الكيان يتآكل من داخله
ذكرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية في تقرير لها قبل بضعة أيام، أن رزمة من الأزمات الاجتماعية تفتك ب"إسرائيل" منذ عام 1948 (ذكرى اغتصاب فلسطين) وفي طليعتها العنف الأسري، والتحرش الجنسي والاغتصاب .
من جانب آخر يرى محللون "إسرائيليون": أن التهديد الذي تشكله هذه الأمراض الاجتماعية، على "إسرائيل"، يفوق في خطره، التهديد الخارجي . التقرير الذي نشرته الصحيفة المذكورة يرصد ارتفاع معدلات العنف الأسري في الكيان، لافتاً إلى أن هناك 200 ألف امرأة و600 ألف طفل معنّفون .
الصحيفة ذاتها نشرت في تقريرها أرقاماً تدلل على الارتفاع المتزايد للجرائم الجنسية وحوادث الاغتصاب، التي تراها تجلياً لعمق الأزمة في الشارع "الإسرائيلي" .
لقد فتحت الشرطة "الإسرائيلية" 5085 ملفاً جرمياً خلال هذا العام (حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) بارتفاع 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، و3000 جرم تحرش جنسي . احصائيات أخرى تفيد بقيام نحو مليون "إسرائيلي" سنوياً بارتياد محلات الهوى . عددت الصحيفة أيضاً: المشكلات النفسية الكبيرة التي تعاني منها فئة ليست قليلة في "إسرائيل" .
جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي تتم في الأوساط التالية: المعلمين عندما يتحرشون بالطلاب . المجندات في الجيش "الإسرائيلي"، فالتقارير تشير إلى أن 96% من المجندات تعرضن للتحرش الجنسي من جنود وقادة .
وبلغت خطورة التحرش في "إسرائيل" الطبقة السياسية، والحاخامات وفي مقدمة الأسماء يرد اسم الرئيس "الإسرائيلي" السابق موشيه كاتساف .
من جانبها فإن صحيفة "معاريف" ذكرت في تحقيق لها أن الحاخام اليعازر برلند البالغ 73 عاماً قام باغتصاب فتيات قاصرات ونساء، من بينهن متزوجات، حيث كان يستغل لقاءات روحية مع مريداته لاستغلالهن جنسياً . كما قام بالاعتداء الجنسي على الأطفال، وقد هرب الحاخام من "إسرائيل" بعد إدانته قضائياً، والحكم عليه بالسجن 10 سنوات .
هذا باختصار جزء مما يجري في الكيان الصهيوني إضافة إلى الفساد بكل أشكاله، والذي انخرط فيه مسؤولون حكوميون "إسرائيليون" كان منهم الفاشي ليبرمان الذي اتهم باتهامات عدة، لكن على ما يبدو ونتيجة لصفقة وضغوط حكومية "إسرائيلية" على القضاء تم تبرئته منها! ليس غريباً أن تتفشى مثل هذه الأمراض في "إسرائيل"، فهي دولة تقوم على العنف والعدوان على الآخرين واغتصاب أراضيهم ومدنهم وقراهم، بعد تهجيرهم واقتلاعهم منها . مثل هذه الدولة بالضرورة تفتقد إلى القِيَمْ والمبادئ الأخلاقية، ولذلك والحالة هذه فإن الآفات الاجتماعية تفتك بقطاعات واسعة في الشارع "الإسرائيلي" .
لذا لا نستغرب أن أهم المؤسسات التي تتغلغل فيها مثل هذه الأمراض هي مؤسسة التربية والتعليم والمؤسسة الدينية والمؤسسة العسكرية .
في المؤسسة التعليمية، لأن "إسرائيل" تحرص على تعبئة الأجيال الطلابية الجديدة العنصرية، والاستعلاء، والشوفينية والنظر باحتقار إلى كل من هم غير يهود . بالتالي فإن مثل هذه التربية المشوّهة تعيد إنتاج آفاتها وأمراضها الاجتماعية المتمظهرة في حوادث التحرش الجنسي والاغتصاب .كما أن العنف الذي تتعامل به "إسرائيل" وتمارسه على الفلسطينيين، لا يمكنه أن يؤدي الّا إلى مظاهر عنفية في الشارع "الإسرائيلي" وهذه تتجلى في الحياة الأسرية وفي المؤسسات التعليمية وغيرها .
في المؤسسة الدينية، لأن الحاخامات يدعون إلى قتل الآخرين (مثال على ذلك الحاخام المتوفى قريباً عوفاديا يوسف الذي يدعو إلى قتل العرب باعتبارهم صراصير وأفاعي) ولأنهم يدرسون التعاليم التي تؤدي إلى مثل هذه الظواهر الاجتماعية مثل، اليهودي هو السيد وغير اليهودي يتوجب أن يعمل عبداً له! تربية قائمة على الاستعلاء والفوقية والتطرف العنصري والمغالاة في تحسين صفات اليهودي مقارنة بمن هم غير يهود . هذه التربية الحاقدة لابد أن تخلق أمراضها في هذه المؤسسة .
في المؤسسة العسكرية، لأن أهم مبدأ في الجيش "الإسرائيلي" هو الاستناد إلى القوة في ردع الآخرين .
كما أن شريعة القتل والاحتلال واغتصاب الأراضي واقتراف المجازر (وما أكثرها) هذه أيضاً تؤدي إلى العنف الأسري، والتحرش الجنسي، والاغتصاب، وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تنخر الجسد "الإسرائيلي" من داخله . كثيرة هي مظاهر الخلل في الجيش "الإسرائيلي" وبخاصة ومثلما تقول صحيفة "معاريف" الأمراض النفسية التي تعصف بآلاف الجنود في الجيش .
من ناحية آخرى لا يمكن إطلاق كلمة "مجتمع" على الشارع "الإسرائيلي"، لأن هذا الشارع يعجّ بالتناقضات الكثيرة بين اليهود من دول مختلفة .
رغم ما ينوف على الستة عقود ونصف العقد، ما زالت "إسرائيل" تفتقد إلى التجانس المجتمعي، لذا ترى اليهود الروس يعيشون في "الغيتو" الخاص بهم، كذلك اليهود الغربيين (الأشكناز) واليهود الشرقيون (السفارديم)، وهاتان الجماعتان تنقسمان إلى فئات مختلفة، وفقاً للبلد الذي جاء منه أولئك أو هؤلاء . ثم إن "إسرائيل" لم تتشكل دولة مثل باقي الدول . الذي حصل أن المهاجرين اليهود جاؤوا إلى فلسطين وتم إحلالهم محل الفلسطينيين بعد اقتلاع معظمهم من وطنهم، لكن أبناء كل بلد جاؤوا من ثقافة مختلفة تختلف بالضرورة عن ثقافات البلدان الأخرى، لذا ترى هذه الفسيفساء في الشارع "الإسرائيلي"، وبالتالي فإن من الطبيعي أن يعج هذا الشارع بالتناقضات التي نراها .
كذلك، حتى اللحظة من الصعوبة بمكان القول "بالثقافة" المجتمعية "الإسرائيلية" الواحدة، فهذه أيضاً ثقافات متعددة تؤدي إلى أنماط مختلفة من التربية والسلوك، لذلك فإن التناقضات داخل الشارع "الإسرائيلي" متعددة، والذي يغطيها ولا يفجرّها هو العداء للفلسطينيين والعرب ولكل ما هو إنساني، من ضمن ذلك هذه المسلكيات اللاسوية التي تفتقد الى إرث حضاري تاريخي من القيم، التي تحصّن الأفراد من الانخراط في الآفات المرضية الاجتماعية مثل التي تواجهها "إسرائيل" .
لذا، ليس غريباً استنتاج الصحف "الإسرائيلية"، بأن التهديد الذي تحمله هذه الآفات والأمراض الاجتماعية أخطر بكثير من التهديدات الخارجية . كثير من "الإسرائيليين" يهاجرون إلى الخارج في كل عام، نتيجة لتماهي وتمازج الأمراض الاجتماعية مع الإشكالات الاقتصادية وبذلك من الملاحظ أن الهجرة العكسية في تزايد مستمر في الشارع "الإسرائيلي" .
إن مجتمعاً يحاولون بناؤه بالقوة وفي سياقات غير طبيعية لا يمكنه صدّ الإشكالات الاجتماعية ولذا يمكن القول: إن "إسرائيل" تتآكل من داخلها .
صحيفة الخليج الإماراتية