البنك المركزي الأميركي: مخاطر سيطرة حكومة ظل لإدارة الاقتصاد العالمي

البنك المركزي الأميركي: مخاطر سيطرة حكومة ظل لإدارة الاقتصاد العالمي

في خطوة "اجرائية" متوقعة، اعلن البيت الابيض قراره بتعيين ستانلي فيشر نائبا لرئيسة البنك المركزي (الاحتياطي الفيدرالي)، جانيت يلين، التي حازت على موافقة مجلس الشيوخ تعيينها في المركز الاول مطلع الاسبوع، وسيخضع فيشر لمصادقة مجلس الشيوخ ايضا دون معارضة تذكر. تراجع البيت الابيض عن ترشيح نصيره الوفي لورانس سامرز بسبب المعارضة الشديدة له داخل الاوساط السياسية. فيشر ذو جنسية مزدوجة، "اسرائيلية" واميركية، ولد وترعرع في ظل النظام العنصري الابيض في زيمبابوي (روديسيا سابقا)، وعمل مديرا لبنك "اسرائيل" المركزي.

الرئيس اوباما اثنى في اعلانه الرسمي على كفاءته قائلا "فيشر .. متعدد المواهب يحضر معه خبرة قيادية لعقود عدة، منها صندوق النقد الدولي وبنك اسرائيل. من المسلم به على نطاق واسع انه احد الشخصيات الرائدة عالميا ذو كفاءة معتبرة في السياسة الاقتصادية."

قبل الولوج في تركيبة واهمية ودور البنك المركزي الاميركي في الاقتصاد العالمي، ومادته اللاصقة الاقتصاد الاميركي، نجد لزاما التعريج على هذه الشخصية "الفذة" للسيد فيشر، التي كان لها دورا محوريا في تصفية القطاع العام لروسيا ابان عهد بوريس يلتسين؛ وتطبيق العقوبات الدولية على ايران؛ والاشراف على "الاصلاحات البنيوية" لاقتصاديات اندونيسيا وتايلند وكوريا الجنوبية، عام 1997، والتي شهدت فقدان زهاء 24 مليون فرصة عمل وتدمير الشرائح الوسطى من الطبقات الاجتماعية في تلك البلدان.

 

فيشر مرشح الرأسمال الصهيوني

 

فيشر هو الطفل المدلل للوبي اليهودي الاميركي "ايباك،" تمت ترقيته الى منصب مدير البنك المركزي "الاسرائيلي" من قبل اريئيل شارون عام 2005، عقب توصية من السفير "الاسرائيلي" لدى الامم المتحدة عام 2004. "اصر فيشر على التحدث بالعبرية امام الصحافيين عند قبوله المنصب، بل رفض التحدث بالانكليزية." اشرف فيشر على استحداث قسم "الارهاب والاستخبارات المالية" في وزارة المالية الاميركية وعهد ادارته الى احد اتباعه، ستيوارت ليفي. المعلومات الموثقة تشير الى ان القسم "استحدث عقب محاولات ضغط مكثفة من مجموعة ايباك الذين التقوا فيشر في اسرائيل جنبا الى جنب مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورؤساء جهازي الموساد والشين بيت بغية تعزيز اجراءات العقوبات الدولية (على ايران) وكيفية تفادي معارضة كل من روسيا والصين." (شبكة بي بي سي، نشرة 5 آذار 2007).

الكاتبة الصحافية الليبرالية، نعومي كلاين، اوردت في "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث،" مؤلفها الشهير، ان فيشر من خلال منصبه في الصندوق الدولي "حث (بوريس) يلتسين على المضي قدما ودون تلكؤ لبيع اصول الشركات والمؤسسات العامة والموارد الطبيعية في اسرع فرصة ممكنة .. مما اسهم مباشرة في اعلاء دور بارونات المافيا الروسية " رأسمالية المافيا." (الطبعة الانكليزية حزيران2008، الطبعة العربية ايلول 2008).

 

مخاوف من مزدوجي الولاء "لاسرائيل" في قمة الهرم الاقتصادي

 

تم اسكات بل وقمع الاصوات المحذرة من استشراء مزدوجي الولاء في المؤسسات الحكومية الاميركية والمناصب العليا. تربع على رئاسة البنك المركزي منذ انشائه عام 1914، خمسة عشر فردا، من ضمنهم حديثة التعيين جانيت يلين، تم تعيينهم جميعا بقرار للرئيس الاميركي. ومنذ مطلع عام 1970، "صادف" تداول رئاسة البنك ستة من الاميركيين التابعين للديانة اليهودية، ولم تتوفر معلومات قاطعة بازدواجية جنسياتهم جميعا بيد ان الشبهات تحوم حول خمسة منهم على الاقل. بالمقابل، ذهب منصب وزارة المالية الاول الى ذات العينة من الاميركيين اليهود بوتيرة بارزة في كافة العهود الرئاسية، سيما كلينتون وبوش الابن واوباما " الذي عين "جاك لو،" كأول يهودي متدين في منصب وزير للمالية. بيد ان الامر لا ينحصر في المنصب الاول، ويمتد تاريخيا الى مناصب اخرى هامة واساسية في هيئات وزارة المالية النافذة.

يذكر ان الرئيس اوباما دشن ولايته الرئاسية الاولى بتعيين "اخلص اصدقائه اليهود" في مناصب حساسة: رام عمانويل وديفيد اكسيلرود كمستشارين سياسيين؛ لورانس سامرز كرئيس لمجلس المستشارين الاقتصاديين؛ بنجامين بيرنانكي في منصب مدير البنك المركزي. الأمر الذي حدا باحدى الشخصيات اليهودية المؤثرة الاشارة الى نفوذ اليهود المتنامي في الحياة السياسية والاقتصادية الاميركية والتبجح بأنهم شريحة "الواسب الجدد،" (New WASPs) دلالة على سيطرة ونفوذ العرق الابيض من اصول انغلو-ساكسونية الممثل للنخب الحاكمة لاميركا.

في هذا الصدد، حذرت الصحافية الشهيرة في صحيفة نيويورك تايمز من اصول ايرلندية، مورين داود، 29 آذار 2009، من حصر مسؤولية الازمة الاقتصادية آنذاك بعنصر "الانغلو ساكسون،"  اذ ان يهودا من امثال "لورانس سامرز وروبرت روبين وآلان غرينسبان لعبوا ايضا دورا في تلك الكارثة .. وموريس غرينبيرغ رئيس شركة AIG للتأمين العملاقة وشركة استثمارات غولدمان ساكس وآخرين." مسترشدة ايضا بالدروس التاريخية التي لعب فيها العنصر اليهودي المصرفي دوره في مفاقمة الازمات المالية جنبا الى جنب مع "نخبة الانغلو ساكسون."

المؤلف ومدير مركز ابحاث السياسة الشرق اوسطية، غرانت سميث، قال ان تعيين فيشر مزدوج الجنسية والولاء "يعد نقطة تحول .. سيما وان ابواب الحكومة الفدرالية بقيت مشرعة على مصراعيها لفترة طويلة امام انصار اللوبي الاسرائيلي .. (تستثمر) في خدمة مصالح دولة اجنبية، وهم الذين عادة ما يحافظون على سرية ازدواجية جنسياتهم." واوضح ان "السبب الرئيس لاحجام ايباك ونجومها من المشاهير مثل (ستانلي) فيشر عن عدم تحديد المنافع العائدة لاميركا جراء "علاقتها الخاصة" مع اسرائيل .. هو انه ببساطة خلوها التام" من اية مزايا حسية.

قلة من اليهود الليبراليين يؤيدون ما ذهب اليه سميث من تحذير لسيطرة مزدوجي الجنسية على مقاليد السياسة والمال. وقال فيليب وايس على مدونته "لا اطمح لرؤية مواطن اسرائيلي في موقع القرار للسياسة الاميركية .." خشية تداعياتها على المدى المنظور على عموم الجالية اليهودية. وشاطره غرانت سميث بقوله "على المدى المرئي القصير، يستطيع الاميركيون مواجهة نفوذ اللوبي الاسرائيلي الطاغي .. عبر حملات ضغط شعبية واسعة لمطالبة ممثليهم في مجلس الشيوخ رفض ترشيح ستانلي فيشر." (حديث سميث جاء قبل بضعة ايام من ترشيح البيت الابيض رسميا لستانلي فيشر).

من الواضح ان مناهضة سميث واقرانه لتعيين فيشر لا ينبع من كفاءته العلمية او العملية، بل لآرائه الاقتصادية المثيرة للجدل والتي تشجع اقتصاد السوق وادخال الاصلاحات الاقتصادية على الدول الاخرى لتتساوق مع وصفات البنك الدولي الكارثية في اللبرلة الاقتصادية. الصحافية نعومي كلاين ايضا اوضحت ان سياسات البنك المركزي الاميركي "خاصة في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم .. كان لها الفضل في الضغط على المصارف الاميركية وتحويل نشاطاتها لموائمة مصالح اسرائيل" بعيدا عن اي اجراء قد يفسر بأنه "يواكب المقاطعة الاقتصادية العربية" لها.

في هذا الصدد، يشار الى الاخفاقات التي رافقت السياسة المصرفية للادارة الاميركية، عبر البنك المركزي، لحفز النمو الاقتصادي على الرغم من اتخاذه  سلسلة اجراءات تشجيعية اعتبرها ضرورية لذلك عبر السنوات الخمس الماضية.

 

البنك المركزي او الاحتياطي الفيدرالي

 

انشيء نظام البنك المركزي بقرار من الرئيس وودرو ويلسون في 23 كانون الاول 1913 كنظام مصرفي ذو ملكية خاصة، بمعارضة بينة من نواب الحزب الجمهوري في مجلسي الكونغرس آنذاك. يتكون النظام من هيئة عليا كمجلس ادارة، مجلس الاحتياط الفيدرالي، تضم سبعة اعضاء يعينهم رئيس الولايات المتحدة مباشرة، مقرها في واشنطن وتخضع لمصادقة مجلس الشيوخ على اعضائها؛ ومصارف مركزية موزعة على 12 مقاطعة جغرافية اميركية، لكل منها بنك مركزي خاص يسمى ايضا بنك الاحتياط المركزي يتبع المدينة الرئيسة للمقاطعة، مملوكة للمصارف المحلية. السياسة المالية والمصرفية يقررها اعضاء مجلس الادارة السبعة، الذين يعملون "بسرية عالية .. خاصة في عهد الآن غرينسبان المفرط الثقة بالنفس .." غرينسبان انتقل للبنك المركزي من هيئة "مورغان ستانلي" المصرفية.

يطلق عدد من الخبراء الاقتصاديين على الفيدرالي وصف "دولة داخل الدولة،" للنفوذ الواسع الذي يتمتع به في صياغة السياسة المالية بعيدا عن اجراءات الرقابة من الكونغرس والشفافية المطلوبة. بل ان اصول نظام البنك المركزي تملكها مجموعة من المؤسسات المصرفية والصناعية والتجارية. هيئة مجلس الادارة، بعد المصادقة على تعيين اعضائها، تتمتع باستقلالية عالية ولا يملك الرئيس صلاحية استبدال اعضائها. الهيئة الادارية غير ملزمة قانونيا باخطار السلطة التنفيذية بقراراتها او نواياها للاجراءات والتدابير المصرفية.

البنك المركزي عبارة عن المصرف الاكبر بين المصارف المالية المتعددة: وزارة المالية الاميركية لديها حساب خاص بها لدى المصرف، تمر به عائدات الضرائب المختلفة وتصرف منه الاموال المقررة للانفاق الحكومي. الحكومات والمصارف الاجنبية ايضا تتمتع بالخدمات التي يوفرها الاحتياطي المركزي، اسوة بوزارة المالية الاميركية، بغية تسهيل معاملاتها التجارية داخل الولايات المتحدة، ومنها ايداع ضماناتها المالية لديه. مصاريف المركزي الادارية توفرها البنوك الاعضاء المكونة له، وليس من قبل الكونغرس كما يعتقد البعض.

تعود ملكية البنك المركزي وفروعه الاثنا عشر الاخرى للمصارف المالية التالية، حسبما جاء في كتاب "اليهود والمال،" Jews and Money: The Myths and the Reality, Gerald Krefets, 1984:

 

- بنك روتشيلد " لندن

-بنك واربيرغ " هامبورغ

-بنك روتشيلد " برلين

-بنك الاخوة ليمان " نيويورك

-بنك الاخوة لازار " باريس

-بنك كون لوب " نيويورك

-مصارف اسرائيل موسيس سيف " ايطاليا

-مصرف غولدمان ساكس " نيويورك

- بنك واربيرغ " امستردام

-بنك تشيس مانهاتان " نيويورك

 يؤكد الاقتصادي والمؤلف الاميركي من اصول صينية، سونغ هونغ بينغ، صاحب "حرب العملات،" (Currency Wars, Song Hongbing, 2007) ان البنك المركزي الاميركي يخضع لسيطرة تامة من قبل خمسة من كبار البنوك، احدها سيتي بانك. واورد المؤلف مقابلة للرئيس السابق للبنك المركزي، بول فولكر، اقر فيها ان المركزي الاميركي ليس مملوكا للحكومة الاميركية بنسبة 100%، نظرا لوجود مساهمين كبار في رأس ماله؛ اي انه خليط من القطاعين العام والخاص.

البنك المركزي لنيويورك، احد مكونات الاحتياط الفيدرالي، هو اكبرها واهمها على الاطلاق، وعادة ما تلجأ اليه وزارة المالية لتنفيذ سياساتها والتزاماتها نحو الدول والهيئات الاجنبية. لعل من ابرز المهام التي يضطلع بها مركزي نيويورك هي حفظ مخزون الذهب العالمي، اذ ان حجما لا باس به من خزائن الذهب وجد طريقه اليه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية بناء على رغبة عدد من الدول حفظ مخزونها الرسمي من الذهب في مكان آمن. وتضاعف مخزون الذهب اضطرادا منذئذ وشهد ذروته عام 1973، بعد وقت قصير على قرار الولايات المتحدة وقف نظام تثبيت سعر الذهب كأساس للتبادل المالي مع الدول الاخرى. بلغ الذروة اثناءها مجموع احتياطي الذهب لدى مركزي نيويورك نحو 12،000 طن، ووصل المخزون الى 530،000 سبيكة ذهبية عام 2012 بلغ وزنها 6،700 طن.

المركزي الفيدرالي مفوض بانتهاج سياسات مالية من شأنها الحفاظ على تدني مستويات البطالة واستقرار اسعار السلع الاساسية، ويتم ذلك عبر الهيئة الموازية له، اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. تتكون اللجنة من عضوية كامل اعضاء مجلس الادارة السبعة ورؤساء المصارف الاقليمية الاثنا عشر الذين يسمح لخمسة منهم فقط الادلاء باصواتهم، منهم رئيس مركزي نيويورك كعضو ثابت واربعة آخرين يتناوبون العضوية لسنة واحدة. قرارات النظام المركزي مستقلة عن السلطات التنفيذية والتشريعية ولا تخضع لموافقة الرئيس الاميركي مسبقا او لاحقا؛ وكما ورد سابقا لا يتلقى المركزي تمويلا يقرره الكونغرس. ولاية خدمة اعضائه قد تمتد لعدة ولايات رئاسية ومثيلاتها لممثلي الكونغرس.

يتمتع الفيدرالي المركزي بسلطة التأثير على سير العملية الاقتصادية برمتها عبر آلية اللجنة الفيدرالية المذكورة، لعل اشهرها العمليات المتحكمة بالسوق المفتوحة الخاصة بشراء وبيع اوراق الضمانات للخزينة للسيطرة على مصادر القروض الحكومية واسعار الصرف. على سبيل المثال، عند رغبة المركزي بتحفييز الاقتصاد والتبادل التجاري يلجأ الى شراء سندات مالية لرفع قيمتها وخفض اسعار الفائدة على السندات. وعند رغبته بابطاء النمو الاقتصادي، يقدم الفيدرالي على بيع السندات المالية بغية تعزيز الامدادات وتخفيض الاسعار ورفع معدلات الفائدة على القروض.

كما ان للفيدرالي دور في تحديد معدل الاموال المركزية والتي تستخدمها المصارف المختلفة في التداول فيما بينها للقروض قصيرة الأجل التي تشكل معدلات على الفوائد تحدد على المستهلكين. باستطاعة الفيدرالي بلوغ معدلات الاموال المطلوبة عبر ثلاث اجراءات: عمليات السوق المفتوحة، حجم الحسم، ومتطلبات الاحتياط.

كما ان الفيدرالي مخول بتحديد سعر الخصم المصرفي الذي يواكب معدل الاقتراض الفيدرالي جنبا الى جنب. فالمصارف التجارية تدفع سعر الحسم المحدد على الاموال المقترضة من البنوك المحلية والبنك المركزي، وعند ارتفاع معدل الخصم ينعكس ارتفاعا بصورة تلقائية على ما ستدفعه لقاء الاموال المقترضة وتنحو باتجاه تقليص حجم الاقتراض، مما يرفع معدلات الفائدة المتداولة ويخفض كمية الاموال المتداولة. بالمقابل، عند انخفاض معدلات الخصم المصرفي، تتمتع المصارف التجارية بحرية اكبر للاقراض وضخ كميات مالية اضافية في السوق طمعا في خفض معدلات الفائدة على الاموال العامة.

دأب الفيدرالي على تنفيذ اجراءاته المتبعة منذ ولادته قبل قرن من الزمن والتي اسست للنظام المصرفي الاميركي لما هو عليه اليوم. وعمد في السنوات الخمس الماضية الى اعتماد اجراءات وتدابير مبتكرة " اثبتت انها مثيرة للجدل ولم تفلح في احداث التغييرات المطلوبة في الاقتصاد الاميركي سوى بمعدلات متواضعة. بل ان رئيس الفيدرالي النتهية ولايته، بيرنانكي، اوضح في شهر آب عام 2012 ان تلك الاجراءات غير التقليدية "قد تعيق سير عمل اسواق الاوراق المالية، وتقلص ثقة العامة بقدرة الفيدرالي للخروج بسلاسة من سياساته التسهيلية، وتنشيء مخاطر على طريق الاستقرار المالي، وقد تؤدي الى تحميل الفيدرالي خسائر مالية."

التدابير "غير التقليدية" المقصودة تتضمن تسهيل الحصول على اموال الائتمان، وتسهيلات نوعية، ومؤشرات مستقبلية. ففي اموال الائتمان، باستطاعة مصرف ما شراء اصول القطاع الخاص، بغية تعزيز السيولة المالية وتطوير سبل الوصول الى مصادر الاقتراض.

التسهيلات النوعية تشمل شراء معدلات محددة من الاصول المصرفية للمدى البعيد من المصارف التجارية والمؤسسات الخاصة الاخرى، لتوسيع قاعدة الدعم المالي وتقليص العائد على الاصول المالية. وتختلف عن التدابير التقليدية لشراء وبيع السندات الحكومية بغية ابقاء معدلات الفائدة ضمن التوقعات المفضلة.

المؤشرات تستخدم لتقليص توقعات الاسواق المالية لمعدلات الفائدة المستقبلية. على سبيل المثال، طرح الفيدرالي مؤشرا على عزمه تخفيض معدلات الفائدة ابان الازمة المالية لعام 2008 لفترة زمنية ممتدة.

بيد انه بصرف النظر عن تنبي السبل التقليدية لتحديد السياسة المصرفية الى جانب السبل المستحدثة كالتسهيلات النوعية، فقد تعثر اداء الاقتصاد الاميركي، مما عزز التساؤلات حول "خطل سياسات الفيدرالي المتبعة،" الذي يشكل المدخل الاول لولوج الثنائي يلين - فيشر على قمة الهرم المالي.

 

مستقبل السياسة النقدية

 

التعرف الى السياسة النقدية للفيدرالي للمرحلة المقبلة امر ليس باليسير، سيما وان جانيت يلين اوضحت في عام 2011 ان "انتهاج سياسة نقدية (معينة) لا يشكل دواء لكل داء." والآن اضحت تتحكم بمجمل السياسة النقدية الاميركية. اما نائبها المرشح ستانلي فيشر فقد ابدى تأييده لجهود البنك المركزي لضخ اموال في الاقتصاد الاميركي للحفاظ على معدلات متدنية للفائدة.

وعليه، يشكل توجه فيشر مؤشرا على تحكمه المقبل في مجمل السياسة النقدية، بينما يلين التي تتمتع بسمعة اكاديمية معتبرة تبرز ابهر مواهبها في توفر حيز التخطيط الدقيق للمستقبل؛ اذ لا يعرف عنها مهارتها في ادارة الازمات.

فيشر، بالمقابل، استطاع الانخراط سريعا بادارة الازمات المالية، سيما ابان خدمته في صندوق النقد الدولي في عقد التسعينيات ومركزه في ادارة البنك المركزي "الاسرائيلي،" خلال الازمة المالية العالمية 2008-2009. ماهية السياسات النقدية التي ينبغي على الفيدرالي اتباعها لا تحظى باجماع الاقتصاديين والخبراء الماليين، وتنقسم اراؤهم بين فريقي المتفائلين والمتشائمين.

ينقل عن جانيت يلين قلقها من قدرة المصرف المركزي ادخال التأثير المطلوب على الحالة الاقتصادية الراهنة، سيما وان التدابير التقليدية المعتمدة لها حدودها وهناك خشية من تدهور الاقتصاد الى حالة من "فخ السيولة،" مع الاخذ بعين الاعتبار المعدلات المتدنية للفوائد على القروض والتي تسبق فعالية اي نية للتدخل من المركزي لضخ سيولة مالية قد لا تفيد لانعاش الاقتصاد.

على الطرف الآخر في معسكر المتشائمين، يبرز لاري (لورانس) سامرز، المستشار الاقتصادي الاسبق للرئيس بيل كلينتون، المرشح الاول (المنسحب) للرئيس اوباما لتبوأ منصب رئاسة البنك المركزي. سامرز قال ان الازمة الاقتصادية لا تزال بيننا ولم تشارف على نهايتها، ويعزو بطء النمو الاقتصادي على مدى العقد الماضي الى تعديلات بنيوية اساسية، اذ هبطت معدلات الفائدة السنوية بعد احتساب معدلات التضخم الى ما دون الصفر " وربما الى ادنى منه بنقطتين او ثلاثة مئويتين " "للابد." واوضح سامرز ان الامر يعود الى تخمة الاستثمارات المصرفية القادمة من الدول الاسيوية وتقنية الكمبيوتر التي اسهمت في انهيار كلفة السلع الاساسية وتقليص الحاجة للاستثمار.

المعضلة الماثلة امام السياسة النقدية للمركزي هي ان معدلات الفائدة المتدنية على القروض، صفر وما دونه، تحيل اجراءات الفيدرالي لعمليات السوق المفتوحة غير فاعلة او مؤثرة؛ وتؤشر على ان الولايات المتحدة مقبلة على نمو اقتصادي بطيء على المدى الطويل. العلاج ينبغي ان يستنبط من اعتماد سلسلة معالجات نقدية للتعامل مع الحالة الاقتصادية.

الاقتصادي الاميركي الحائز على جائزة نوبل، بول كروغمان، حث الحكومة المركزية على زيادة معدلات الانفاق على البرامج الحكومية، ملفتا النظر "لعدم صلاحية قلق البعض من تزايد العجز في ميزان المدفوعات حتى على المدى الطويل،" جراء ذلك كما يزعمون. واوضح انه بعد استشراء الازمة المالية اتجه اولئك الى التخلي عن المطالبة بايجاد فرص عمل والعزف على وتر هاجس العجز "والذي اثبتت استطلاعات الرأي ان تلك النظرة تخص اولويات الاثرياء والميسورين، وليست لعامة الناخبين. كما ان الاصرار على اهمية تقليص المعونات الحكومية لا تخص سوى شريحة 1%" من فاحشي الثراء.

ومضى كروغمان موضحا انه يتفهم اجواء القلق السائدة بين المستثمرين الدوليين وتقلص مستويات توقعاتهم للسيطرة على معدلات اعلى من المديونية الاميركية، مما سيؤدي الى انخفاض حاد في قيمة الدولار الاميركي، وزيادة الصادرات الاميركية. واكد ان الاهتمام ينبغي ان يبتعد عن تداعيات الدين العام للمدى الطويل والتمحور حول الانكماش المالي طيلة السنوات الثلاثة الماضية والتي حرمت الاداء الاقتصادي من الطلب اللازم.

مدير قسم الابحاث والاحصائيات في الفيدرالي المركزي، ديفيد ويلكوكس، اعرب عن قلقه من تأثير حدة ومدة الانكماش الاقتصادي، بدءا من نهاية عام 2007، مما ادى الى تدهور مضطرد لاسهم رأس المال وحجم ومهنية قوة العمل المتوفرة. وعليه، فان تباطؤ الانتاج وتقلص النمو الاقتصادي كان نتيجة مباشرة للازمة المالية، وليس لاسباب تغيرات بنيوية كما يزعم لاري سامرز، فضلا عن ان الحفاظ على معدلات متدنية لاسعار الفائدة لن تفي بالغرض بحد ذاتها. ويلكوكس يحبذ الابقاء على المعدلات المتدنية للقروض مواكبة لارتفاع معدلات البطالة، مما يؤشر على توجهاته باستمرار نسق التسهيلات للسنة الجديدة.

القطاع المصرفي قلق لتطبيق التسهيلات النوعية خاصة لناحية زيادة المركزي حصته من الاصول المصرفية الى 3.7 تريليون دولار نظرا لتأثيره على "حرمان الفيدرالي المركزي من مصادر مالية اخرى او تعزيز الاحتياط لديه .. ولم يبقي امامه من خيار سوى طباعة مزيد من الاوراق المالية الجديدة بقيمة 85 مليار دولار شهريا، تجد طريقها الى النقد المعروض في السوق." ويحذر اولئك من استنساخ تجربة المانيا لعقد العشرينيات من القرن الماضي، عقب نهاية الحرب العالمية الاولى، ونتيجتها في ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار الاقتصاد الالماني، وصعود النازية للحكم.

في ظل التجاذبات الحادة، من المرجح ان يمضي الفيدرالي المركزي بالسير على سياسة وسطية، سيما وان ستانلي فيشر يميل الى تطبيق الحلول التقليدية والتقيد بالوسائل والادوات الراهنة؛ اما السعي للنظر في ادوات جديدة، كما سبق، فمن شأنه المحافظة على تدني معدلات الفائدة على القروض على المدى الطويل. بعض الوسائل الاخرى المتاحة للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة السعي للتاثير على اسعار صرف العملات، واسعار الاصول وسوق العقارات وقنوات الاقتراض.

هاجس الرئيس اوباما الاقتصادي هو استعادة الاقتصاد لحيويته المعهودة بصرف النظر عن الآليات المتبعة، وحبذا لم تم ذلك قبل التحضير للانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني القادم. وعليه يعول اوباما واركان ادارته على ستانلي فيشر للنهوض بالاداء الاقتصادي، استنادا الى تجربته السابقة التي اسهمت في تعزيز فرص ترشيحه للمنصب. كما لا ينبغي صرف النظر عن ولائه المزدوج للتحكم في وجهة سير البنك المركزي الاميركي وما يشكله من توجه لنيل تأييد "الرأي العام الاسرائيلي." المقبل من الزمن سيكون الفيصل لاثبات الوجهة الحقيقية لولاء فيشر.

 

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية