وعد بلفور... ووعد التوازن الجديد
في وقتٍ لا تزال فيه «نخبٌ» سياسية فلسطينية وعربية تلهث خلف «انتزاع اعترافٍ» من المملكة المتحدة بأنها قد أخطأت بحق الشعب الفلسطيني عندما منحت «وعد بلفور» للحركة الصهيونية، يبحث الكيان الصهيوني العاجز في أروقة حكمه كل الخيارات المفترضة لتفادي التصاعد الحاصل في مستوى التحرك الشعبي الفلسطيني.
لن يبدو خارجاً عن السياق القول اليوم – وتحديداً في ذكرى إعلان وعد بلفور المشؤوم- إن الانتهاء من «إسرائيل»، ذلك الكيان الغاصب الذي سندته الإمدادات العسكرية والتقنية والمالية الغربية طويلاً، لم يعد «حلماً رومانسياً» كما تجهد الأقلام الرجعية على وصفه، بل بات اليوم استجابة للظرف الموضوعي الجديد، الذي يفرض نفسه على الجميع، تراجعات وتقدمات ومراوحات في المكان.
كيف ذلك؟ بعد الحرب العالمية الثانية، استكملت الولايات المتحدة- بوصفها الإمبريالية حديثة النشأة في ذلك الحين- ما بدأه البريطانيون في بدايات القرن العشرين، من دعم منقطع النظير للكيان الصهيوني، وتطوير دوره الوظيفي في المنطقة، كقاعدة متقدمة للإمبريالية. وقد أفضى هذا الدعم إلى إنتاج تفوق ما لهذا الجسم الغريب على حساب دول المنطقة، ابتداءً من الجانب العسكري التقليدي، وصولاً إلى تطوير القدرات النووية.
أما اليوم، فلم يعد خافياً على أحد التناقضات التي بدأت تهزّ أركان هذا النمط من العلاقة. فلا الأمريكي – الذي يعتبر الرافعة الدولية الأساسية للسياسات الصهيونية- قادر على أن يحمل ثقل هذا الكيان اليوم، ولا مستوى القوة «الإسرائيلية» منفردة – والخارجة من أكثر من خمسة هزائم عسكرية منذ مطلع هذه الألفية- يسمح بتواصل الحديث عن «قوة لا تقهر». أما لدى البريطاني، فلن يجد الكيان أكثر من «هباتٍ معنوية» من قوةٍ أوروبيةٍ تتداعى إلى كيانٍ يقف خائراً أمام استحقاق التوازنات الدولية الجديدة.
لأول مرة ومنذ «صناعته» تطرح العديد من نخب الكيان سؤالاً ذات طابع وجودي، وتحديداً حول قدرة هذا الكيان الوظيفي على الاستمرار في أداء دوره، في ظل التحولات الكبرى الجارية على النطاق العالمي، وبالدرجة الاساس دور وزن المشغل الأساسي للحركة الصهيونية، في ظل انتقال مركز الثقل في التوازن الدولي إلى الشرق، واضطرار المركز الغربي الإمبريالي التخلص من الأحمال الزائدة.