مشاريع القروض الصغيرة... تثري «النخب» وتعزز الفقر
ليس التمويل الصغير أكثر من طريقة مقبولة اجتماعياً لتستغل فيها النخبة المالية الفقراء

مشاريع القروض الصغيرة... تثري «النخب» وتعزز الفقر

ليس التمويل الصغير أكثر من طريقة مقبولة اجتماعياً لتستغل فيها النخبة المالية الفقراء

تعريب: عروة درويش

اعتقد مجتمع التنمية الدولي قبل ثلاثين عاماً أنه أوجد الحل الأمثل للفقر في الدول النامية، وهو: القروض الصغيرة .(Microcredit) كان أشهر واضعي هذا الاستراتيجية - والمؤلفة من تقديم قرضٍ صغيرة للفقراء حتّى يتمكنوا من إطلاق عملهم الحر الخاص بهم - هو الاقتصادي البنغلاديشي المُدرّب في الولايات المتحدة محمد يونس، الذي صوّر القروض الصغيرة على أنها علاج شافٍ، من شأنه أن يخلق بسرعة عدداً غير متناهٍ من الوظائف، وأن يقضي على الفقر المدقع.
سرعان ما حوّل مشروع: «إيصال الرأسماليّة إلى الفقراء» صاحبه يونس إلى الشخص الذي يقصده الجميع طلباً للنصح من أجل أفضل السبل لمعالجة الفقر في العالم. أدّى تدفق التمويل عام 1983، وخاصّة من وكالات الإعانات الأمريكيّة ومؤسساتها الخاصّة، إلى إنشاء «بنك للفقراء» هو بنك «غرامين»، الذي تمّ تمويله من المانحين الدوليين، وانتشر في جميع أنحاء دول الجنوب. لقد ولدت حينها حركة القروض الصغيرة، وكانت الوكالة الأمريكية للتنمية «USAID» والبنك الدولي تحديداً من أكبر داعمي هذا النموذج. حيث استطاعت هاتان المؤسستان الترويج لفكرة الاعتماد على الذات وعلى المشاريع الفردية كمضادات للفقر، وهي عناصر أساسية في الرأسماليّة النيوليبرالية.
فضّل اقتصاديون كلاسيكيون جدد أمثال، جيفري ساكس، نموذج القروض الصغيرة لأنّه يدعم وجهة نظرهم حول التنمية الاقتصادية، المبنية على فكرة تأسيس مشاريع فردية والتفاعل مع السوق. صوّر، ساكس، القروض الصغيرة على أنّها طريقة لمساعدة الفقراء على التخلّص من فقرهم عبر تسلّق ما سمّاه «سلّم التنمية».
وُصِف النموذج بحلول منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، بأنّه أكثر نموذجٍ فاعل في مقارعة الفقر والتفاعل الإنمائي «من الأسفل- للأعلى» على مرّ الأزمان. أطلقت منظمة الأمم المتحدة، بدعمٍ عابرٍ للأطياف السياسيّة، على سنة 2005 اسم «عام القروض الصغيرة». أصبحت تلك القروض واحدة من السياسات الإنمائية القليلة المعروفة والمدعومة من قبل الناس العاديين في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي سهّله دعم أبرز المشاهير للجهود العالمية في هذا المجال، ومن بينهم بيل وهيلاري كلينتون وبيل غيتس وبونو وناتالي بورتمان ومات ديمون.
وصلت الحركة إلى حالة من التمجيد في تشرين الثاني عام 2006، أثناء مؤتمر القروض الصغيرة، الذي عُقد في هاليفاكس في كندا، حيث تم الاحتفال بالتقدم المحرز، وأخذ العهود من المشاركين بزيادة إمدادات القروض. وتم الحديث عن أن تلك القروض باستطاعتها التأثير إيجاباً على الرعاية الصحيّة، البيئة والإرهاب بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل الأخرى. ووصف، بيرنارد بالكنهول، رئيس وحدة التمويل الاجتماعية في منظمة العمل الدولية آنذاك، روح حركة القروض الصغيرة بـ«أنّها استراتيجيّة للحدّ من الفقر بامتياز».
ويبدو بالنظر إلى خطط التوسع الطموحة تلك، أنّ مستقبلاً يحصل فيه كلّ فرد فقير في كوكب الأرض - خاصة النساء - على قرض صغير، قد بات قريباً من التحقق، وأنه سيصبح حقيقية واقعة ما قاله يونس مراراً، بأنّ القروض الصغيرة سوف «تقضي على الفقر خلال جيلٍ واحد»، وبأنّ على أطفالنا زيارة «متحف للفقر»، لرؤية الأمر الذي دار كلّ هذا الضجيج حوله. ولكن ما حدث حقيقةً، أن كل شيء عندئذٍ بدأ يصبح كارثياً.
لقد كانت الكارثة التي تسببت في التحوّل الهائل عن التمويل الصغير هي الطرح الأولي للاكتتاب العام في أكبر مصرف إقراض صغير في المكسيك «بنك كومبارتاموس» عام 2007. لم يتعرّف الناس العاديون هناك على النجاح المبهر للقروض الصغيرة في الحدّ من الفقر، بل تعرّفوا على المستوى المريع للاستغلال من جانب كبار المديرين والمستثمرين الأجانب.
لقد فوجئ معظم العاملين في قطّاع القروض الصغيرة بمقدار شجع هؤلاء المتورطين، لكنّ سرعان ما تبيّن بأنّ «كومبارتاموس» لم يكن إلّا غيضاً من فيض. فعندما ظهرت حالات أخرى من الإثراء الشخصي والسلوك المجرّد من المبادئ على السطح، أصبح واضحاً بأنّ نموذج القروض الصغيرة قد استولى عليه روّاد أعمال جشعون، ومصارف خاصّة لا ترحم، ومستثمرون لا يلينون.
ويجري في الوقت ذاته التشكيك المتزايد بصحّة التقارير التي كانت تبرّر وجود القروض الصغيرة. لقد كانت الأدلّة ضعيفة في الواقع لدرجة أنّ إحدى الدراسات الرئيسة التي تمولها الحكومة البريطانية قد خلصت إلى أنّ كامل حركة القروض الصغيرة قد «شُيّدت على أساسات من الرمال». فبعد سلسلة مدمّرة من «الانتعاش والكساد» في جميع الدول والأقاليم التي وصلت فيها القروض الصغيرة إلى الجمهور الأكبر، إنهار الاعتقاد القديم الصلبّ بقدرة القروض الصغيرة على مساعدة الفقراء بسرعة.
خلال أكثر من ثلاثين عاماً، انتقلت فكرة القروض الصغيرة من كونها البطل الذي يساعد الفقراء إلى كونها سياسة معنيّة بقتلهم بطريقة عفنة. كيف حصل ذلك؟
زيادة الإفقار
تكمن المشكلة الرئيسة لحركة القروض الصغيرة المعاصرة في قيامها أساساً على فهمٍ خاطئ للاقتصاد. لقد ظنّ يونس بأنّه يمكن للفقراء، وخاصّة النساء، أن يؤسسوا مشاريع صغيرة غير رسميّة، ثمّ يبيعون السلع والخدمات الرئيسيّة لفقراء آخرين في المجتمع. لقد تمّ تطبيق هذا الافتراض حتّى في أكثر المجتمعات بؤساً، حيث يصارع الفقراء لتوفير المواد والخدمات البسيطة اللازمة لنجاتهم. لكنّ يونس اعتقد بأنّه طالما يستطيع الفقراء إنتاج شيء، فسيكون بإمكانهم بيعه. فكما قال في توصيفه الشهير للأمر: «يفتح برنامج القروض من نوع «غارمين» الباب أمام تشغيلٍ ذاتيّ بلا حدود، ويمكنه القيام بذلك بشكل فعّال باستخدام قدرة مالية ضعيفة وسط الازدهار، أو حتّى في حالة الفقر المدقع».
اعتنق يونس لسوء الحظ مغالطة باطلة منذ زمن، تُعرف باسم «قانون ساي،law Say's» وهي الفكرة القائلة بأنّ الإنتاج يخلق الطلب الخاص به. وكما شرحت الاقتصاديّة، أليس أمسدن: لا تكمن المشكلة الرئيسة للدول النامية في توريد المواد الأساسية، بل في النقص الحاد للطلب المحلي أو «القوّة الشرائيّة» المطلوب ليدفع ثمن هذه المواد. هنالك عموماً، حتّى في أفقر المجتمعات، ما يكفي من متاجر التجزئة ومنافذ بيع الأطعمة في الشوارع وصانعي الأنسجة، إن توفّرت لهم الوسائل الماليّة لفعل ذلك.
تسهم «القيود على الطلب» المحليّة في تشكيل اثنين من أوجه القصور الرئيسة المرتبطة بالقروض الصغيرة، وهي الإزاحة والخروج. تحدث الإزاحة عندما تُلغى الوظائف والمداخيل الجديدة المسجّلة في إحدى مشاريع القروض الصغيرة، بسبب انخفاض الوظائف والمداخيل للمشاريع المنافسة من ذات الطابع. أمّا الخروج فهو عندما تضطر كلاً من مشاريع القروض الصغيرة الجديدة والموجودة مسبقاً، إلى الإغلاق جرّاء العرض الزائد الذي تضيفه مشاريع القروض الصغيرة الغير رسمية العاملة في نفس المجال.
وكما يشير، دافيد ستوري، خبير سياسات الأعمال التجارية الصغيرة: «الحقيقة الوحيدة الأكثر أهميّة التي يجب إبقاءها في الأذهان عند تنفيذ تدابير تساعد الشركات الصغيرة، هي المعدلات المرتفعة لموت هكذا شركات». إنّ الحقيقة الكامنة وراء دعاية القروض الصغيرة، هي أنّ الغالبية العظمى من هؤلاء الذين أخذوا قروضاً صغيرة للاستثمار في أحد المشاريع التي تدرّ دخلاً، قد انتهى بهم المطاف إمّا بالفشل أو بإزاحة مؤسسة أخرى تعتمد على القروض الصغيرة وتعمل في المجال ذاته .
يؤدي الفشل إلى الإفراط في المديونيّة، وإلى تحويل تدفقات الدخل الأخرى - التحويلات المالية والمعاشات التقاعدية - لتسديد القروض، وإلى فقدان الأصول العائلية المرهونة كضمان «الأرض والمنازل والمركبات»، وإلى الإذلال واليأس والانحطاط إلى مستوى الفقر الذي لا مفرّ منه في الكثير الكثير من الحالات.
وإذا ما نظرنا إلى الإزاحة والخروج معاً، يمكننا أن نفهم سبب عدم تحقيق نموذج القروض الصغيرة إلّا زيادة ضئيلة أو معدومة في العمالة. ففي البوسنة التي أتُخمت بالقروض الصغيرة على سبيل المثال، تبيّن بأنّ جميع الادعاءات بخلق فرص عمل هائلة هي مزيّفة بشكل واضح بسبب رفض القيمين عليها أخذ هذه المسائل في الاعتبار. في الواقع، يصعب العثور على تقييمات لتأثير عنصري الإزاحة والخروج. ففي أكثر الحالات، طغت الرغبة بإرضاء العملاء - وهم من مؤيدي القروض الصغيرة بالتأكيد - على أيّ إلزامٍ مهنيّ أو أخلاقي بالإبلاغ عن الواقع.
ومع ذلك، تساعد هذه العيوب الواضحة في تفسير سبب عدم وجود أدلّة تجريبية على نجاح القروض الصغيرة في التقليل من الفقر، وذلك باعتراف حتّى أقدم أنصار هذا النموذج. إنّها، كقاعدة عامّة، تزيد ببساطة معدّل دخول المؤسسات غير الرسمية المعتمدة على القروض الصغيرة، وهو ما يستتبعه نسب عالية من الإزاحة والخروج، مؤدية لخلق ديناميكيّة محليّة غير منتجة ومهدورة. وكما كتب مايك دافيس: ليس تحفيز المنافسة المفرطة في أسواق البلدان النامية المحليّة هو الطريق للخروج من الفقر والمعاناة، بل هو مجرّد تجلّ قبيح متزايد للفقر.
وثمّة مؤشر آخر على فشل القروض الصغيرة في الكثير من البلدان النامية: فالفقراء لم يعودوا يسحبون القروض الصغيرة من أجل المشاريع التجارية، عارفين بأنّهم إمّا سيكافحون لجني المال أو بأنّهم سيفشلون بسرعة. بالمقابل فإنّ أعداداً متزايدة من الناس باتت تستخدم القروض الصغيرة لدفع ثمن السلع الاستهلاكيّة التي يحتاجونها بشدّة.
يأمل المقترضون أن يسددوا في نهاية المطاف قروضهم الصغيرة، عبر بعض التدفقات المالية غير المتوقعة، أو عبر طفرة نادرة من نجاح الأعمال التجاريّة. لكن في الممارسة العملية: يأخذ الفقراء بشكل متزايد قروضاً صغيرة أكبر فأكبر، وغالباً ما يكون أكثر من قرض، لمجرّد تغطية دفعات القروض الصغيرة السابقة. أدّى هذا بدوره إلى الدفع تجاه المديونيّة الفردية التي لا نهاية لها، والتي وصلت في بعض الدول النامية إلى مستويات صاعقة.
«تفريخ» رجال الأعمال
ثمّة مشكلة أكثر جوهرية في القروض الصغيرة تنبع من دورها في تأمين مسار إنمائي «من أسفل إلى أعلى» طويل الأجل. وإذ يدرك العديد من المدافعين عن تلك القروض أنّ دلائل نجاحها على المدى القصير هي دلائل هشّة، فإنّهم يصرّون على النظر إلى المدى الطويل، حيث يرونها أكثر فاعلية، وتدعم دخول روّاد الأعمال الصغيرين وانتشارهم التدريجي في الأماكن التي تكون في أمسّ الحاجة إليهم. وفي هذا السياق، يكرر هؤلاء الإشارة إلى إفريقيا كمثال على المعاناة من نقص روّاد الأعمال. لطالما بذل مجتمع الإنماء الدولي قصارى جهده، مدعوماً من شخصيات اقتصاديّة إفريقيّة كبرى مثل دامبيسا مويو، ليعلن الحاجة الماسّة لإيجاد طبقة روّاد أعمال إفريقية يمكنها أن تلعب دور طليعة التنمية المستدامة.
تلك الحجج زائفة بشكل كلّي. فكما يشير الاقتصادي الإنمائي ها-جون تشانغ: لدى إفريقيا روّاد أعمال أفراد أكثر من أيّ مكانٍ آخر على ظهر الكوكب، ويجري إنتاج الكثير منهم باستمرار بفضل أُطر برامج القروض الصغيرة الجديدة، وبسبب تحوّل المصارف التجارية في إفريقيا إلى عمليات الإقراض الصغير.
إنّ تخمة رجال الأعمال الصغار تعوق فعلياً التنمية طويلة المدى. فمن خلال توليد عمليات تجاريّة فائضة من نمط «اشتري بسعر زهيد، وبع بثمن عالٍ»، تحول القروض الصغيرة دون نشوء بنية اقتصادية محليّة أكثر إنتاجية تقوم على الصناعة وتتوجّه ناحية النمو. وتقوم المنافسة الشديدة الناجمة عن موجات المشاريع الصغيرة غير الرسميّة، بإعاقة النمو العضوي الذي قد يتم الوصول إليه عبر المشاريع الرسمية ذات المرتكزات الأفضل. يمكن إيضاح ذلك بحالة جنوب إفريقيا، حيث شجّعت أول حكومة تالية لنظام الفصل العنصري توسيع نطاق القروض الصغيرة وقطّاع روّاد الأعمال الصغار، في محاولة لمعالجة الفقر والبطالة بين السكان «السود»، لكنّ هذه الاستراتيجيّة أثبتت كارثيتها بالنسبة لفقراء جنوب إفريقيا.
وقد زادت القروض الصغيرة الموجهة عدد روّاد الأعمال غير الرسميين في البلدات ذات الغالبية «السوداء» وفي المناطق الريفيّة. وقد ساعد هذا، مقروناً بعدم وجود زيادة فاعلة في الطلب - والتي تسببت برامج التقشف التي وضعها البنك الدولي، والسياسات النيوليبرالية التي تبناها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بها بشكل جزئي - في خفض متوسط الدخل في الاقتصاد غير الرسمي بنسبة 11% بالقيمة الحقيقية سنوياً بين عامي 1997 و2003. أمّا فرص العمل الحر التي خُلقت بفعل توسّع القطّاع غير الرسمي، فقد قوبلت بانخفاض في متوسط دخل هذا القطّاع. وارتفع وتثبّت الفقر كنتيجة لذلك.
وعليه فإنّ حركة القروض الصغيرة لم تفعل أكثر من المساعدة في تعميق إغراق أعدادٍ كبيرة من «سود» جنوب إفريقيا في المديونيّة والفقر وانعدام الأمن. في الوقت نفسه، أصبحت «نخبة بيضاء» صغيرة من «بيض» جنوب إفريقيا ثريّة جداً جرّاء توريدها للقروض الصغيرة. ليس من المستغرب أنّ الكثيرين في جنوب إفريقيا الآن ينظرون إلى القروض الصغيرة على أنّها مماثلة لأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن مع مزيد من النغمة المقلقة المبنيّة على الاستغلال القائم على التفريق العرقي.
لننظر أيضاً إلى حالة أمريكا اللاتينيّة حيث قامت أعداد متزايدة من مؤسسات القروض الصغيرة، والمصارف التجاريّة ذات النطاق الضيق، في بداية التسعينيات، بعمليات توسيع شديدة لموارد القروض الصغيرة. إنّ معجزة مشاريع القروض الصغيرة «من أسفل لأعلى»، والتي وعد بها ليبراليون جدد من أمثال هيرناندو دي سوتو لوقت طويل، لم تعد موجودة في أي مكان. بدلاً من ذلك، هنالك أدلّة متزايدة على أنّ توجيه الموارد الماليّة الشحيحة لأمريكا اللاتينية - المدخرات والحوالات النقدية- نحو المشاريع الصغيرة غير الرسميّة ذات الإنتاجية المنخفضة، ومشاريع العمل الحر المغامرة، فضلاً عن القروض الاستهلاكية، قد أسهم في التدمير التدريجي للقاعدة الاقتصادية للقارة.
لقد تمّ نشر هذا التقييم السلبي حتّى من قبل «مصرف تنمية البلدان الأمريكية «IDB ،الخاضع لتوجهات الطغمة السائدة، والذي ذكر في تقرير نُشر عام 2010 بأنّ انتشار المؤسسات الصغيرة غير الرسمية ومشاريع العمل الحر، المرتبط بالأسواق، كان السبب الرئيس في انحدار القارة خلال عشرين سنة «1980-2000» إلى فقر ولامساواة وضعف اقتصادي، أكثر حدّة. وكان استنتاج بنك «IDB» المطلق: «إنّ الوجود الطاغي للشركات الصغيرة وللعاملين لحسابهم الخاص، هو علامة على الفشل وليس على النجاح». ولا يمثّل التوسّع في مشاريع القروض الصغيرة الذي يحفّزه التمويل الصغير في الدول النامية، حلّاً للفقر الأزلي وللامساواة وللإنتاجيّة المنخفضة ولنقص التنمية عموماً، بل يشكّل سبباً رئيسياً لها.
التأطير النيوليبرالي للقروض الصغيرة
نشأت المشكلة الأخيرة للقروض الصغيرة من النموذج النيوليبرالي السائد في التسعينيات. ورغم أنّ محمد يونس وبنغلاديش مرتبطان بشكل شائع بنشئة القروض الصغيرة، فقد ظهر النموذج أوّل مرّة في ستينيات القرن العشرين في أمريكا اللاتينيّة، كجزء من محاولات الحكومة الأمريكيّة قمع الحركات المناهضة للرأسمالية والمقاومة للإمبريالية الأمريكية.
كانوا يأملون أن يتمكن عدد كافٍ من الفقراء من خلق فرص عمل حر ومؤسسات فردية، وعندها لن يكونوا بحاجة إلى حلول هيكلية للفقر، مثل دول فاعلة ونقابات عمالية وأنظمة رفاه اجتماعي، أو «الأسوأ»: الاشتراكية.
ورغم ذلك، مع صعود المشروع العالمي السياسي النيوليبرالي، تعرّض نموذج القروض الصغيرة إلى ضغوط شديدة ليتوافق مع حدود عمليات أضيق.
تمّ في البداية هيكلة مؤسسات القروض الصغيرة على شكل «مؤسسات غير حكومية «NGOs وتمويلها عبر موارد خارجية - مجتمع المانحين الدولي أو المؤسسات الخاصة أو الحكومات- وكانت ممقوتة من قبل صانعي السياسات النيوليبراليين الجدد، لذلك تمّ تحويل نموذج القروض الصغيرة، بتوجيه من الوكالة الأمريكية للتنمية والبنك الدولي، إلى الإطار النيوليبرالي. حيث تمّ توجيهه نحو نموذج أعمال القطّاع الخاص، وبات يعمل وفقاً لهياكل الحوافز على غرار وول ستريت، والتي يفترض أنّها أكثر كفاءةً، والتي تُشرف عليها الهيئات التنظيميّة «بلمسة خفيفة».
وقد بدأ تعميم الإدعاء القائل بأنّ «عالماً جديداً» من مكافحة الفقر ومن نموذج التنمية «من أسفل لأعلى» هو في المخاض، على يد شخصيات نيوليبرالية مرموقة أمثال ماريا أوتيرو وإليزابيث راين ومارغريت روبنسون.
غير أنّ التأطير النيوليبرالي للقروض الصغيرة لم ينجح إلّا في إضافة انحدار كارثيّ جديد إلى المأساة الواضحة التي حاقت بالفقراء. وقد أدّى الاستغلال التجاري وإلغاء الضوابط التنظيمية بشكل مباشر ومتوقع تماماً، إلى مستويات مذهلة من الجشع والتربّح والفساد في قطّاع القروض الصغيرة.
تحيّنت الكثير من المصارف الغربية وصناديق التمويل الفرصة لدخول مجال أعمال القروض الصغيرة من أجل إثراء المدراء الكبار «عبر الرواتب المرتفعة والمكافآت»، وحاملي الأسهم «عبر أرباح الأسهم المرتفعة وزيادة رأس المال». في المكسيك على سبيل المثال: حتّى أكبر المدافعين عن القروض الصغيرة يقرّون الآن بأنّ المصارف والشركات الكبرى التي دخلت في هذا المجال قد حققت عائدات مرتفعة بشكل هائل، عبر دفع النساء المكسيكيات إلى المديونيّة الشديدة.
ثمّ هنالك روّاد الأعمال المرموقين، والذين يتم تسميتهم عادة «روّاد الأعمال المجتمعيين»، وأصبحوا «مليونيريّة القروض الصغيرة». المثال الأفضل ربّما هو، فيكرام أكولا، المستشار السابق لدى «ماكينزي»، والذي يصف نفسه بأنّه «ناشط في مجال الفقر»، وأوردت مجلّة التايم عام 2006 اسمه على أنّه أحد أكثر مائة شخص مؤثّر. أسس، أكولا، شركته الخاصّة للقروض الصغيرة، وأصبح باستخدام مجموعة متنوعة من المضاربات والممارسات غير الأخلاقية، أحد أثرى الأفراد في الهند، وكان أيضاً الشخصيّة الرئيسيّة في مؤسسات القروض الصغيرة «الستّة الكبرى» في ولاية أندرا برادش الهنديّة، والتي ساعدت استراتيجيات الجشع الجمعي والنمو المتهور لديها على إسقاط كامل قطّاع القروض الصغيرة عام 2010.
رغم أنّ أكولا مثال متطرّف، فحتّى رؤساء هيئات الدفاع الرئيسة عن القروض الصغيرة قد انضموا إلى تيّار التربّح السائد. فقد كافأ، روبرت سكوفيلد، المدير التنفيذي لهيئة «FINCA» المؤيدة للاستثمار والقروض الصغيرة، نفسه عام 2013 بمبلغ 711 ألف دولار. لقد حدث هذا في هيئة غير ربحية، والتي لا تزال رغم التأمل المتزايد في نشاطاتها الربويّة، تفرض أسعار فائدة على زبائنها الفقراء تصل بشكل عادي إلى 100%.
وكما يوثّق، فيليب مادر، أكثر الديناميكيات وضوحاً في عمل القروض الصغيرة على مدى العقدين الماضيين هي استخلاص كمية مال هائلة من الفقراء، وذلك على شكل فوائد المدفوعات، التي تمرّ أولاً إلى مؤسسات الإقراض الصغير، وثمّ إلى المستثمرين في البلدان المتقدمة. ولم تقم حركة القروض الصغيرة العالميّة سوى بتوفير آلية جديدة، مقبولة اجتماعياً، يمكن من خلالها للنخبة أن تنزع الموارد من الفقراء.
وممّا يزيد الأمر سوءاً هو ارتباط القروض الصغيرة ذات التوجه السوقي بالأزمات الاعتيادية و«بانهيارات القروض الصغيرة»، فضلاً عن الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي تنجم عن الارتفاع المفرط بالمديونية.
بدءاً «بانهيار القروض الصغيرة» في بوليفيا عام 1999، وهو الحدث الذي تمّ إغفاله في حينه بوصفه «لا يتكرر»، فقد ظهر النخر حقّاً عام 2009 عندما وقعت أزمة القروض الصغيرة في البوسنة ونيكاراغوا والباكستان والمغرب. وقد نجا قطّاع القروض الصغيرة المتبجّح جدّاً، ولكن المشبع بشكل هائل، في بنغلاديش من انهياره الخاص عام 2009-2010، وذلك بعد أن تمّ الضغط من وراء الكواليس على المؤسسات والأفراد المتزعمين بأنّ يتخلوا عن استراتيجيات النمو الخطرة ويشاركوا السوق. اليوم، الكثير من البلدان على حافة «انهيار القروض الصغيرة»، بما في ذلك المكسيك والبيرو وكمبوديا، وذلك بعد سبعة أعوام فقط من الاختلاج الذي لا سابق له في الهند.
الحقيقة الصاعقة
رغم عدم نجاحه الواضح، إن لم نقل هدمه الكامل لأهداف التنمية طويلة الأجل والحدّ من الفقر، لا يزال نموذج القروض الصغيرة أيقونة داخل مجتمع الإنماء الدولي. الواقع هو أنّ البنك الدولي الذي يواجه انهيار هذا النموذج بسبب تناقضاته وإخفاقاته، لا يردع هذا الأمر، ولا يزال مفتوناً بالقروض الصغيرة لدرجة أنّه قام بمهمة إنقاذ مثيرة للسخرية، عبر إعادة وضع النموذج في جدول أعمال مزيّف بالكامل يدعى «التضمين المالي».
لم يعد بموجب هذه الخطّة توسيع نطاق القروض الصغيرة كافياً. فحتّى يتم ضمّك إلى النظام المالي - والذي يفترض به أن يخلق ظروفاً ملائمة للقضاء على الفقر- فعليك كفقير عالمي يريد الاستفادة من نظام القروض الصغيرة أن تتمكن فوراً من الوصول إلى الادخار الصغير والتأمين الصغير والاستئجار الصغير.
إنّ الضعف الذي يخطف الأنفاس، والافتقار الكامل للأدلة، والسخرية الواضحة الذي يتميّز بها جدول الأعمال هذا، لم يمنعه من أن يصبح «الممارسة الأمثل» في مجال التمويل المحلي، ولم يمنع غرسه بذات الشغف والالتزام اللذين بثّا الحياة في حركة القروض الصغيرة.
لماذا التسامح مع كلّ هذا الهراء والخداع؟ وما الشيء الذي يسمح للقروض الصغيرة بالاستمرار في تقويض التنمية المستدامة وإلحاق الضرر بالفقراء في العالم، رغم عقودٍ من الفشل؟
إيديولوجيا القروض الصغيرة
السبب الأهم وراء ذلك هو أنّ القروض الصغيرة مربحة للغاية. فكما وضّحت حالة مصرف كومبارتاموس منذ البدء، وعادت وتأكدت عام 2013 عندما وزّع المصرف أرباحاً بقيمة 154 مليون دولار على المستثمرين فيه، فإنّه بإمكان المستثمرين الخارجيين أن يجنوا عوائد ضخمة من قطّاع القروض الصغيرة. لقد بدأت البنوك التجارية الخاصة بإقراض وبالاستثمار في الكثير من مؤسسات الإقراض الصغير الكبرى، وقد حققوا مكاسب مذهلة باستغلال فرص تحقيق أسعار فائدة مرتفعة للغاية.
لنأخذ كمبوديا على سبيل المثال: حققت «البيوت الاستثمارية» التابعة لأكبر بنك ربحي «ACLEDA»، وهو بنك إقراضٍ صغيرٍ أيضاً، أقصى ما يمكن تحقيقه عندما عرض جزءاً من أسهمه للبيع عام 2009. وتفسّر الربحيّة «المعدلة على ضوء المخاطر» العالية للتمويل الصغير سبب تحرّك صناديق التمويل في وول ستريت ضمن هذا القطّاع منذ أوائل هذا القرن، وتحديداً في دول مثل الهند.
إن نظرنا إلى كلّ هذا المال المتاح بشكل سهل نسبياً أمام المستثمرين «الأذكياء». وإن نظرنا إلى الرؤساء التنفيذيين لمؤسسات التمويل الصغير الكبرى، الراغبين والقادرين بالاستيلاء على حصّة كبيرة من الأرباح لأنفسهم على شكل رواتب ومكافآت ضخمة. يتوضّح لنا الحافز الجليّ للضغط على مجتمع التنمية الدولي من أجل الإبقاء على دعم البرنامج.
وهذا يفسّر سبب إنفاق البنوك التجارية ورؤوس الأموال الاستثمارية وصناديق التحوّط للموارد الضخمة على تعزيز تجارة التمويل الصغير. حتّى مدونات الإنترنت رفيعة المستوى المتخصصة بالنقاشات حول الأمر باتت ممولة الآن من قبل القطّاع المالي، مثال: تدير صحيفة الغارديان مدونة للتضمين المالي برعاية شركة « .«VISAلكن التربّح لا يشكل سوى نصف تفسير الدعم واسع النطاق لنموذج القروض الصغيرة بين صانعي السياسات والسياسيين والناس العاديين. فمسألة الإيديولوجية هي مسألة مركزيّة أيضاً.
إنّ القروض الصغيرة جذابة للغاية بالنسبة لمجتمع التنمية النيوليبرالية وللسياسيين النيوليبراليين. ولهذا لا يمكن التسامح مع الانتقادات الموجهة للقروض الصغيرة، ولانتقاد الدور المركزي الذي يُفترض للمشاريع الفردية أن تؤديه في عملية التنمية. ولهذا يتم صدّ مثل هذه الشكوك بشكل عدواني، لأنّ مثل هذا التشكيك هو في جوهره تشكيك بالرأسماليّة نفسها.
وهذا هو سبب بذل البنك الدولي وغيره لجهود جبّارة في العلاقات العامّة، والمدعومة من قبل مجموعة من السياسيين والمؤسسات والمنظمات «غير الحكومية» في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، من أجل دعم «التضمين المالي». وكما يوضّح كلّ من مادر وسابرو: أحد الأهداف الرئيسة لمشرع التضمين المالي هو إنقاذ مؤسسات الإقراض الصغير من الزوال والإغلاق الواجب تحققهم.
يهدف برنامج «التضمين المالي» أساساً إلى خلق مظهر تبدو فيه روح المبادرة الفردية وكأنّها تعمل مثلما هو مكتوب في الكتب المدرسيّة الكلاسيكيّة الجديدة، ممّا يكبت النقاشات حول البدائل اليساريّة لتطوير البلاد. حتّى لو بدا هذا الأمر وكأنّه هزئ، فهو التفسير المنطقي الوحيد بالنظر إلى سوء التقديم الإجمالي للمعطيات وللاستخدام المكثّف للدراسات المتواطئة ولعصب العينين عن كلّ وجهات النظر الناقدة، وهي الأشياء التي تميّز حالياً الحماسة لـ«لتضمين المالي».
بطبيعة الحال، يعترف الكثير من الناس والمؤسسات ذوي النوايا الحسنة بأنّ الفقر لا يقل، وهم يريدون بصدق أن يفعلوا شيئاً بخصوص ذلك. ويبدو لهم بأنّ التبرع لصالح مؤسسات الإقراض الصغير هو حلّ فاعل وبسيط لمعالجة الآفة المستمرة.
لكن من هذا المنطلق ذاته، تُشرعن القروض الصغيرة الاعتقاد بقدرة النموذج الذي تسوّق له الولايات المتحدة، أي المشاريع الفردية والسوق المفتوحة، على القضاء على الفقر. إنّها الفكرة القائلة بأنّ الفقراء يحتاجون فقط ليصبحوا روّاد أعمال، أي أنّهم ليسوا بحاجة للتنظيم أو للاحتجاج أو للإضراب أو لتشكيل حزب سياسي يساري أو للتحرّك نحو علاجات جذرية وهيكلية لفقرهم.
يعمل نموذج القروض الصغيرة، عبر حشد التمويل لدعم برامج الإقراض الصغير في البلدان النامية، كوسيلة ممتازة يمكن من خلالها تشكيل ورعاية وتعزيز والتعبير بشكل عملي عن هذه الأسس والدوافع الإيدولوجية المؤيدة للرأسماليّة. وعليه، يعود الحفاظ على نموذج القروض الصغيرة بالنفع على مجتمع التنمية الدولي، فهو يرسّخ الإيديولوجيا الرأسماليّة في الأجيال المتعاقبة للبلدان المتقدمة والنامية على السواء، ويؤدي لتقدّم الهدف طويل الأمد المتمثل في عدم تسييس التنمية الدولية.
ومن الأمثلة على السعي لعدم التسييس هذا منظمة «كيف «Kiva الشهيرة، المنظمة غير الربحية التي تأسست عام 2005 من أجل حشد تمويلٍ للقروض من العالم الثري، وخاصة من طلّاب جامعات الولايات المتحدة، بهدف مساعدة روّاد الأعمال الفقراء في البلدان النامية على الانطلاق.
استخدمت المنظمة الخداع المتعمّد لجذب التمويل الأولي والاهتمام، فقد ادعى مؤسسا المنظمة بشكل كاذب بأنّ أعضاء »كيفا« يمنحون قرضاً صغيراً بشكل مباشر للأفراد الذين يختارونهم من على موقع المنظمة الإلكتروني بدلاً من المرور بمؤسسة إقراض صغير، ليحققوا عبر ذلك ازدهاراً في أربحاهم عبر وعد المتبرعين بأنّه بإمكانهم «تمكين الناس في جميع أنحاء العالم بقرض قيمته 25 دولار».
غير أنّه لا علاقة لتركيز «كيفا» على توفير قروضٍ متناهية الصغر بطرق شبه مباشرة - أي عبر مؤسسات الإقراض الصغير- من أجل روّاد الأعمال الصغار في البلدان النامية، بمكافحة الفقر في الحقيقة. بل تتعلّق «تجربة كيفا» بداعميها الذين يريدون أن يحصلوا على شيء من الرضا النفسي عبر تبرعهم بمبلغ زهيد من المال، وكذلك بالتحقق من أنّ «إيديولوجيتهم الرأسمالية» تعمل فعلاً.
وكما يشرح خبير التسويق دومين باجد: يستند نجاح «كيفا» إلى «ريادة الأعمال الخيريّة»، وهو الشعور المريح بأنّه يمكن لروّاد الأعمال في بلدان مثل الولايات المتحدة أن يحدّوا بشكل فاعل من الفقر في البلدان النامية، من خلال دعم روّاد أعمال المشاريع الصغيرة. ليس هنالك حاجة إذن لحركات تضامنيّة ولمقاومة نشطة للاستغلال وللظروف غير العادلة المفروضة على البلدان النامية. كلّ ما عليك فعله هو إرسال تبرعك إلى «كيفا»، ويمكن عندها للفقراء أن يعتنوا بأنفسهم.
مستقبل نموذج فاشل
بالنظر إلى الفشل الواضح للقروض الصغيرة في تعزيز تنمية مستدامة والحدّ من الفقر، يصعب التنبؤ بما سيأتي تالياً. يتخلّى العديد من المؤيدين السابقين لهذا النموذج مثل هيو سنكلير، وحتّى بعض المؤسسات والمدافعين العالميين المرموقين أمثال ««Catholic Relief Services عن هذا النموذج بسبب فشله. ويدعم هذا التوجّه على نحو فعّال عددٌ متزايد من الأكاديميين البارزين في الولايات المتحدة والذين كانوا من قبل من المؤيدين لهذا النموذج، والذين يسلّمون الآن بأنّ المعطيات تُظهر كون القروض الصغيرة ترياقاً عائباً للفقر.
إن واحداً من أكبر التأثيرات الضارّة لحركة القروض الصغيرة هي إزاحة المؤسسات المالية المحليّة الأكثر فاعليّة والتي تحركها اعتبارات مجتمعية وليس سوقية، مثل الاتحادات الائتمانيّة والتعاونيات الماليّة ومصارف التنمية الحكومية، من على جدول أعمال السياسات. لكن بدأت المؤسسات البديلة بالعودة إلى الساحة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 والوعي المتزايد بمخاطر القروض الصغيرة، وخاصّة في دول الجنوب.
ومع ذلك، يبدو من المرجّح أن يصمد نموذج القروض الصغيرة بشكل أو بآخر قبل أن يُستبدل بالأجندة المماثلة ولكن الأوسع نطاقاً: «التضمين المالي». على كلّ حال، هذا ما يريده البنك الدولي، وهو ما يحظى بدعم من مواقع مركزية عديدة، ومن بينها مؤسسات وصناديق المال العالميّة القويّة.
ليس استبدال القروض الصغيرة ببرنامج «التضمين المالي» أمراً يثير البهجة. يحمل هذا البرنامج ذات القدر من الفخاخ التي حملتها القروض الصغيرة: فهو يحمي ويثري نخبة عالميّة محدودة، بينما يفرّغ أخطاره على الفقراء أنفسهم.
وستتطلب دمقرطة التمويل بشكل جذري أن يتخطّى اليسار النطاقات الصغيرة، وأن يطوّر مؤسسات جماعية وتعاونية وحكوميّة لتعزيز التنمية المستدامة وإنهاء الفقر في نهاية المطاف.

آخر تعديل على الأحد, 22 تشرين1/أكتوير 2017 19:58