غزاة مُلقَّحون؟ ثلاثون ألف جندي أمريكي إلى أوروبا بلا كمّامات!
مانليو دينوتشي مانليو دينوتشي

غزاة مُلقَّحون؟ ثلاثون ألف جندي أمريكي إلى أوروبا بلا كمّامات!

رفعت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيفها لحالة التأهب لفيروس كورونا في إيطاليا إلى المستوى الثالث، أي «تجنب السفر غير الضروري»، ثم إلى الرابع بالنسبة للومباردي وفينيتو، أيْ «لا تسافروا». ألغت شركتا الخطوط الجوية «أمريكان إيرلاينس» و«دلتا إيرلاينس» جميع رحلاتهما بين نيويورك وميلانو، واعتُبر المواطنون الأمريكيون الذين يسافرون إلى ألمانيا وبولندا ودول أوروبية أخرى تحت حالة التأهب من المستوى الثاني وعليهم اتخاذ «احتياطات متزايدة». ولكن هناك فئة من المواطنين الأمريكيين معفاة من هذه المعايير الصحية: الجنود العشرون ألفاً الذين بدأوا في الوصول من أمريكا إلى موانئ ومطارات أوروبا، لينضموا إلى عشرة آلاف آخرين موجودين مسبقاً، من أجل برنامج التدريبات العسكرية «أوروبا المدافِعة 20».

٭ مانليو دينوتشي

ترجمة وإعداد: قاسيون

 

«أكبر انتشار منذ الحرب الباردة»

اجتمع وزراء الدفاع من 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، 22 منها أعضاء أيضًا في الناتو، يومي 4 و5 مارس في زغرب، كرواتيا. لم يكن الموضوع الرئيس للاجتماع (الذي مثّل فيه لورنزو غيريني، من الحزب الديمقراطي، إيطاليا) هو السعي للاستجابة لأزمة فيروس كورونا التي تعطّل الحركة المدنية، بل تركز النقاش حول أفضل السبل لتطوير «الحراك العسكري». الاختبار الحاسم هو برنامج للتدريب العسكري تحت اسم «أوروبا المدافِعة عشرون» Defender Europe 20 والمقرر إجراؤه خلال شهري نيسان وأيار هذا الربيع. وقد وصفه الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، الذي شارك في اجتماع الاتحاد الأوروبي، بأنه «أكبر انتشار للقوات الأمريكية في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة».

وصلت أول وحدة مدرعة من ميناء سافانا، الولايات المتحدة الأمريكية في بريمرهافن في ألمانيا. وحسب ما ورد عن الجيش الأمريكي في أوروبا، يبلغ عدد الجنود الذين يتوافدون حاليًا من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا 20,000 جندي، بالإضافة إلى 10,000 آخرين موجودين سلفاً في مواقعهم الأوروبية بالفعل، فضلاً عن 7,000 جندي من 17 دولة عضو في حلف الناتو. وسوف ينتشرون «في جميع أنحاء المنطقة الأوروبية». ومجموع ما سيكون بحوزة القوات الأمريكية ثلاثة وثلاثين ألف قطعة من المعدات العسكرية، من الأسلحة الفردية حتى دبابات أبرامز الهجومية: منها عشرون ألف قطعة تصل إلى ستة موانئ أوروبية (في بلجيكا وهولندا وألمانيا ولاتفيا وإستونيا)، إضافة إلى ثلاث عشرة ألف قطعة من المخازن التي تم تجهيزها مسبقًا من الجيش الأمريكي في أوروبا، خاصة في ألمانيا وهولندا وبلجيكا.

من الواضح أنهم سيحتاجون بالتالي إلى بنى تحتية كافية لنقلهم. ولكن هناك مشكلة، كما كشف عنها تقرير للبرلمان الأوروبي في شباط 2020: «منذ التسعينيات، تم تطوير البنى التحتية الأوروبية للاستخدام المدني فقط. ومع ذلك، أصبح التنقل العسكري قضيةً رئيسةً لحلف الناتو. وبما أن الحلف يفتقر إلى الأدوات اللازمة لتحسين التنقل العسكري في أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي يمتلك الأدوات التشريعية والمالية للقيام بذلك، يلعب دورًا لا غنى عنه».

وتنوي خطة العمل بشأن التنقل العسكري، التي قدمتها المفوضية الأوروبية في عام 2018، القيام بتعديل «تلك البنى التحتية التي لا تتلاءم مع وزن وأبعاد المركبات العسكرية». على سبيل المثال، إذا كان جسر ما غير قادر على تحمّل وزن رتل من الدبابات، فيجب تدعيمه أو هدمه وإعادة بنائه. وعلى أساس هذا المعيار، يجب إجراء اختبار لقوة الجسر الجديد الذي سيحل في جينس محل جسر موراندي المنهار، لكي يتحمل دبابات أبرامز التي تزن 70 طنًا لكل منها. وستتطلب هذه التعديلات، التي لا فائدة منها للأغراض المدنية، نفقات ضخمة يلقى بعبئها على البلدان الأعضاء في الناتو، مع «مساهمة مالية محتملة من الاتحاد الأوروبي». خصصت المفوضية الأوروبية كمبلغ أولي 30 مليار يورو، وهي أموال عامة مأخوذة من جيوب الشعوب الأوروبية. كما تهدف الخطة إلى «تبسيط الإجراءات الجمركية للعمليات العسكرية ونقل البضائع الخطرة ذات الطراز العسكري».

 

سوبرمانات في بلاد موبوءة

طالب الجيش الأمريكي في أوروبا بتأسيس «منطقة شنغن العسكرية» للسفر والتنقل بلا عوائق، ليس للأشخاص، بل للدبابات. إن تدريب «أوروبا المدافِعة 20» كما تم شرحه خلال الاجتماع في زغرب: «سيمكن من تحديد جميع العقبات التي تعترض التنقل العسكري، والتي سيتعين على الاتحاد الأوروبي إزالتها». وبالتالي سيتم اختبار شبكة النقل والمواصلات في الاتحاد الأوروبي بواسطة 30,000 جندي أمريكي سوف «ينتشرون في جميع أنحاء المنطقة الأوروبية» مع إعفائهم من المعايير الصحية المتعلقة بفيروس كورونا. ويؤكد على ذلك شريط فيديو أظهر أول 200 جندي من الجيش الأمريكي لأوروبا وهم يصلون إلى بافاريا (في ألمانيا) في 6 آذار. بينما في لومباردي (في إيطاليا)، التي لا تبعد عن بافاريا سوى بضع مئات من الكيلومترات، تطبق معايير أكثر صرامة. في بافاريا، التي لوحظ فيها أول تفشٍ أوروبي لفيروس كورونا، نشاهد الجنود الأمريكيين الذين نزلوا للتو من الطائرة، يصافحون مستقبليهم من السلطات الألمانية ويتبادلون القُبلات مع رفاقهم دون أية أقنعة أو كمامات. ويتبادر هنا سؤال عفوي: هل يمكن أن يكونوا قد تمّ تطعيمهم بالفعل بلقاح ضد فيروس كورونا؟

 

الجنرال تود وولترز، القائد الأعلى للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أوروبا، يؤكد أن الاتحاد الأوروبي والناتو وقيادة القوات الأمريكية في أوروبا، قد عملوا معًا لتحسين البنية التحتية. سيسمح ذلك للقوافل العسكرية بالتحرك بسرعة على طول 4000 كيلومتر من طرق العبور. وسيعبر عشرات الآلاف من الجنود الحدود لإجراء تدريبات في عشر دول. وفي بولندا، سيصل الجنود الأمريكيون إلى اثنتي عشرة منطقة تدريب مجهزة بنحو 2500 سيارة. وسيتوجه مظليون أمريكيون من اللواء 173 في فينيسيا، وإيطاليون من اللواء فولجور المتمركز في توسكانا، إلى لاتفيا لإجراء تدريبات مشتركة.

 

«ريد أليرت»

هدف التدريبات «زيادة القدرة على نشر قوة قتالية رئيسة في أوروبا من الولايات المتحدة». وسيتم ذلك وفقًا لجداول زمنية وإجراءات تجعل من المستحيل عملياً إخضاع عشرات الآلاف من الجنود للمعايير الصحية التي وضعت للتعامل مع الفيروس التاجي، ولا منعهم من الاختلاط بالسكان المحليين خلال فترات الاستراحة. علاوة على ذلك، ستقدم فرقة موسيقى الروك في أوروبا التابعة للجيش الأمريكي سلسلة من الحفلات الموسيقية المجانية في ألمانيا وبولندا ولاتفيا، والتي من المؤكد أنها ستجذب جمهورًا كبيرًا. وهكذا، فإن هذا العدد الكبير من الجنود الأمريكيين سيتم إعفاؤهم من المعايير الوقائية التي تم وضعها للتعامل مع أزمة الفيروس التاجي التي تنطبق على المدنيين. ويكفي التأكيد الذي قدمه الجيش الأمريكي في أوروبا: «فيروس كورونا لدينا تحت السيطرة» و«قواتنا في صحة جيدة».

في الوقت نفسه، لا أحد يفكر في الأثر البيئي للتمرين العسكري بهذا الحجم. ستشارك دبابات أبرامز الأمريكية - كل منها تزن 70 طنًا، مع طلاء درع مصنوع من اليورانيوم المُنَضَّب، وتستهلك 400 لتر من الوقود كل 100 كيلومتر، مما ينتج تلوثًا كبيرًا. في هذه الحالة، ما هو رد فعل الاتحاد الأوروبي والسلطات الوطنية، وماذا تفعل منظمة الصحة العالمية حيال ذلك؟ يبدو أنهم يضعون كمامة لتغطية عيونهم وليس أفواههم وأنوفهم فقط.

فضلاً عن ذلك، قد نسأل أنفسنا ماذا يمكن أن يكون الغرض من «أكبر انتشار للقوات الأمريكية في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة»، والذي يعلن رسميًا بأنه من أجل «حماية أوروبا من أي تهديدات محتملة» في إشارة واضحة إلى «الخطر الروسي»، ومتى؟ في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا في أزمة بسبب خطر فيروس كورونا (حتى أن هناك حالة واحدة في مقر الناتو في بروكسل). وبما أن الجيش الأمريكي في أوروبا يخبرنا بأن «تحركات القوات والمعدات في أوروبا ستستمر حتى شهر تموز»، فلا يسعنا إلا أن نتساءل ما إذا كان جميع الجنود الأمريكيين البالغ عددهم عشرون ألفاً سيعودون إلى وطنهم، أم سيبقى جزء منهم مع أسلحتهم. هل يمكن للمدافعين أن يصبحوا غزاةً لأوروبا؟

 

 

٭ مانليو دينوتشي Manlio Dinucci عالم بالجيوسياسة والجغرافية. عن مقالين له (في 9 و15 آذار 2020) بعنوان: «وصول 30 ألف جندي إلى أوروبا بدون أقنعة»، و«الاتحاد الأوروبي يفتح أبوابه للجيش الأمريكي في أوروبا التي أغلقها كورونا»، على التوالي، نشرت ترجمتهما الإنكليزية في «شبكة فولتير» وفي «مركز أبحاث العولمة». الأصل الإيطالي نشر أولاً في «إيل مانيفيستو».

آخر تعديل على الجمعة, 20 آذار/مارس 2020 12:53