عن نقاشٍ آن أوانه

عن نقاشٍ آن أوانه

في هذه الأيام، تسقط مسلمات كثيرة تاركة خلفها مجالاً خصباً للتفكير وإعادة النظر في مفاهيم كثيرة كان مجرد الاقتراب منها ووضعها على بساط البحث شيئاً محرماً بالنسبة للعديد من الأوساط. ومن هذه المفاهيم، مفهوم «حقوق الإنسان» الذي تتعرض صيغته الغربية لضرباتٍ كبرى، نظراً للتمايز الذي أحدثته أزمة فيروس كورونا بين نموذجين في التعاطي مع الأزمات.

تبرز التجربة في الصين بوصفها محدداً للنموذج الأول، النموذج القائم على تقديم الرعاية الصحية لكل المصابين، وبشكلٍ عادل ومتساو، واستنفار قدرات البلاد لهدفٍ واحد هو السيطرة على الفيروس والحد من انتشاره. النموذج الذي لا يعير اهتماماً للخسائر المالية إن كان تلافيها يتعارض مع سلامة الإنسان التي هي الاعتبار الأول المحدد للسياسات.

في المقابل، يتمثل النموذج الثاني بالطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية للتعاطي مع الفيروس. وهو النموذج الذي يفاضل بين تكاليف السيطرة على الجائحة وتكاليف منعها، ويتخذ طريقاً واحداً لا بديل عنه، هو طريق الربح مهما نتج عن ذلك من مآسٍ تقع على الناس. وهنا تحديداً يمكن تفسير التباطؤ في اتخاذ قرارات الإقفال في الغرب، والتصريحات المستهترة لقادته.

وشاهد العالم برمته، كيف وقف مفهوم «حقوق الإنسان» على الطريقة الغربية عارياً تماماً وكاشفاً عن جوهره الحقيقي المتجسد بالدعوات لاكتساب «مناعة القطيع» ضد فيروس حصد وسيحصد للأسف المزيد من الأرواح التي أجبرت على الدخول في معادلة «لينجو من يتمتع بمناعة أقوى».

وبينما توصد الولايات المتحدة ودول المركز في أوروبا أبوابها جيداً، يظهر للعالم نموذجاً مشرقاً من دولٍ عقدت عزمها لا على مكافحة الفيروس داخل حدودها فحسب، بل على مدّ طوق نجاة للدول الأضعف. هل يرى بعض المسبّحين بحمد «الغرب الإنساني» أن الصين التي أوقفت كماً كبيراً من إنتاجها خلال فترة انتشار الفيروس، وهي اليوم على مشارف السيطرة التامة عليه داخل أراضيها- تتحدث عن ضرورة مكافحة الفيروس عالمياً أكثر مما تتحدث عن تعويض خسائرها خلال فترة التوقف؟

يقارن كثيرون بين ما نعيشه اليوم، وما عاشته أوروبا حين اجتاحها الطاعون في القرن الرابع عشر، وهو المرض الذي كان في نهاية المطاف واحداً من الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بالمنظومة القائمة على سلطة الكنيسة، المنظومة التي أثبتت عجزها التام عن إنقاذ أرواح الناس. وبالقياس على ذلك، يمكن القول إن فشل منظومات الحكم الغربية أمام هذا الوباء، سيسرع من انهيارها ومن صعود البديل الذي يضع سلامة الإنسان ومنظومة حقوقه الخالية من الزخرفات الكلامية والعبارات الفضفاضة فوق أي شيء آخر.