لا زعيم إلا عبد العظيم!
تعاني السياسة التي يتبعها السيد حسن عبد العظيم منذ بداية الأزمة السورية مشكلتين أساسيتين، يمكن بفهمهما تفسير تراجعه عن مواقف أطلقها خلال الأزمة السورية وإبدالها مواقف أخرى، ثم التراجع عن المواقف الجديدة وهكذا في سلسلة من التعديلات غير المنتهية.
أولاً: الحزب القائد، والقائد يصنع الجماهير!
يستطيع المتابع لمواقف الأستاذ عبد العظيم منذ بداية الأزمة السورية أن يلتقط شيئاً مشتركاً بينها جميعها، وهو محاولته الاستفادة من توازنات القوى الدولية بسكونها لا بحركتها. ومعلوم أن فهم الوضع الدولي واستثماره ليس بالأمر المعيب بل هو أمر مطلوب، لكن الاستناد إلى التوازنات بشكلها اللحظي وعدم القدرة على فهم مآلاتها صوّر لعبد العظيم استمرار الغلبة الأمريكية أحادية القطبية على العالم. الأمر الذي دفعه إلى مهاجمة الفيتو الروسي - الصيني المكرر ثلاثة مرات، وإن كانت لهجة رفضه في المرة الثالثة أقل حدّة من سابقاتها. وهنا نلقي الاعتبار الوطني جانباً ونتعامل مع الرجل كسياسي براغماتي، لأن الوقوف عند مهاجمة السيد عبد العظيم للفيتو الروسي من وجهة النظر الوطنية، الفيتو الذي منع التدخل العسكري المباشر على الطريقة الليبية والعراقية، سيأخذنا إلى مطارح لا رغبة لنا بالوصول إليها.
بالتوازي مع ذلك رفض الأستاذ عبد العظيم ويرفض التدخل الخارجي، ولكنه أخرج «التدخل العسكري العربي» من دائرة هذا التدخل، ما يعني مثلاً أن التدخلات السعودية والقطرية، وبعزل تعسفي عن كونها امتداداً للأميركي، ليست تدخلاً خارجياً، وما يعني في مبالغة يمكن بنائها على عدم وضوح السيد عبد العظيم نفسه أن التدخل عبر «داعش» وأشباهها في حال كان «الداعشيون» عرباً، هو أيضاً، ليس بتدخلٍ خارجي!
نزعم أنّ الطروحات التي تهاجم السيد عبد العظيم في وطنيته منطلقةً من مواقفه الملتبسة التي بيّنا جزء منها، تفتقر إلى العمق، أو أنها مجرد طروحات يلقيها بعض متشددي الموالاة جزافاً. في حين ندّعي أنّه يكمن وراء هذه المواقف سببان معرفيان، الأول هو قصور في فهم التوازنات الدولية وطريقة حركتها وتحديداً في فهم الأزمة الاقتصادية العالمية وأبعادها، والثاني - وهو الأخطر - هو تلك العقلية التي يتشارك بها مع جزء مهم من النظام: عقلية الحزب القائد التي تتمحور حول موضوعة أساسية هي «القائد يصنع الجماهير». وبمعنى آخر ليس مهماً كيف تصل إلى السلطة، المهم أن تصل. وحين تصل ستقوم «بتزبيط» جميع الأمور وتسويتها بالشكل اللائق.
إنّ هذه العقلية مترافقةً مع قصور معرفي عن فهم الوضع الدولي وتحولاته، دفعت الأستاذ عبد العظيم وغيره إلى محاولة إرضاء جميع الأطراف في محاولة لاحتلال موقع توافقي يوصله إلى السلطة ضمن توازن داخلي صفري أو قريب من الصفري، فهو مع «اسقاط نظام الفساد والاستبداد»، ولكنه ليس مع «اسقاط النظام» حاف. وهو ضد التدخل الخارجي ولكنه ضد الفيتو ومع تدخل عربي، وهو ضد العنف لكنه مع دعم الجيش الحر، وهو ضد الحوار مع الأسد لكنه مع الحوار. الموقف الذي لا يختلف في جوهره عن مواقف متشددي السلطة برفضهم الحوار مع من تلوثت يداه بالدم، وكأنهم خارج معادلة الدم. كما أنه يؤمن – مؤخراً - بعدم إمكانية حسم ميداني لأي من الطرفين، لكنه يحاول إيهام الناس بأن الحل السياسي هو تسليم لمقاليد السلطة لطرف لم ينتصر، ويعرف أن ذلك لن يتم. ويصر على حجب الصفة المعارضة عن ائتلاف قوى التغيير السلمي في جنيف، ويعرف أن ذلك لن يتم، ولكنه لا يهتم كثيراً بمدى ثقة «الجماهير» بمصداقيته التي تتزعزع مع كل تراجع يقوم به.
ثانياً: التوحد الثانوي
يفرد سيغموند فرويد ضمن كتاباته عن آليات الدفاع النفسي حيّزاً واسعاً لمتلازمة التوحد الثانوي، فيبيّن أنها محاولة المعتدى عليه تمثل مواقف ومشاعر وسلوكات المعتدي، في محاولة منه لتجنب الاعتداء. هذا بالضبط سلوك جزء من هيئة التنسيق وعلى رأسه السيد حسن عبد العظيم تجاه «المجلس الوطني» سابقاً، وتجاه «ائتلاف قوى الثورة» حالياً. الكيانان اللذان لم يعترفا بالهيئة حتى اللحظة، واللذان يعتبرانها صنيعة نظام، وهي لا تنفك تسعى لتقارب ما معهما، ولا تصيغ موقفاً من مواقفها إلا ورقيب «ائتلاف الدوحة» يحتل الجزء الأساسي من تفكيرها. فتخرج مواقفها مرتبكة مشتتة موزعة بين لا ونعم لكل شيء، وللشيء نفسه. فمثلاً لا يعتبر السيد عبد العظيم مشكلة، وهو الرافض للطائفية، تشكيل ميشيل كيلو لما أسماه «هيئة المسيحيين السوريين». ولا يثنيه عن محاولة التقارب مع الائتلاف، وهو الرافض للتدخل الخارجي، قبول هذا الأخير ودعمه ولهاثه وراء عدوانٍ أميركي على سوريا.
ويبدو أن استمرار محاولة ارضاء الجميع، واستمرار التمسح بجماعة الائتلاف، وعدم الجدية في تكوين قاعدة شعبية من خلال مراكمة الثقة سيضع المستقبل السياسي للسيد حسن عبد العظيم موضع تساؤل جدي.
المصدر: الأخبار - العدد ٢١٥٦ الاربعاء ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٣