عن الفيدرالية ولقاء برلين التشاوري.. اجتزاء يخفي الهروب من نقاش سياسي أعمق!
كتب السيد رياض درار في مقالته على موقع قناة «روناهي» بتاريخ 18/10/2017 المعنونة «إضاءة على مخرجات اللقاء التشاوري في برلين.. لماذا الفيدرالية؟» مؤكداً على ضرورة الفيدرالية كحل لسورية، وجازماً بأن جميع من حضروا اللقاء التشاوري في برلين والذي دعا إليه التحالف الديمقراطي بتاريخ 14/10/2017 كانوا مع البلاغ الصادر عن اللقاء، والذي دعا إلى عدة أمور، من بينها (مؤتمر سوري – سوري، انتقال سياسي، الفيدرالية...)، باستثناء ممثل حزب الإرادة الشعبية.
وعليه، نورد بعد التوضيحات حول ما أورده السيد رياض، بناءً على ما جرى فعلاً، لا بناءً على ما أراد السيد درار تصويره، وذلك لتفنيد جملة الاجتزاءات والتحويرات التي أوردها في المقالة.
يوحي السيد رياض درار - وفقاً لشرحه في مقالته- بأن الاعتراضات جاءت فقط من ممثل حزب الإرادة، وأنها اقتصرت على الفيدرالية، كما أنها لم تكن اعتراضات على مضمون الفيدرالية، بل على استخدام مفردة الفيدرالية، حيث أورد السيد درار في مقالته ما يلي:
«واستطاع هذا اللقاء الخروج ببلاغ تضمن توصيات اتفق عليها الجميع عدا ممثل حزب الإرادة الشعبية الذي ينطق باسمه السيد قدري جميل وكان اعتراضه على تضمين الدعوة للحل الفيدرالي لا رفضاً للفيدرالية وإنما لأن الكثير من أفراد الشعب وبعض القوى السياسية لم تصل بعد إلى تفهم معنى الفيدرالية مما يتطلب منا الحديث عن لامركزية إدارية أو لامركزية موسعة ولعمري إن السياسي هو الذي يقود ويقنع ويسعى إلى تجريع الجمهور المفاهيم الجديدة وغير المفهومة جرعة بعد جرعة حتى يفطمهم وهم قادرون على استيعابها والدفاع عنها كممتلكات تتضمن أسرار حياتهم وسعادتهم...».
بدايةً، ينبغي التأكيد على قضية هامة، وهي أن حديث السيد درار عن إجماع حول «البلاغ» فيه الكثير من عدم الدقة. حيث أنه وبعد عدة اعتراضات من قبل ممثل حزب الإرادة الشعبية وآخرين بداية على فكرة «إطلاق بيان» دون نقاش ثم تالياً على فكرة «إطلاق بيان عن اللقاء» بعد النقاش السريع، جرى تخفيض هذه الصيغة إلى «إصدار بلاغ»، ومع استمرار الاعتراض، تم التوافق على إصدار «خبر» يتضمن الحديث عن أن القوى الشخصيات المشاركة ناقشت جملة من القضايا كان أبرزها (مؤتمر سوري... الحل السياسي... الفيدرالية...)، على أن يتم حفظ رأي المعترضين ضمن ذلك الخبر، وهو ما أكده مسيروا اللقاء لممثل حزب الإرادة، والذي ظل معترضاً على معظم المضامين السياسية سواء «للبلاغ الافتراضي» أو لورقة التحالف. أي أن مجرد الحديث عن «إجماع حول بلاغ» هو منافٍ للدقة، فما تم التوافق عليه هو «إصدار خبر»، كان ينبغي له أن يبرز الاعتراضات على المضامين السياسية لما جرى.
ثانياً: ركز السيد رياض درار في مقالته على أن الاجماع كان شاملاَ حول «البلاغ الافتراضي»، بما فيه قضية الفيدرالية وهو أمر مناف للحقيقة، فكان هناك العديد من المعترضين على فكرة الفيدرالية لفظاَ ومضموناً وكان ممثل حزب الارادة الشعبية أحدهم فقط. وهو ما كان واضحاً للجميع، حيث أن القاعة شهدت نقاشات حادة وصلت إلى حد «الهرج والمرج» بعد أن أصر عدد من المشاركين على ضرورة مناقشة بنود «البلاغ الافتراضي» وتوقفوا طويلاً عند مفهوم الفيدرالية، ولو أن النقاش حول بند الفيدرالية لم يتم حشره بوقت ضيق فلربما لما انتهى النقاش والسجال حتى هذه اللحظة.
ثالثا: إن اعتراضات ممثل حزب الارادة الشعبية لم تقتصر على قضية الفيدرالية كما حاول السيد درار أن يظهرها مجتزأة من سياقها، بل شملت المضمون السياسي للنقاط الجوهرية في وثيقة التحالف وكامل المضامين السياسية للبلاغ الافتراضي. وبالتالي فإنه من المستهجن أن يعلق السيد رياض على جزئية ويغفل باقي الاعتراضات، سيما أنه يشير إلى اجماع على كامل نقاط البلاغ ثم يعود ليقصر موقف ممثل حزب الارادة باعتراض على الفيدرالية!
إن اعتراضات الارادة الشعبية طالت جوهر الورقة بالعمق حيث أكد ممثل «الارادة الشعبية» على أن التوافق الروسي الامريكي هو توافق دولي يتجسد بالقرار 2254 بكافة بنوده سواء بجانب الحل السياسي أم بجوانب الحرب على الارهاب بينما انبنت ورقة التحالف ولاحقاً ذلك البلاغ على أساس أن الاتفاق هو روسي أمريكي فقط، وأنه اتفاق على الحرب على الارهاب فقط، دون الحديث عن التوافق على الحل السياسي!
كما اعترض ممثل الحزب على عدم تحديد وظيفة «الاجتماع السوري- السوري» الذي يدعو إليه «البلاغ الافتراضي» وعلى عدم تحديد مرجعية هذا اللقاء وتحديداً لجهة علاقته بتنفيذ القرار 2254 وتحديد مدى خدمته لمؤتمر جنيف من عدمها. كما استغرب ممثل حزب الإرادة الشعبية أن يتبنى التحالف «حكومة انتقالية» في الوقت الذي يقول فيه القرار 2254 بضرورة قيام «جسم حكم انتقالي». وخلاصة القول هنا أنه من غير المفهوم أن يقوم السيد رياض بالاعتراض على موقف حزب الإرادة الشعبية من ذلك البلاغ بإغفال الاعتراضات على معظم المضامين السياسية الذي جرى الحديث عنها.
رابعاً: حول موقف حزب الإرادة الشعبية من قضية الفيدرالية والتي يشير السيد درار إلى أن ممثل الحزب يرفض المصطلح وليس مضامينه- وكأن الخلاف كان اصطلاحياً؟!! - فينبغي توضيح ما يلي:
إن موقف الحزب من الفيدرالية هو واضح، حيث يرفض الحزب فدرلة سورية. وقد تحدث الحزب مراراً عن ضرورة ايجاد «لامركزية- إدارية» بالاستفادة من بعض عناصر تجربة الادارة الذاتية الى جانب غيرها. أم ما أورده البلاغ الافتراضي فهو فيدرالية مضمونها لا مركزية سياسية، وهو ما اضطر ممثل الحزب للاعتراض على فكرة الفيدرالية سواء من حيث المضمون حيث أكد على «اللامركزية الإدارية» وليست اللامركزية السياسية. كما اعترض على المصطلح ايضاً لكن بطريقة تختلف عما شرحه السيد درار، حيث أكد ممثل حزب الارادة أنه «مجرد استخدام مصطلح الفيدرالية وجعله منطلقاَ للنقاش هو مشكلة بحد ذاتها»، حيث يتم استخدام هذا المصطلح اليوم كفتيل لإشعال الصراع القومي بناء على أن التجارب الراسخة في ذهن شعوب منطقتنا هي التجارب التي رأيناها من العراق الى السودان، حيث كانت «الفيدرالية» كمصطلح فتيلاً للصراع القومي وكانت مدخلاً للتقسيم بالمعنى العملي فلماذا الاصرار عليها اليوم؟!
كان الأمل من بعض الأقلام أن تتعامل مع المواضيع السياسية التي تطرح لمستقبل سورية بالكثير من الجدية الا أن ما تم ايراده في المقالة اجتزاء مستغرب يوحي بأن بعض السياسيين لا يزالون يتهربون من الاجابة على الاسئلة الجوهرية بإطلاق بالونات دخانية تحاول أن تحرف تعدد الآراء بين السوريين عن مضامينه الجدية.