ماكرون بونابرت و«ثورة الأرز2»
بدأ الاستثمار السياسي في انفجار بيروت حتى قبل أن يهدأ غباره ودماره، وقبل أن يوارى شهداؤه الثرى.
جهات سياسية من تلك التي شاركت في «ثورة الأرز1» سارعت إلى التبرؤ من المسؤولية عبر إلقائها على الفريق السياسي المناوئ، رغم أنّ هذه الأولى، كما الثانية، كان لها وزراء ومسؤولون عبر السنوات الماضية، كانوا بين «المهملين» الذين تركوا القنبلة الموقوتة هانئة في العنبر رقم 12، ولسنوات.
زيارة ماكرون اليوم، وضعت نقاطاً إضافية على حروف الملهاة القادمة؛ تحقيق دولي- شروط سياسية- تعاون مع البنك الدولي- مؤتمر دولي على غرار باريس وسيدر- حوكمة رشيدة- بناء نظام سياسي جديد- «أريد أن أقترح اتفاقاً سياسياً جديداً في لبنان»- و«أظهرت التجارب أن العقوبات ليست أفضل طريقة إلا أنني لا أستثني أن يكون هناك عقوبات في المستقبل» و«بحبك يا لبنان».
القناة السعودية (العربية الحدث)، سرّبت عما أسمته مصادر في الإليزيه، ثمانية شروط للمساعدات الغربية من المفترض أنّ ماكرون قد عرضها أمام المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم (وهي تسريبات تبيّن بعد ساعات قليلة أنها غير صحيحة، ولكنها مع ذلك تشير إلى رغبات وآمال). الطريف بين تلك البنود هو بالذات البند الأخير الذي يقول: «في حال رفض المسؤولين هذه المطالب سيصدر قرار عن مجلس الأمن خلال 10 أيام يقضي بتكليف حلف الناتو تولي فرض الأمن في لبنان وتنفيذ النقاط أعلاه».
إذ يشكل هذا البند مدخلاً جيداً للعودة إلى أرض الواقع؛ فمجرد ذكر مجلس الأمن الدولي، من شأنه أنْ يحطم التهويمات العصابية في البنود التي تسبقه. مجلس الأمن، يعني أن هنالك روسيا والصين، ويعني أنّ حلف الناتو المظفر ليس مظفراً وليس مطلق اليد، لا في لبنان ولا في غير لبنان.
بالعودة إلى الجهات السياسية اللبنانية، وما يظهر من علائم محاولة البعض منها ركوب موجة الحدث لعل وعسى تقوده نحو ثورة أرز بنسخة ثانية، كتلك التي أعقبت اغتيال الحريري، فإنّ من الضرورة بمكان الوقوف أمام جملة تحديات داخلية وخارجية.
أولاً، النظام السياسي القائم في لبنان، منذ الطائف، هو في جوهره نظام تابع بالمعنى الاقتصادي وبالسياسي تالياً، ولن يكون من الممكن تأمين نجاة لبنان واللبنانيين دون تغيير جذري يستند إلى التوازن الدولي الجديد.
ثانياً، المواقف الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، أثبتت عبر عقود متتالية، نفاقها ومعاداتها لمصالح عموم الشعب اللبناني، ومحاولاتها الاستثمار في البنى الطائفية. وما العقوبات الغربية التي لم يكّلف ماكرون نفسه نقاشها أو المطالبة بإيقافها ولو مؤقتاً، إلا دليل واحد من بين عشرات الأدلة على ذلك النفاق. ينسحب هذا الكلام نفسه على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي.
ثالثاً، ولأن المواقف الغربية كذلك، والمصالح الغربية كذلك، فإنّ من الضرورة بمكان الانفتاح شرقاً إلى الحدود القصوى، بما في ذلك طلب المساعدة المباشرة من الصين وروسيا، اقتصادياً وسياسياً.
رابعاً، في المعادلة السياسية الداخلية، فإنّ عملية انتقال آمن من النظام السياسي القائم نحو نظام سياسي جديد، وكما وضحت تجارب عديدة في المنطقة، لا بد أن تمر عبر عملية حوار سياسي لا من النمط التحاصصي المسمى (بالحوار الوطني)، بل عملية حوار تشمل بالإضافة إلى القوى التقليدية، القوى الجديدة التي في طور التبلور للتعبير عن الحركة الشعبية الناشئة.
إذا كان التاريخ قد سجل في صفحات التراجيديا العظيمة اسم نابليون بونابرت ومن ثم في صفحات الملهاة اسم ابن أخيه لويس بونابرت... فلا بد أن فصلاً ثالثاً، أدنى من التراجيديا وأدنى من الملهاة، سيسجل فيه اسم السيد ماكرون... ربما يكون ذلك فصلاً في التهريج الرديء.