عام الانسحابات العسكرية الأمريكية

عام الانسحابات العسكرية الأمريكية

بعد تفاقم التراجع الاقتصادي والسياسي منذ بداية العقد الحالي، وجد الضعف الأمريكي تعبيراته على المستوى العسكري أيضاً في انتشاره ووزنه، ليتميز هذا العام بأنه لحظة بدء الانسحابات العسكرية التي لن تتوقف عند ما وصلت إليه، بل ستتزايد وتتسارع خلال المراحل القادمة...

قُبيل الانسحاب من العراق

إثر تزايد الضغوط المعادية للتواجد العسكري الأمريكي في العراق ومجمل المنطقة، بالإضافة إلى تصعيد حدة التهديدات العسكرية بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية، وتزايد نشاط حركات المقاومة الشعبية والمسلحة ضد هذا التواجد عبر استهداف القواعد الأمريكية بشكل مباشر، صوّت مجلس النواب العراقي بتاريخ 05 كانون الثاني 2020 على قرار يلزم الحكومة العراقية بالعمل على إلغاء طلب المساعدة الذي قدمته سابقاً إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، وإنهاء تواجد أية قوات أجنبية في الأراضي العراقية، والتوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية لارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة على أمن العراق. ولم يكن من الخارجية الأمريكية إلا أن أعلنت عن «خيبة أملها» بهذا القرار داعية إلى إعادة النظر فيه.

منذ صدور القرار وإرسال الشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، لم تهنأ القوات الأمريكية لحظة واحدة، حيث تعاظمت الهجمات ضدها، مُستهدفة القواعد والمطارات والمقرات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية بقصفٍ شبه يومي عبر قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا.

 

بدء وتسلسل الانسحابات الأمريكية من العراق

انسحبت قوات التحالف الدولي بقياده الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن من 5 قواعد عسكرية رئيسية لها وسلمتها للقوات الأمنية العراقية، هي على التتالي:

في 19 آذار: تمّ تسليم «قاعدة القائم» الواقعة في محافظة الأنبار قرب الحدود العراقية-السورية.

في 26 آذار: جرى تسليم «قاعدة القيارة» في جنوبي الموصل.

في 29 آذار: خرجت القوات الأمريكية من «قاعدة ك-1» في كركوك وسلّمتها للقوات الأمنية العراقية.

في 04 نسيان: سُلّمت «قاعدة التقدّم» الجوية والتي تُعرف باسم «قاعدة الحبّانية» في محافظة الأنبار.

وأخيراً وليس آخراً، جرى بتاريخ 25 تموز: تسليم قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة «قاعدة بسماية» العسكرية في جنوب شرق البلاد إلى القوات الأمنية العراقية بعد ساعات من تعرضها لهجوم بـ 4 صواريخ من نوع كاتيوشا، حالها بذلك كحال جميع القواعد السابقة.

من الجدير بالذكر أيضاً أنه في شهري آذار ونسيان تم الإعلان من الجانب الفرنسي والتشيكي عن بدء انسحاب قواتهما بشكل كامل، كما أعلنت السفارة الأمريكية في بغداد عن إجلاء جميع موظفيها غير الأساسيين، وتسليم مقر التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في محافظة نينوى ومقر المستشارين العسكريين للتحالف الدولي غربي العاصبة بغداد للسلطات العراقية أيضاً.

ويجري التلميح الآن - بشكل غير رسمي- في وسائل الإعلام عن نيّة واشنطن تسليم قاعدة التاجي في محافظة بغداد، علماً أن التمركز الرئيسي للقوات الأمريكية بات شبه محصور في «قاعدة عين الأسد» الواقعة في محافظة الأنبار.

تُحاول واشنطن إيهام الجميع بأن موضوعة الانسحابات هذه جارية وفقاً «لإرادتها» بذريعة الوباء الفيروسي المنتشر في العراق، إلا أنّ جُل ما فعله كوفيد-19 هو إعطائها الفُرصة والغطاء للقيام بهذه الخطوات بأقل قدر ممكن من الحديث الإعلامي عنه، في فترة شهر آذار حين كانت وسائل الإعلام تضجّ بأنباء انتشار الوباء الفيروسي عالمياً في حينه.

 

أفغانستان

ضمن الفترة ذاتها، سارعت الولايات المتحدة لسحب قواها المنتشرة في أفغانستان تنفيذاً لاتفاق الدوحة الموقع بينها وبين حركة طالبان، ليُعلن بتاريخ 10 آذار عن انسحاب القوات الأمريكية من قاعدتين عسكريتين تقعان في ولايتي هلمند جنوب البلاد، وهرات في غربها.

وفي 15 تموز قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، جوناثان هوفمان، بأن الولايات المتحدة قد أتمّت حتى تاريخه الانسحاب من 5 قواعد عسكرية لها في أفغانستان، وخفّضت حجم قواتها.

ألمانيا

إثر الخلافات السياسية بين واشنطن وبرلين، بسبب تطور علاقات الأخيرة مع موسكو وعدم التزامها بمخصصات الإنفاق العسكري على حلف الشمال الأطلسي، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب 12000 جندي أمريكي من الموجودين في ألمانيا، بالتوازي مع الفترة التي انطلقت بها حركة احتجاجات شعبية عمّت كامل الولايات المتحدة.

 

إنها البداية فقط

إنّ هذه الانسحابات العسكرية الأمريكية جميعاً ليست سوى نتاج مباشر للتراجع الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، وتزايد المقاومة الشعبية والرفض الدولي لها في أماكن تواجدها، ولا تزال في خطواتها الأولى التي لن تنتهي إلا بعودة الولايات المتحدة للعب دور يتوافق مع وزنها السياسي والاقتصادي والعسكري الجديد، والذي فقدت فيه السيطرة والهيمنة الكاملتين.

آخر تعديل على الإثنين, 03 آب/أغسطس 2020 14:31