عدو عدونا..!
باتريك بوكانن باتريك بوكانن

عدو عدونا..!

تحت هذا العنوان نشر الباحث الأمريكي باتريك كونانن في موقع creators.com بتاريخ 10/1/2014، مقالة جديدة له، وفيما يلي ينشر موقع «قاسيون» ترجمته لهذه المادة بعد حذف بعض المفردات والتوصيفات الطائفية التي يتحفظ على استخدامها، دون المساس بجوهر المقالة الهامة لصاحب كتاب «انتحار قوى عظمى: هل ستبقى الولايات المتحدة حتى 2025»، وغيره من المؤلفات والمقالات الاستراتيجية المختلفة عن خط المتشددين والمنافقين داخل المؤسسة الأمريكية الحاكمة، والتي تشكل انزياحاً في الوعي الأمريكي العام بما فيه في صفوف النخب الأكاديمية والسياسية، ربما إقراراً بالواقع الأمريكي المتراجع الجديد، ولو بشكل براغماتي أو عقلاني، من منظور أمريكي في نهاية المطاف، لا يزال مصراً على الغمز من قناة ستالين مثلاً..! وبغض النظر عن هذه الجزئية الأخيرة، فإن هذه المادة بالمعنى الأوسع تسلط الضوء على الفرز الجاري في الداخل الأمريكي بين أنصار الحرب وأنصار السلم، وتنامي الوعي والدعوات لتبني مقاربات جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية، لإقامة تحالفات جديدة في مواجهة الخطر الأكبر الذي تمثله الفاشية الجديدة، متجسدة بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية الموجودة حالياً في سورية، والتي باتت تمثل خطراً إقليمياً وعالمياً، وإبراز رأي الكاتب بالمحصلة في كيفية وأهمية أخذ مسافة عنها ومواجهتها.

 

باتريك ج. بوكانن

ترجمة عبادة بوظو - «قاسيون» بتصرف

 

في كل الحروب التي خاضتها, غالباً ما تحالفت أمريكا مع أنظمة تمثل نقيض القضية التي كنا نحارب في سبيلها.

ففي حربنا الثورية في سبيل الحرية والاستقلال عن الطاغية ملك إنكلترا كان حليفنا الذي لاغنى عنه هو ملك فرنسا.

وفي الحرب العالمية الأولى قال (الرئيس) وودرو ويلسون إننا كنا نقاتل «لنجعل العالم مكاناً أمناً للديمقراطية». غير أن حلفاءنا الأقرب كانوا خمسة أباطرة مستبدين: البريطاني والفرنسي والإيطالي والياباني والروسي.

وفي الحرب العالمية الثانية كان الحليف الذي أنجز معظم العمليات القتالية ضد هتلر هو جوزيف ستالين.

إلى هنا يكفي التعداد. ففي حروب أمريكا، الباردة منها والحارة، كان عدو عدونا حليفنا غالباَ, إن لم يكن صديقنا.

وهذه هي قضية الساعة في الشرق الأوسط, إذ أن المنطقة تنحدر تدريجياً فيما يبدو نحو حرب الجميع ضد الجميع, وفي القلب من ذلك الحرب الأهلية الطائفية للإطاحة بنظام بشار الأسد في سورية، وهي الحرب التي وصلت رحاها اليوم إلى لبنان والعراق.

إن أعداءنا الرئيسين في سورية والعراق هم جهاديو جبهة النصرة وداعش, الدولة الإسلامية في العراق والشام.

يسيطر هؤلاء المقاتلون الإسلاميون على جيوب في شمالي سورية، ويبدو أنهم استولوا على الفلوجة، وربما الرمادي, وهما المدينتان الهامتان في محافظة الأنبار العراقية التي سقط من أجلها مئات الأمريكيين.

فمن هم ألد الأعداء في الحرب ضد النصرة وداعش في سورية؟ إنه بشار الأسد الذي قال أوباما قبل عامين إنه ينبغي عليه أن يرحل, وكذلك هو جيش سوري كان أوباما يوشك على مهاجمته في آب الماضي, حتى نهض الشعب الأمريكي ليطلب منه الامتناع.

ومن هم حلفاء الأسد بمواجهة جبهة النصرة وداعش؟

إنهم روسيا فلاديمير بوتين، وإيران وحزب الله، الذين ساعدت قواتهم في عكس مسار الهجوم الذي كان يشنه المسلحون في العام الماضي.

إن جهاديي القاعدة وإرهابييها في العراق وسورية هم أعداؤنا, وهم أيضاَ أعداء إيران وحزب الله والأسد. وفي الواقع فقد عرضت إيران علينا المشاركة معنا في إرسال المساعدة العسكرية لبغداد في حربها على المتمردين المدعومين من القاعدة  في الأنبار.

وعلى الرغم من ذلك ثمة مزايا وأفضليات أخرى يجري النظر من خلالها إلى هذه الحرب التي تتسع رقعتها، وإن الرياض هي واحدة ممن ينظرون للأفضليات.

ففي حين باتت  المملكة العربية السعودية تدرك خطر داعش وبدأت ترسل مساعدات لفصائل مسلحة منافسة لها في سورية، فإن الخطر الأكبر على المدى البعيد الذي تراه الرياض هو طهران.

السعودية هي القوة «العربية» (البارزة) في منطقة الخليج، إلا أن عدد سكان إيران «الفارسية» هو ضعف عدد سكان السعودية، وهي في مركز هلال يضم إيران والعراق وسورية وحزب الله.

وعلاوة على ذلك فقد رأت الرياض في عام2013 راعيتها الكبرى، الولايات المتحدة، تتراجع عن ضرب سورية، وتتفاوض سراً مع إيران، وتبدأ محادثات مع نظام آية الله حول تقليص برنامجه النووي، مقابل رفع العقوبات الأمريكية.

وإن ما يبدو على أنه انفراج مفاجئ بين طهران وواشنطن ينذر بكونه كارثة استراتيجية بالنسبة للسعوديين.

أما من المزايا بالنسبة لـ«إسرائيل» فإن الإطاحة بالأسد ستعني فرض عزلة على حزب الله الذي لن يتلقى بعدها أسلحة من نظام سوري، خاض الحزب قتالاَ لمنعه من الوصول إلى السلطة.

فماذا عن وجهة نظر أمريكا؟

تقول صحيفة واشنطن بوست: «سيتوجب على الولايات المتحدة، عاجلاَ أم أجلاَ، أن تواجه الأخطار الناشئة على مصالحها الحيوية في طول الشرق وعرضه».

ولكن مع فائق الاحترام لا توجد «مصالح حيوية» للولايات المتحدة في الشرق.

طيلة 150سنة الأولى من وجودنا كأمة, كان يحكم الشرق الأتراك العثمانيون، ومن ثم البريطانيون والفرنسيون بموجب اتفاقية سايكس- بيكو لعام 1916.

وعليه، ماذا كان يعنينا من يحكم دمشق أو بيروت؟

إن المصلحة الحيوية لأمريكا في تلك المنطقة تكمن في ضمان تدفق النفط من الخليج, النفط الذي يعتمد عليه الاقتصاد العالمي.

وبينما قد يلائم انتصار المسلحين أجندات الرياض و«تل أبيب» فإنه قد ينطوي أيضاً على ارتكاب مجازر طائفية وعمليات ترحيل واسعة لأتباع ديانات أخرى. وفي أحسن حالاته، فإن انتصاراً كهذا سيأتي بنظام على شاكلة حكومة الإخوان المسلمين التي قامت مؤخراَ في القاهرة, وفي أسوأها، فإنه قد يسلم السلطة لنظام يهين عليه الجهاديون من طائفة بعينها.

إن الخطر الأكبر للمصالح الأمريكية هناك لايتمثل بالحكام المستبدين المهتمين بالإثراء، من أي طائفة كانوا، بل يكمن بالراديكاليين أصحاب ذهنية المفجرين الانتحاريين الذين يستولون على دولة، وينشرون ثورتهم، وصولاً للخليج.

إن الحرب هي الخطر الواضح والقائم، وإن السلام هو الشرط الضروري لضمان تلك المصالح.

إن إلحاق الهزيمة بداعش في الأنبار وسورية، وإحلال السلام في المنطقة ينبغي أن يكونا هدفنا الرئيسي. وإذا ما كانت إيران على استعداد لمساعدة دمشق وبغداد في هزيمة القاعدة، فينبغي معاملتها كحليف مؤقت في قضية مشتركة.

ففي نهاية المطاف، فقد سبق لروزفلت وترومان أن اتفقا علناَ مع «الصديق القديم الجيد جو» ستالين.