في مجلس الأمن: واشنطن وحيدة في الزاوية... مرة أخرى!
للمرة الثانية خلال ما يقارب الاسبوعين، تجد الولايات المتحدة نفسها وحيدة ضد الأغلبية العظمى لأعضاء مجلس الأمن في التصويت على مشروع قرار مقترح. وفي حين أن التفاصيل تتباين، فإن الفكرة الرئيسية هي أن الولايات المتحدة أصبحت معزولة بشكل متزايد وأكثر علانية في هذا المنتدى الدولي، وهو أمر يشير إلى ما وراء تفاصيل القضايا المطروحة على الطاولة؛ يشير إلى التغير السريع لميزان القوى الدولي، الذي خرج من حقبة الأحادية القطبية المشؤومة.
في 14 آب 2020، طرحت الولايات المتحدة اقتراحاً بتمديد حظر الأسلحة على إيران وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231 (2015)، والذي تم اعتماده بالإجماع في 20 تموز 2015 ودخل حيز التنفيذ في 18 تشرين الأول 2015، وكان من المقرر أن تنتهي صلاحيته خلال خمس سنوات من ذلك التاريخ، أي خلال الشهر المقبل. وكانت النتيجة رفضاً مدوياً لاقتراح الولايات المتحدة، التي وجدت نفسها بمفردها مع جمهورية الدومينيكان في التصويت على التمديد، في حين صوت عضوان ضده وامتنع 11 عضواً عن التصويت. واقترحت الولايات المتحدة تمديد تطبيق الفقرات ذات الصلة «حتى يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك». بمعنى، إبقاء حظر الأسلحة المفروض على إيران مفتوحاً، حتى صدور قرار من مجلس الأمن يكون للولايات المتحدة حق النقض فيه.
وهذا يعبر تماماً عن مدى توهم الولايات المتحدة بشأن قدرتها على إقناع حلفائها التاريخيين - الغرب - بأن يحذوا حذوها في مثل هذا النوع من القرارات والقضايا. في غضون ذلك، أدت صدمة واشنطن بأن اكتشفت نفسها بمفردها بعيداً عن جميع «أصدقائها» الذين أداروا ظهورهم لها، إلى نوبة من التصريحات غير المنطقية حول ما ستفعله وكيف ستفعله، مع تصعيد إلى مستوى توجيه التهديدات بالأعمال أحادية الجانب – والذي ليس شيئاً جديداً بالنسبة للولايات المتحدة على أي حال.
بالانتقال إلى يوم الإثنين، 31 آب 2020، وجدت الولايات المتحدة نفسها وحيدة مرة أخرى، حيث استخدمت حق النقض ضد قرار مقترح يتعلق بمقاتلي الدولة الإسلامية «داعش» الأجانب. وفي هذه المرة، صوتت 14 دولة من أصل 15 دولة عضو في مجلس الأمن لصالح تبني القرار، ووقفت الولايات المتحدة بمفردها في الزاوية. وكأنها بذلك تنتقم من رفض مشروع قرارها المقترح المذكور أعلاه قبل 17 يوماً، فاستخدمت حق النقض ضد القرار المقترح.
يتعلق مشروع القرار بإجراءات لمحاكمة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وإعادة تأهيلهم ودمجهم، وهو أمر تم إدراجه في السابق في قرارات أخرى لمجلس الأمن. في جوهره، لم يكن القرار المقترح جديداً، إلا أنه أعاد التأكيد على بعض النقاط المتعلقة بالنساء المرتبطات بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، وشمل أيضاً أساليب طويلة الأجل لمكافحة التطرف العنيف.
بالنسبة لسورية والمنطقة بشكل عام، تنبع أهمية هذا القرار من تصاعد نشاط العناصر المتطرفة التي دخلت المنطقة خلال السنوات الماضية، وخاصة بالنسبة لنا في سورية، حيث سيتعين علينا التعامل مع هذه القضية في الداخل بالتوازي مع عملنا نحو حل للخروج من الأزمة الحالية في إطار التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015). واستخدمت الولايات المتحدة ذريعة القرار المقترح لتضمين العودة إلى الوطن كخطوة أولى ضرورية، يتم بموجبها إعادة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأصلية أو البلدان التي يحملون جنسيتها.
نقول «ذريعة» هنا لأن مسألة العودة إلى الوطن يمكن معالجتها وسوف يتم التعاطي معها، سواء وردت في القرار أم لا، وقد تم تناولها في أمثلة أخرى في الماضي في أجزاء أخرى من العالم وحتى في سياق سورية. بمعنى أن هذه المشكلة لا ينبغي، ولا تكون عادةً، سبباً يدفع الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض ضد مثل هذا القرار، ولكن في النظام العالمي سريع التغير الذي يسحب البساط من تحت قدميها، تجد أنه من الأفضل استخدام استراتيجية: إما قيادة اللعبة أو تخريبها على الآخرين.
يبدو أن خيار الولايات المتحدة هو التخريب...