدول الأقل تطوراً، مما سمح لها بسرقة ثروات هذه الدول بشكل مقونن، فاستطاعت دول الشمال المتقدمة استجرار مواد الخام المستخرجة من هذه الدول بأسعار رخيصة، وإعادة بيع المنتجات المصنعة بفرق أسعار كبير، جعل من علاقة الدول النامية ودول الغرب المتقدم علاقة الناهب والمنهوب، واستطاعت الدول الغربية عبر أذرعها في الأنظمة الفاسدة والتابعة، ضرب كل مشروع وطني حقيقي لكسر حلقة الاستغلال هذه، ومن هذا الباب يحتفل جنرالات السودان بإنشاء هذا النمط من العلاقات مع الغرب والكيان الصهيوني، ويرون فيه تقدماً! 

تتداول وكالات الأنباء تصريحات نتنياهو ومراكز استخباراته حول منافع الكيان من هذه الاتفاقيات، وجرى تداول الكثير حول السودان تحديداً، فهم يرون أن هذا البلد المنهوب سيسمح بتأمين أحد خواصر الكيان عبر منع أية نشاطات معادية ضمن مياه البحر الأحمر، وما يعنيه هذا من إبعاد السودان عمّا أسموه «تحالف الشر التركي- الإيراني» ، بالإضافة إلى توفير الكثير من المال بعد أن فتحت أجواؤه أمام الرحلات الجوية، هذا إلى جانب أن اتفاق التطبيع مع السودان سيسمح للكيان الصهيوني بالتخلص من اللاجئين السودانيين على أراضيه، والذين يشكلون مع غيرهم من اللاجئين الأفارقة إحدى مفردات الأزمة الداخلية في الأراضي المحتلة، لما يعانيه هؤلاء النازحون من استغلال وتميّزٍ عنصري. ومن الملامح الأخرى «للفوائد» التي سيحصدها السودان، إعلان نتنياهو « كون السودان دولة نامية فإن الأمر سيساعد الإسرائيليين أن يقوموا بتصدير أنواع مختلفة من البضائع، من بينها التكنولوجيا والخدمات» ويجري الحديث بشكل أساس عن استثمارات في الأراضي الزراعية السودانية، عبر اعتماد التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية، التي ستشكل مثالاً جديداً عن النتائج الكارثية للاستثمارات الغربية في قطاعات الزراعة في آسيا وغيرها من البلدان النامية، والتي استنزفت الأراضي الزراعية، وتَعبَ المزارعين الغارقين في الديون لصالح الرفاه الغربي!

السودان «سيتمتع» كغيره من الشعوب المقهورة بإمكانية الاستدانة من مراكز المال الغربية، وسيشتري التكنولوجيا الغالية، ويصدر المواد الخام الرخيصة، سيعمل أبناؤه لخدمة رأس المال الغربي، ولخدمة مشاريع الكيان الصهيوني العنصري والتوسعي، سيرى شعب السودان أن أحلامه بإنهاء الاستغلال والحياة الكريمة تتحطم، لكن هذه المرة لقاء مقابلٍ «مجزٍ» فالكيان الصهيوني أرسل بعضاً من أطنان القمح لأقنانه الجدد! ودول الخليج دفعت مبلغاً بسيطاً ثمناً إضافياً لجيش المرتزقة من آلاف الفقراء السودانيين الذين أرسلهم النظام السابق/ الحالي ليخوضوا معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل! نجح النظام السوداني أخيراً بتحويل بلادهم من بلدٍ محكوم من طُغم الفساد، ومنهوب وموضوع على قائمة الإرهاب إلى بلدٍ محكوم من طُغم الفساد ومنهوب و «مرحبٌ به ضمن المجتمع الدولي» وهذا ما يتحضر الشارع السوداني الغاضب للاحتفال به في شوارعه وساحاته.

آخر تعديل على الأحد, 01 تشرين2/نوفمبر 2020 18:14