موسكو تقلب الأدوار في كييف ...
كما كان متوقعاً، فقد تم تغيير السلطة في كييف فور الإعلان عن انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي، وشعور موسكو بأنها أصبحت طليقة اليدين.
أما الشعوب الغربية التي تم تضليلها على نطاق واسع، فقد تشكل لديها انطباع بأن الشعب الأوكراني قام عفوياً بالاستيلاء على كل القصور العامة.
في الواقع، حين كان الناشطون، وأغلبيتهم الساحقة من النازيين، يقاتلون في ساحة الاستقلال، كان ساستهم يستولون على القصور العامة في شطر آخر من المدينة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن النازيين الأوكرانيين يختلفون كل الاختلاف عن اليمين المتطرف في غرب أوروبا، المنفتح على الصهيونية، (باستثناء الجبهة الوطنية في فرنسا). هؤلاء تم دمجهم إبان الحرب الباردة ضمن شبكات (ستاي بيهايند، ابق في الخلف) التابعة لحلف شمال الأطلسي، المكلفة تخريب الاقتصاد السوفييتي، ثم خضعوا لدورات تدريبية في بولونيا وليتوانيا.
اللافت أيضاً في الأمر أنه تم حقنهم طوال الأشهر الثلاثة من الاحتجاجات بمجموعات من الإسلاميين التتار الذين تم سحبهم من جبهات «الجهاد» في سورية.
التتار، وهم السكان التاريخيون لشبه جزيرة القرم، الذين شتتهم ستالين جراء دعمهم للنازيين أثناء الحرب العالمية الثانية، يتوزعون بشكل عام حالياً بين أوكرانيا وتركيا، وقد برعوا في ميدان الاستقلال بإظهار مهاراتهم «الإجرامية» التي اكتسبوها في سورية: كفقء عيون رجال الشرطة وتقطيعهم إرباً.
غير أن ثورة ميدان الاستقلال كانت تخفي وراء القناع انقلاباً كلاسيكياً، حين أقدم البرلمان الأوكراني وبحضور «دبلوماسيين» أميركيين على انتهاك الدستور الذي ألغاه دون استفتاء شعبي، وعزل رئيس جمهورية في الحكم من دون مناقشة أو محاكمة، ومنح كامل سلطاته التشريعية والتنفيذية للرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات أوليكساندر تورتشينوف.
في شبه جزيرة القرم التي يشكل الروس فيها أغلبية السكان، وحيث تتموضع القوات البحرية الروسية، أخذت «الحمية الثورية» برلمانها المحلي فأطاح هو الآخر بحكومته المحلية «الموالية لكييف»، وشكل حكومة «موالية لروسيا».
ما الذي سيحدث بعد ذلك؟
في الخامس والعشرين من شهر أيار المقبل، سوف تنظم العاصمة البلجيكية بروكسل انتخابات البرلمان الأوروبي، وفي التاريخ نفسه تنظم كييف انتخاباتها الرئاسية، على حين تنظم شبه جزيرة القرم استفتاء يطرح على الشعب حول تقرير مصير شبه الجزيرة. وما إن تنال شبه جزيرة القرم استقلالها حتى يتسنى لها أن تختار إعادة الارتباط مع روسيا التي ظلت جزءاً منها حتى عام 1954.
في المقابل، سوف يترتب على الاتحاد الأوروبي الاستجابة للتطلعات التي أثارتها أوكرانيا، وبالتالي تسديد، لست أدري من أي أموال، جزء سريع من محفظة 35 مليار دولار من أصل ديون أوكرانيا.
لكن القصة لن تنتهي عند هذا الحد، سيترتب على الكرملين مواجهة مشكلات الجزء الشرقي من أوكرانيا وترانيستريا. هذا البلد الصغير المأهول بالمواطنين الروس الذي لا يظهر على أي خريطة عالمية بسبب عدم تمتعه بعضوية الأمم المتحدة، وعلى الرغم من نيله الاستقلال عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، لكنه اعتبر مع ذلك جزءاً من مولدوفيا. قاوم هذا البلد ببسالة الحرب التي شنتها مولدوفيا، والطيران الحربي الروماني، ومستشارو حلف شمال الأطلسي عليه عام 1992، وانتهى به المطاف منذ ذلك الوقت إلى الحفاظ على النموذج الاجتماعي السوفييتي، واعتماد المؤسسات الديمقراطية في آن واحد. أما ضمان أمنه فقد كفلته «قوة حفظ سلام» روسية.
في أحسن الأحوال، فإن مسألة ربط شبه جزيرة القرم بترانيستريا، سيترتب عليه قضم بضع مئات من الكيلو مترات من الساحل، بما فيها مدينة أوديسا. هذا يعني أن الاضطرابات سوف تستمر في أوكرانيا، ومن الممكن أن ينقلب حينها السحر على الساحر، ويقع على عاتق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبء السؤال التالي: كيف سيتعاملون مع حلفائهم النازيين والجهاديين في آن واحد؟