التطبيع يفشل في تخفيف أزمة الكيان
منذ تسارع وتيرة عملية التطبيع بين عددٍ من الدول العربية وكيان العدو الصهيوني برعاية أمريكية، كان واحداً من الأهداف الأساسية المتوخاة من هذا التسارع هو الاعتقاد الأمريكي بأن التسريع من شأنه أن يساهم في تخفيف الأزمة السياسية التي يعيشها كيان العدو والتي يمكن تسميتها بـ«أزمة حكم» من العيار الثقيل.
بعد فشل ما سمي بـ«صفقة القرن» في ترسيخ «حل أمريكي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي» قبيل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، لجأت الولايات المتحدة إلى الدفع في اتجاه تسريع عملية إعلان التطبيع بين الإمارات والبحرين، وكيان العدو، ومحاولة تثبيت اتفاقات مماثلة مع السودان أيضاً. وعلى غرار صفقة القرن التي رثاها المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، علناً، لم تصل هذه العملية أيضاً إلى تحقيق الأهداف الموضوعة، لا بالمعنى الواسع (تثبيت أمر واقع جديد في المنطقة)، ولا بالمعنى الضيق (الدفع نحو استثمار هذه الخطوة انتخابياً على الصعيد الأمريكي، ومحاولة تخفيف حدة الانقسام السياسي وأزمة الحكم داخل الكيان الصهيوني).
وعلى العكس من ذلك، ساهمت هذه الخطوة في دفع الانقسام الصهيوني إلى مزيدٍ من التعقيد: الآن، بات رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، ممنوعاً ومقيداً من التواصل مع 120 مسؤولاً تنفيذياً وقضائياً، بما في ذلك بعض الوزراء في حكومته! بالإضافة إلى تلويح وزير الحرب الصهيوني، بيني غانتس، بإمكانية إنشاء لجنة تحقيق في قضية الغواصات الألمانية المرتبطة باتهامات بتلقي رشى من جانب ضباط وموظفين مقربين من نتنياهو. هذا ووصل التصعيد ذروته يوم الأربعاء الماضي بإعلان غانتس أنه في حال لم يتم التوصل إلى حل لأزمة الميزانية الحكومية حتى نهاية الشهر الجاري فإنه سيلجأ إلى خطوات برلمانية من أجل تعجيل الانتخابات بما في ذلك إمكانية حل الكنيست، وذلك بعد استقالة وزير السياحة أساف زمير الذي أكد أنه «قلق من أن الدولة على وشك الانهيار التام».
على الضفة الأخرى من المشهد، تشهد الساحة السياسية الفلسطينية العديد من اللقاءات التي تهدف إلى إتمام جهود وقف الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وتوحيد الموقف الفلسطيني، ولا سيما تلك التي تجري بتيسيرٍ من موسكو التي تهدف إلى دفع هذا المسار بعد توقفه عن العمل لوقتٍ طويل وبشكلٍ خاص بسبب الوساطات غير الجدية التي كانت موجودة سابقاً. والجدير بالذكر أن روسيا سبق لها أن أعلنت في شهر آب الماضي عن عزمها دعوة الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية للاجتماع في موسكو من أجل تعزيز مسار المصالحة بعد أن نجح الاجتماع الذي نظمته هي أيضاً في شباط العام 2019، والذي ضمّ 12 فصيلاً، في تنسيق الموقف الفلسطيني بوجه إعلان الولايات المتحدة عن صفقة القرن في ذلك الحين.
ما ينبغي تثبيته في هذا الإطار هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدت فعلياً أية قدرة على لعب دور الوساطة في القضية الفلسطينية، وهو ما يمثل بحد ذاته إنجازاً من شأنه أن يساهم في الحد من الخسائر التي تكبدها الشعب الفلسطيني والقضية عموماً جراء القبول بـ«الوساطة» الأمريكية سابقاً. وإذا كانت الأصوات تخرج اليوم من داخل الولايات المتحدة ذاتها لتؤكد أن «إسرائيل خاسرة» أياً كان الرئيس الأمريكي الذي سيدخل البيت الأبيض بعد الانتخابات الأمريكية، فإنه من الضروري فلسطينياً تسريع عملية وقف الانقسام والاستفادة من الفرص التي يتيحها الظرف الدولي الجديد القادر على تسهيل الوصول إلى اتفاقات حدها الأدنى هذه المرة هو تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة التي تم اتخاذها خلال النصف الثاني من القرن العشرين ولم يجري تطبيقها نتيجة للتفرد الأمريكي عالمياً.