سيستغلون الوباء ليحكمونا ولن نسمح لهم
بول ستريت بول ستريت

سيستغلون الوباء ليحكمونا ولن نسمح لهم

كتب بول ستريت مقالاً في مجلة كاونتر بانش يسـخر فيه من الطريقة التي تعاطى فيها الإعلام السائد مع وباء كورونا وكأنّه أتى «مفاجئاً» أو «غير متوقع» تاركاً آثاره السلبية خارج مجريات العمل الاعتيادي الرأسمالي. لكنّ هذا الكلام هراء. ففيروس كورونا المستجد ليس حقاً مفاجئاً لأيّ شخصٍ لديه علمٌ بسيط بتاريخ الأمراض.

تعريب وإعداد: عروة درويش

 

الأوبئة مثلها مثل الأزمات المالية، لطالما كانت سمة متكررة في تاريخ البشرية في ظلّ الرأسمالية. وكما يشير المقال، فإنّ مئات من الأوبئة قد حصدت أرواح ملايين البشر. وفي القرن الحادي والعشرين وحده، هناك 13 وباء قاتل، انتشر 4 منها على طول العالم «أنفلونزا الطيور وميرس وزكا وكورونا المستجد».

ويشير الكاتب إلى أنّ المجتمع الديمقراطي الحقيقي كان لينفق الأموال التي ينفقها على التسلّح على التحضير للأوبئة والقطاع الصحي، لكنّ المجتمعات الرأسمالية ليست عقلانية ولا نزيهة ولا ديمقراطية. فهذه المجتمعات تهيمن عليها طبقة حاكمة تخشى التعليم والمعرفة العامة، وتعلم أنّها ستحدّ من بنائها لإمبراطورية الربح الخاص ولو على حساب الاحتياجات العامة. فالفيروسات المميتة، ولو كان لها أصلٌ طبيعي، تحملها الرأسمالية بميلها للتوسع إلى كلّ مكان في العالم.

يحفر الرأسمال عميقاً ويغرز بمخالبه في كلّ مكان بسعيه للتوسع لإنقاذ معدلات ربحه المرتفعة. لطالما كانت الرأسمالية محكومة بالميل نحو الفقاقيع والكساد. فعندما تقف حدود العرض والطلب والاستثمار المفرط في وجه المزيد من الربح «الاعتيادي»، يتدفق رأس المال ناحية الاستثمار المالي ليضخم الأصول مانحاً إياها قيمة أعلى بكثير من قيمتها الاقتصادية. لكنّ «وهم الأوراق المتحركة» يصطدم في نهاية المطاف بالواقع القاسي للقيمة المادية. تنهار عندها فقاقيع المضاربة، ما يقود بدوره إلى تخفيض قيمة رأس المال والإفلاسات والبطالة والإخلاء القسري والفقر المتعمق ومعدلات الوفيات والمرض الأعلى وغيرها من النتائج المرعبة.

منذ عام 1837، حدث 42 انهيار لأسواق الأسهم. لنرى بعدها جماهير الناس العاديين وهم يدفعون الثمن، بالبطالة وفقدان المدخرات لقيمتها وانهيار صناديق التقاعد المربوطة بشكل قسري بالأسواق المالية. ووسط كلّ هذا تتركز الثروة حيث يستولي الرأسماليون على المزيد من كلّ شيء ويشترونه بأزهد الأثمان. ففي الوقت الذي تكون هذه المصارف والشركات الكبرى على وشك الانهيار، تضغط وتطلب بخطط إنقاذ لنخبها وأرباحها تحت شعارات كالتي سمعناها في الانهيار المالي الأخير «كبيرة جداً لتسقط»، وتترك الطبقة العاملة على النقيض دون أدنى حماية. هذا ما يسمى سخرية «الاشتراكية للأثرياء والرأسمالية للفقراء».

 

  • كورونا وأعراض الرأسمالية:

يسأل الكاتب: هل فيروس كورونا المستجد، وهو أحد أعراض الرأسمالية المتأصلة بعولمتها، هو من يسبب الانهيار الحالي لأسواق المال، الانهيار الذي يبدو مؤكداً تخطي نتائجه لما حدث في الكساد الكبير؟

يجيب: نعم، من حيث أنّه عود الثقاب الذي أشعل الفتيل في كومة قشّ الأزمات المتراكمة. ولا، فكومة قشّ الأزمات هذه كانت جاهزة بانتظار عود ثقاب عرضي. لو لم يقم فيروس كورونا المستجد بلعب هذا الدور، كان ليقوم به أمر آخر.

لقد تخطى النظام مسألة «التصحيح»، ويعود ذلك للتضخم الهائل في قيم الأصول، ومعدلات التسعير إلى المكاسب، وللشركات المدعومة للدين بشكل يثير السخرية، واللامساواة الهائلة، والأجور غير المناسبة بشكل يثير الرعب، وديون المستهلكين والطلاب الفادحة، ورفع القيود التشريعية السام عن القطاعات الاجتماعية والمالية.

وها نحن ذا من جديد: الأثرياء يطالبون بتعويضهم لتصبّ الأرباح المسلوبة من جيوب الناس في محافظهم هم ومدرائهم التنفيذيون ذوي الأجور المليونية. علينا ربّما التوقف عن التوسل، والتحرّك بشكل جماعي لرأب الصدع الاجتماعي والبيئي والوبائي، علينا تطبيق الديمقراطية.

 

  • مالعمل؟

يقول الكاتب بأنّه من غير المنطقي أن ننزل إلى الساحات والشوارع اليوم وسط أزمة الكورونا، لأنّ ذلك يهدد بنشر الفايروس. وعلاوة على أنّ ذلك ينجي النخب الحاكمة من تذوق غضب الشارع، يرى الكاتب الوجه التهكمي لهذه المصيبة التي تضرب البشرية من باب أنّها هدية لنوعين من النخب: 1 – الذين يسوقون بأنّ الانتخابات بشكلها الحالي «إدامة حكم النخب» هي الطريق الوحيد للتغيير. 2 – الذين يسوقون للتعصب القومي والديني بوصفه ملاذنا من الأزمات الحالية.

وكما كتب المؤرخ والصحفي تيري توماس: «سيستخدمون حالات الطوارئ لدفعنا أكثر في طريق الاستبداد... وفي الوقت الذي سنكون فيه مشغولين بالبقاء في الداخل مركزين على إبقاء أنفسنا ومن نحب بمأمن، سيعمل هؤلاء بجهد مضاعف لإيجاد الوسائل اللازمة للتحكم بنا بشكل فاعل حالما تنتهي الأزمة...».

يشير الكاتب إلى ضرورة عدم السماح لهذا بالحصول. يقول: «يمكننا الاحتجاج من منازلنا، يمكننا رفع الرايات والتحدث بأعلى صوت. ربّما تسوء الأحوال لنجد نفسنا قد نزلنا إلى الشوارع رغماً عنا، حتى لو اضطررنا للسير بعيدين عن بعضنا ستّة أقدام... علينا أن نحرص على ألّا نمنح أسياد المال هؤلاء فرصة استخدام مرضنا ليفرضوا علينا من جديد طاعونهم السام: نظاماً ربحياً يدمرنا والعالم».