هل تعيش البورصات في كوكب آخر؟!
ملاحظة المحرر:
تحمل مادة الكاتب هاميلتون نولان المنشورة في موقع inthesetimes.com، والتي نقدم هنا ترجمة لجزء منها، شحنة غضب عالية اتجاه الانفصال بين أحوال عشرات الملايين من أبناء الطبقة العاملة الأمريكية وبين حال أباطرة البورصات؛ ففي الوقت الذي تستمر أوضاع العمال فيه بالتدهور، تعيش البورصات «انتعاشاً» أعاد لها تقريباً كل ما خسرته منتصف شهر آذار الماضي.
وإذا كان نولان يرى بوضوح مدى الانفصال عن الواقع، وعن الإنتاج الحقيقي، الذي تعيشه البورصات، وهو أمر لا يمكن إنكاره، إلا أنّ ما يغيب عن تحليله هو أنّ هذا الانفصال مؤقت، مؤقت وجداً... فالفقاعة لا بد لها أن تنفجر في نهاية المطاف. وفي هذا السياق فقد حذر المحلل الاقتصادي المعروف غاري شيلينغ، في مقابلة أجراها مؤخراً مع CNBC، من أنّ الانتعاش الذي يتباهى به مضاربو وول ستريت ليس أكثر من انتعاش مؤقت جداً، متوقعاً أن تعود الأسواق خلال العام القادم للانخفاض بحدود 40% من قيمتها، مذكّراً بأنّ أزمة 1929 سلكت طريقاً مشابهاً؛ حيث شهدت البورصة انتعاشاً سريعاً بعد الضربة الأولى، لكنه كان انتعاشاً عابراً، سرعان ما تبخر، وبقي الكساد مستمراً عملياً حتى الحرب العالمية الثانية.
◘بقلم: هاملتون نولان – تعريب: عروة درويش
الفارق بين سوق الأسهم والاقتصاد الحقيقي يدمر حياتنا- هاميلتون نولان
يتزايد الحديث في الغرب عموماً، وفي الولايات المتحدة خصوصاً، عن الهوّة بين الاقتصاد الحقيقي الذي يشهد العاملون فيه أزمة البطالة المتزايدة والركود الخانق ونقص الحماية وغيره، وبين أسواق الأسهم التي يسيطر عليها الأثرياء والتي شهدت رفاهاً عاد بالنفع على طبقة الأثرياء «راجع مقال قاسيون: 11 ثري يزيدون ثرواتهم الفاحشة خلال فترة الوباء». ورغم أنّ تحليل هذه الظاهرة لا يزال قاصراً بمعظمه تبعاً لظروف الهيمنة الرأسمالية الشديدة في العقود الثلاثة الماضية، فمجرّد خروج الأمر للنقاش العام والإعلاني يعكس وعي الناس للفرق بين الاقتصاد الحقيقي من جهة، والاقتصاد المالي الطفيلي من جهة أخرى، وسعيهم لإيجاد إجابات وحلول لبؤسهم ومشاكلهم.
تقدّم قاسيون ضمن هذا المزاج ترجمة لجزء من مقال طويل نشر في صحيفة «In These Times» الأمريكية الشهيرة الصادرة في إلينوي شيكاغو بعنوان: «الانفصال بين سوق الأسهم والاقتصاد الحقيقي يدمّر حياتنا»:
في شهر نيسان، في الوقت الذي سجّل فيه 30 مليون أمريكي طلبات للحصول على إعانة بطالة، وأغلقت الأعمال الصغيرة البائسة أبوابها، وارتفعت المطالبات بالإضراب عن دفع الإيجارات، وأعلنت الحكومة توقعاتها بأعوام من التقشف الشديد – في هذا الوقت تحديداً، كانت أسواق الأسهم في أفضل حالٍ لها على مدى ثلاثين عاماً.
نشهد يوماً بعد آخر قصصاً عن الانهيار التام في الاقتصاد الحقيقي، وبجانبها قصصُ الصعود الكبير لأسواق الأسهم. وبعد عمليات بيع حادة في شهر آذار، عاد مؤشّر S&P «مؤشّر S&P: هو مؤشّر لأداء أكبر 500 شركة في سوق الأسهم في الولايات المتحدة، ويعتبره كثيرون من أفضل المؤشرات التي تمثّل سوق الأسهم الأمريكي» إلى حيث كان في خريف 2019، وكأنّ هذا الوباء العالمي المدمّر لم يكن بالنسبة لأسواق الأسهم أكثر من إزعاج لحظيّ عابر.
الانفصال الصارخ بين الاقتصاد الحقيقي، حيث هناك بشر يعملون ووظائف وفواتير يجب دفعها، وبين اقتصاد طبقة المستثمرين الذي يجسده سوق الأسهم، هو أحد أكثر القضايا السياسية الملتوية والوحشية في عصر الأزمات الذي نعيشه اليوم. فرغم أنّ مؤيدي السوق الحرة يحبون أن يذكروا عند كلّ حديث في هذا الأمر واقعة أنّ نصف الأمريكيين اليوم يملكون أسهماً، فالحقيقة أنّ نصف هؤلاء يملكون أسهماً قليلة جداً بحيث لا تؤثّر على حياتهم الاقتصادية اليومية على الإطلاق.
إنّ نصف الأسهم في أمريكا مملوكة للـ 1% الأكثر ثراء، وهؤلاء هم الجمهور المستهدف من قبل أسواق الأسهم ومحركها الرئيس. التأثير الرئيسي لأسعار الأسهم المرتفعة اليوم هو قيامها بحماية الأثرياء من عواقب دمار الاقتصاد الحقيقي. فطالما أنّ الأسهم بخير، فليس هناك من حاجة بالنسبة للطبقة التي تسيطر على أغلب مؤسسات أمريكا لتشعر بإلحاح إنقاذ حياة الجميع.
تشبه أسواق الأسهم القويّة الجدار الصلب المبني حول الأغنياء والمتنفذين. طالما أنت خارجه فيمكن أن تخسر عملك وتجوع وتموت، ولن يؤدي ذلك حتّى لخدش فقاعة الأمان التي تحيط بهم.